
شجرةُ الزيتونِ من الأشجار المعّمرة› تُغرس منذ آلاف السنين، ويُستفاد من ثمارها ومنتجاتها، نمتْ. جذورها من المتوسط منذ ما يراوح بين 11 ألف و14 ألف عام وبدأت زراعتها بما يراوح أيضا بين 3800 عام و3200 عام قبل الميلاد، وبسبب ثراء رمزيتها الثقافية تعتبر ثروة لما لها من فوائد اقتصادية وبيئية، فقد تجاوزت مع مرور الزمن وظيفتها الزراعية والغذائية الأولية غير كونها غذاء كامل، ثمرتها ذات فوائد دخلت في مختلف اشكال النشاط البشري، وورد ذكرها في الكثير من المراجع، وبنيت حولها الكثير من الدراسات، ولها قدسية خاصة في جميع الديانات الإبراهيمية، وعادة ما يوصي خبراء التغذية بتناول ما يقارب 7 حبات من الزيتون يوميا لما لها من أسرار وقيمة غذائية عالية لأجل الحفاظ على نظام غذائي صحي ومتوازن، وتمثل شجرة الزيتون مصدر الهام للفنانين والحكايات الشعبية والاساطير، وهي عنصر ضروري للتغذية والصحة وعامل مساعد ضد ظاهرة الاحتباس الحراري والتلوث، وهناك الكثير من المعتقدات والأساطير حولها، حيث تقول واحدة منها إن طائر الحمام عاد بغصن الزيتون على متن سفينة نوح ليكون مؤشرا أن الطوفان توقّف وعادت الحياة إلى الأرض.
في هذه المدينة الرائعة، شاهدتُ أشياءً لا يمكنَّني نسيانها، بدءًا بـ«الرحاة» الأداة التي تطحن الحبوب وتوفر لقمة العيش للجميع والحصول على الدقيق الكافي لصنع الخبز للعائلة، ويسمى هذا النَّوع من الخبز في غريان بـ«خبزة الفرن»، أو «خبزة التنور»، فيما يستخدم الدقيق لتحضير طبق البازين أكثر الأكلات شعبية وشهرة في ليبيا، والعصيدة، والرشدة العربية، ومن مقتنيات البيت الضرورية القائمة على خشب الزيتون «المهراس».
ويقولون: «الحوش اللي بلا مهراس زي المربوعة بلا تراس»، كذلك «الرزام» ويقولون عنه: «زي الرزام ليلة القاطر»، وعند الحديث عن نمط الحياة بالمدينة فهي ترتفع عن مستوى سطح البحر بـ 981 مترًا، فلابد لنا أن نتساءل عن طرق تعايش أهل هذه المدينة مع مناخها البارد، حيث تنخفض درجات الحرارة في فصل الشتاء من أواخر شهر نوفمبر حتى بداية شهر مارس إلى ما دون الصفر، هنا تظهر «المسدة» وهي آلة محلية الصنع للنسج الجرود، والبطاطين المستخدمة في فصل الشتاء للتدفئة.
وتتميز حياش الحفر بنسق معماري قديم ميزها، واتسمت بخصائص للتكيف مع الظروف المناخية، وحوش الحفر هو التسمية التي تطلق على البيوت المحفورة تحت الأرض باستخدام فنون العمارة القديمة، ومنطقة القواسم شمال مدينة غريان تحتضن أحد أشهر حياش الحفر، وما احتوته من مقتنيات منزلية، منها :
)القفة، تستعمل لحمل الخضراوات، والمشتريات من السوق، وتستغل أيضاً للتخزين داخل البيت، ومرورًا بمنطقة الميامين القواسم، توجد مصانع الفخار ومحال بيعه تعرض منتجاتها على حافة الطريق ولازالت تستخدم هذه المنتجات في البيوت، الاستثمار الأكبر هنا هو الطين؛ حيث تتميز التربة الجبلية في غريان بكونها تربة طينية، وهي المادة الخام الأساسية لهذه الصناعات، وأكثرها رواجاً هو «الفرن» المستخدم لتحضير الخبز، و«القدرة»، وهي نوع من الأواني تستخدم لطهي الطعام، و«البرادة» وهي إبريق يستخدم لحفظ وتبريد الماء، و«الزير»، وهو إناء طولي الشكل مجوف يستخدم لحفظ اللحوم المجففة، وزيت الزيتون، وهناك الصحون والأكواب، والتحف المنحوتة بأشكال وأحجام مختلفة جميعها صنعت من الطين.
ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية FAO، تغرس شجرة الزيتون في أكثر من 56 دولة وتتوزع منتجاتها على أكثر من 174 دولة، وتحتل ليبيا المرتبة الحادية عشرة على مستوى الإنتاج عالمياً، وأثبت علميًا بأن الزيتون الليبي من أفضل الأصناف في العالم،
ولا توجد إحصائيات حديثة في ليبيا، إلا أن هناك مَن يؤكد على وجود قرابة عشرة ملايين شجرة زيتون في عموم البلاد، تنتج أجود أنواع الزيوت، وتوجد أنواع نادرة من الزيتون، منها صنفاً حلواً من الزيوت، ومنها الزيتون الأبيض، وهذا صنف نادر؛ حيث لا يوجد مثل هذا الصنف إلا في مزارع بجنوب ايطاليا ومزرعة في مدينة ترهونة.
وتحصل زيت زيتون غريان صنف «شملالي» على الترتيب الثاني ونال الجائزة الفضية من بين تسع عشرة دولة مشاركة من مختلف دول العالم، ضمن مسابقة EVO IOOC العالمية لزيت الزيتون التي تقام كل عام في مدينة Palmi الإيطالية، وسبق له الحصول على الترتيب الثاني في مسابقة Athens الدولية لزيت الزيتون التي اقيمت بجزيرة Lesbos اليونانية، في نسختها الخامسة والتي تعد الاصعب من حيث المنافسة نظرًا لكثرة عدد المشاركين.
اكتسب زيت زيتون غريان احترام قضاة من الطراز العالمي، ومئات من منتجي وتجار زيت الزيتون من جميع البلدان، واستلم جلال اللموشي من مدينة غريان الميدالية الفضية بعد إعلان النتائج النهائية للمسابقة.
لقد اعتنى أجدادنا وآباؤنا بهذه الشجرة المباركة، لكن الثقافة الدخيلة على الكثير من الأحفاد، غيرت المفهوم لديهم، وانصاعوا طوعية للإملاءات، وغيروا جلودهم، ليبيعوا الأرض بزيتونها.
رغم المنافسة زيت غريان ينال الفضية



