ثقافة

فصل من رواية عيون الطرابلسيات الحزينة

اراني‭ ‬في‭ ‬مرأة‭ ‬لا‭ ‬اعرف‭ ‬أين‭ ‬بالضبط،‭ ‬ولكنها‭ ‬مرأة‭ ‬في‭ ‬بهو‭ ‬فندق‭ ‬أو‭ ‬مقهى‭ ‬او‭ ‬مطعم،‭ ‬وتظهر‭ ‬في‭ ‬المرآة‭ ‬خلفي‭ ‬بالضبط‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬عقدها‭ ‬الخامس‭ .. ‬‮«‬اعرفها‮»‬،‭ ‬تتحدث‭ ‬للرجل‭ ‬الذي‭ ‬يقابلها‭ ‬وتحرك‭ ‬يديها‭ ‬وكأنما‭ ‬ترقص‭ ‬بهما‭ ‬بدل‭ ‬جسدها‭ ‬المختبيء‭ ‬خلف‭ ‬الطاولة،‭ ‬ولا‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬المقابل‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬ظهره‭ ‬ورأسه‭ ‬وأذناه‭ .‬

‭ ‬ادقق‭ ‬في‭ ‬الأذنين‭ ‬واتفحصهما‭ ‬مرة‭ ‬وثلاتة،‭ ‬وخمس‭ ‬مرات‭ ‬ثم‭ ‬أنهض‭ ‬واقترب‭ ‬من‭ ‬المرآة‭ ‬مبتعدًا‭ ‬عن‭ ‬المقابل‭ ‬لها‭ ‬كي‭ ‬ارى‭ ‬اذنيه‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬اكثر‭ ‬في‭ ‬‮«‬المرآة‮»‬‭ ‬وبعدا‭ ‬اكبر‭ ‬عنه‭ ‬وحتى‭ ‬عنها‭!‬

‭ ‬يا‭ ‬الهي‭ ‬انهما‭ ‬اذناي‭ ‬وقد‭ ‬التصق‭ ‬اعلاهما‭ ‬بالرأس‭ ‬كما‭ ‬هما‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬المرايا‭ ‬وكل‭ ‬الصور

رأسي‭ ‬‮«‬في‭ ‬المرآة‮»‬‭ ‬كساه‭ ‬الشيب‭ ‬بينما‭ ‬ظلتْ‭ ‬كل‭ ‬تفاصيله‭ ‬التي‭ ‬احملها‭ ‬الان‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬لون‭ ‬شعري‭ ‬الان‭ ‬اسود،‭ ‬و«في‭ ‬المرآة‭ ‬يسوده‭ ‬الشيب‮»‬‭ ‬شعري‭ ‬اكرد‭ ‬وقصير‭ ‬‮«‬ولكنه‭ ‬اطول‭ ‬في‭ ‬المرآة‭ ‬كما‭ ‬احلم‭ ‬الآن‭ ‬وانا‭ ‬انام‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬‮«‬الكويفيه‭ ‬ببنغازي‮»‬‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ .‬

‭ ‬انه‭ ‬انا،‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬معها‭ ‬انا‭ ‬وقد‭ ‬كبرت‭ ‬وشاب‭ ‬رأسي‭ .‬

‭ ‬لكنه،‭ ‬‮«‬لكنني‮»‬،‭ ‬ظللت‭ ‬نحيلا‭ ‬وطويلا‭ ‬وباهت‭ ‬السمرة،‭ ‬لاحظت‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬وقف‭ ‬الذي‭ ‬معها‭ ‬والتفت‭ ‬الى‭ ‬‮«‬المرآة‮»‬‭ ‬وشرع‭ ‬يحاول‭ ‬عبثًا‭ ‬‮«‬كما‭ ‬افعل‮»‬‭ ‬دائما‭ ‬ان‭ ‬يصفف‭ ‬شعره‭ ‬العكر‭ ‬باصابعه‭ ‬النحيلة‭ ‬دونما‭ ‬جدوى‭ ,‬

‭ ‬اقترب‭ ‬‮«‬هو‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬المرآة‮»‬‭ ‬اكثر‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬ينتبه‭ ‬لوجودي‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬كتفه‭ ‬لامس‭ ‬كتفي‭ . ‬ثمة‭ ‬تجاعيد‭ ‬بوجهه‭ ‬‮«‬وجهي‮»‬‭ ‬واسنان‭ ‬اصطناعية‭ ‬بفمه‭ ‬‮«‬فمي‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬انفه‭ ‬‮«‬انفي‮»‬‭ ‬لازال‭ ‬طويلا‭ ‬ولازال‭ ‬اعوجاجه‭ ‬ظاهرا‭ ‬للعيان‭ .‬

كانت‭ ‬التي‭ ‬معه‭ ‬تقف‭ ‬منتظرة‭ ‬اياه‭ , ‬شعرها‭ ‬قصير‭ ‬جدا‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬جمال‭ ‬عنقها‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬كل‭ ‬بصير‭ , ‬امتلاء‭ ‬جسدها‭ ‬ينفلت‭ ‬عبر‭ ‬ردفيها‭ , ‬عيناها‭ ‬العسليتان‭ ‬تشعان‭ ‬نباهة‭ ‬وذكاءا‭ , ‬ذراعاها‭ ‬العاريان‭ ‬يناديان‭ ‬لحضن‭ ‬حنون‭ .‬

إلتصقت‭ ‬به‭ ‬وتعلق‭ ‬ذراعها‭ ‬بذراعه‭ ‬فأحسست‭ ‬بدفئها‭ ‬يسري‭ ‬عبر‭ ‬ذراعي‭ , ‬غمزت‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهره‭ ‬وارسلت‭ ‬لي‭ ‬قبلة‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬فالتفت‭ ‬‮«‬الذي‭ ‬معها‮»‬‭ ‬لي‭ ‬والصق‭ ‬انفه‭ ‬الطويل‭ ‬الاعوج‭ ‬بانفي‭ ‬الطويل‭ ‬الاعوج‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬غاضبا‭ ‬‮«‬‭ ‬اليك‭ ‬عني‭ , ‬دعني‭ ‬اعيش‭ ‬ولا‭ ‬تعكر‭ ‬ايامي‭ ‬بمراهقاتك‭ ‬وسجونك‭ ‬وعبثك‭ , ‬اغطس‭ ‬في‭ ‬كتابك‭ ‬ودعني‭ , ‬لقد‭ ‬غادرتك‭ ‬منذ‭ ‬تلاثين‭ ‬عاما‭ , ‬انا‭ ‬نسيت‭ , ‬محوتك‭ ‬ايها‭ ‬‮«‬الاخر‮»‬‭ ‬و»بورخيس‮»‬‭ ‬قاطبة1‭ , ‬غادرت‭ ‬السجن‭ ‬وتركتك‭ ‬هناك‭ , ‬من‭ ‬اطلقك‭ ‬وارسلك‭ ‬خلفي؟‭.‬

الحلم‭ ‬،‭ ‬قلت‭ ‬له‭:‬

تحلم‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬سجنك‭ ‬منذ‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬؟‭.‬

قالت‭ ‬وهي‭ ‬تداعب‭ ‬شعره‭ ‬العكر‭ ‬الذي‭ ‬يغطيه‭ ‬الشيب‭ .‬

نعم،‭ ‬تماماً‭ ‬احلم‭ ‬بك‭ ‬الان‭ ‬اي‭ ‬‮«‬قبل‭ ‬اربعين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‮»‬،‭ ‬و‭ ‬شعري‭ ‬الاكرد‭ ‬كما‭ ‬ترين‭ ‬لم‭ ‬يشب‭ ‬بعد‭ . ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬فضحكت‭ ‬مزهوة‭ ‬وقبلته‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬فمه‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬دخلا‭ ‬المصعد‭ ‬وشرع‭ ‬في‭ ‬الهبوط‭ ‬بهما‭ ‬نحو‭ ‬الدور‭ ‬الارضي‭ , ‬حيث‭ ‬بهواستقبال‭ ‬بفندق‭ ‬وغادرا‭ ‬وهما‭ ‬يتساندان‭ ‬خشية‭ ‬السقوط

‮«‬‭ ‬النبيذ‭ ‬لعين‭ , ‬انه‭ ‬يفقدني‭ ‬قدراتي‭ ‬‮«‬‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬وهما‭ ‬ينتظران‭ ‬التاكسي‭ ‬امام‭ ‬فندق‭ ‬ال»فور‭ ‬سيزون‮»‬‭ ‬في‭ ‬عمان‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬لافتة‭, ‬فضحكت‭ ‬هي‭ , ‬وفتحت‭ ‬انا‭ ‬لها‭ ‬باب‭ ‬التاكسي‭ ‬وصعد‭ ‬هو‭ ‬خلفها‭ ‬والتصق‭ ‬بها‭ ‬فلمته‭ ‬اليها‭ ‬واراحت‭ ‬راسه‭ ‬على‭ ‬كتفها‭ ‬وغرقنا‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬رتيب‭ , ‬ومن‭ ‬البعيد‭ ‬وكانما‭ ‬من‭ ‬بئر‭ ‬عميق‭ , ‬ظل‭ ‬احد‭ ‬حراس‭ ‬سجن‭ ‬الكويفيه‭ ‬يمط‭ ‬مطلع‭ ‬اغنية‭ ‬‮«‬علم‮»‬‭ ‬طويل‭ ‬وحزين‭ ‬وسمعت‭ ‬الذي‭ ‬يتكيء‭ ‬الان‭ ‬على‭ ‬كتفها‭ ‬وقبل‭ ‬اربعين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬اتكائته‭ ‬هذه‭ ,‬‭ ‬يبكي‭ , ‬واحسست‭ ‬بيدها‭ ‬تربت‭ ‬على‭ ‬ذراعي‭ ‬وتضمني‭ ‬الى‭ ‬كتفها‭ . ‬اتكأ‭ ‬هو‭ ‬عليّ‭ ‬خشية‭ ‬ان‭ ‬يقع‭ ‬وهو‭ ‬ينتظرها‭ ‬لتفتح‭ ‬باب‭ ‬شقتها‭ ‬بحي‭ ‬عبدون‭ ‬الشمالي‭ ‬بعمان‭ ‬ثم‭ ‬مضى‭ ‬مترنحا‭ ‬وارتمى‭ ‬على‭ ‬اريكة‭ ,‬أما‭ ‬هي‭ ‬فمضت‭ ‬الى‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬بملابس‭ ‬نومها‭ ‬ورأيت‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يرى‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬معها‭ ‬تلك‭ ‬المراة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬ان‭ ‬انام‭ ‬بزنزانتي‭ ‬بسجن‭ ‬الكويفية‭ ‬حتى‭ ‬اعود‭ ‬اليها‭ ‬بشقتنا‭ ‬ببنغازي‭ ‬واجدها‭ ‬في‭ ‬انتظاري‭ , ‬انها‭ ‬هي‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وان‭ ‬اختلف‭ ‬زمن‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬ومكانها‭  ‬بنغازي‭ ‬وبيتنا‭ ‬؟‭ ‬سالتها‭ ‬فقالت‭ : ‬لا‭ , ‬انا‭ ‬لم‭ ‬اتزوج‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لي‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬بنغازي

اننا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1978ونحلم‭ ‬بلقائنا‭ ‬بعد‭ ‬اربعين‭ ‬عاما‭ . ‬قلت

ماذا‭ ‬؟‭ ‬78‭ ! ‬انا‭ ‬الان‭ ‬طفلة‭ , ‬و‭ ‬عمري‭ ‬ثلات‭ ‬سنوات‭ ‬لاغير‭ ! ‬قالت‭ ‬ضاحكة‭ ‬وشدت‭ ‬اذنيه‭ ‬وهزت‭ ‬رأسه‭ ‬وقبلت‭ ‬جبهته‭ ‬ثم‭ ‬اضافت‭ : ‬انت‭ ‬الان‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬ايها‭ ‬الزنجي‭ ‬الذي‭ ‬يحلم‭ , ‬يامجنون‭ .‬

لا‭ ‬اعرف‭ , ‬قلت‭ ‬لها‭ , ‬ولكننا‭ ‬الان‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬شقتنا‭ ‬ببنغازي‭ ‬وانا‭ ‬متعب‭ ‬ومصاب‭ ‬بنزلة‭ ‬برد‭ ‬وحمى‭ ‬واهذي‭ , ‬ولكنني‭ ‬كما‭ ‬انا‭ ‬‮«‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬‮«‬‭ ‬لم‭ ‬يشب‭ ‬رأسي‭ ‬و78‭ ‬لم‭ ‬تنتصف‭ ‬بعد‭ ‬وانت‭ ‬كما‭ ‬انت‭ ‬الآن‭ ‬ببهائك‭ ‬هذا‭ ‬وبشعرك‭ ‬المقصوص‭ ‬هذا‭ ‬وبأثر‭ ‬الجرح‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬شفتك‭ ‬العليا‭ ‬وبكتاب‭ ‬‮«‬الجريمة‭ ‬والعقاب‮»‬‭ ‬ملقى‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬ورقعة‭ ‬الشطرنج‭ ‬يتقدم‭ ‬فيها‭ ‬بيدق‭ ‬ابيض‭ ‬فقط‭ ‬والقطع‭ ‬الاخرى‭ ‬تتسمر‭ ‬منتظرة‭ ‬ان‭ ‬نلعب‭ , ‬وانا‭ ‬احكي‭ ‬لك‭ ‬عن‭ ‬رقعة‭ ‬الشطرنج‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬المساجين‭ ‬بالفحم‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬مقوى‭ ‬وقطع‭ ‬الشطرنج‭ ‬التي‭ ‬صنعوها‭ ‬من‭ ‬عجين‭ ‬الخبز‭ ‬والتي‭ ‬تنتظر‭ ‬متسمرة‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬امامنا‭ ‬ان‭ ‬نلعب‭ , ‬وعن‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬لاعب‭ ‬الشطرنج‮»‬‭ ‬لتزفايغ‭ ‬واقبل‭ ‬زندك‭ ‬الايسر‭ ‬الذي‭ ‬اعشق‭ ‬والذي‭ ‬تقولين‭ ‬انك‭ ‬تكرهين‭ ‬ارتخاءه‭ ‬كذراع‭ ‬عجوز‭ , ‬واقول‭ ‬لك‭ ‬انه‭ ‬قطوف‭ ‬دانيه‭ ‬واحس‭ ‬به‭ ‬يذوب‭ ‬في‭ ‬فمي‭  ‬اربعون‭ ‬عاما‭ ‬اذن‭ , ‬و‭ ‬لست‭ ‬مهتما‭ ‬بذاك‭ ‬ولا‭ ‬بالزمن‭ , ‬انت‭ ‬كما‭ ‬انت‭ ‬الان‭ , ‬امرأة‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬المتوسط‭ , ‬بنت‭ ‬‮«‬جوتو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬صدف‭ ‬البحر‭ ,‬هكذا‭ ‬انت‭ ‬الآن‭ , ‬كما‭ ‬انت‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬ميلادك2‭ , ‬وانا‭ ‬الان‭ ‬اتوسد‭ ‬فخذك‭ ‬واتأمل‭ ‬ابتسامتك‭ ‬الساخرة‭ ‬والمتشككة‭ ‬بكل‭ ‬هذياني‭ ‬الذي‭ ‬تحب‭ ‬ان‭ ‬تسمع‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬لتبتسم‭ ‬ساخرة‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ .‬

‭ ‬تقفزين‭ ‬بي‭ ‬اربعين‭ ‬سنة‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬و‭ ‬ثلاتة‭ ‬الأف‭ ‬كيلو‭ ‬متر‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة؟‭ ‬تهربين‭ ‬من‭ ‬هذري‭ ‬للحظات‭ ‬الى‭ ‬تقرير‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬الانجليزية‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬اهلية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ثم‭ ‬تقولين‭ ‬امرة‭ ‬اياي‭ ‬‮«‬غازلني‭ ‬بالليبي‭ , ‬دعك‭ ‬من‭ ‬الانجليزية‮»‬‭ , ‬فيهذي‭ ‬الاشيب‭ ‬الراس‭ ‬بك‭ ‬وبجداتك‭ ‬من‭ ‬ربات‭ ‬الجمال‭ ‬ومرتفعاتهن‭ ‬الساحرة‭ ‬بترهونة‭ , ‬واندهش‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تفعلي‭ ‬ذلك‭ ‬لتنبؤات‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬‮«‬النوسترادومسيه‮»‬3‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬اهلية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬اربعين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬و1978‭ ‬لم‭ ‬تنتصف‭ ‬بعد‭ ‬وحارس‭ ‬بسجن‭ ‬الكويفية‭ ‬يمط‭ ‬زمن‭ ‬اغنيته‭ ‬الحزينة‭ ‬ورأسي‭ ‬الاشيب‭ ‬ينام‭ ‬على‭ ‬فخدك‭ ‬الريان‭ ‬هناك‭ ‬بعبدون‭ ‬الشمالي‭ ‬بعمان‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬اللافتات‭ ‬ويتوسد‭ ‬رأسي‭ ‬الاسود‭ ‬الشعر‭ ‬مخدة‭ ‬مهتريئة‭ ‬بسجن‭ ‬الكويفية‭ ‬واحسك‭ ‬واشم‭ ‬عطرك‭ ‬الليلي‭ ‬ويختلط‭ ‬تقرير‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬بغناء‭ ‬الحرس‭ , ‬واشتهيك‭ , ‬ويغمغم‭ ‬الاشيب‭ ‬الرأس‭ ‬على‭ ‬فخدك‭ ‬‮«‬النبيذ‭ ‬لعين‭ , ‬يفقدني‭ ‬قدراتي‮»‬‭ ‬وتضحكين‭ ‬من‭ ‬تبريراته‭ ‬شامتة‭ ‬ويطاول‭ ‬فمي‭ ‬زندك‭ ‬فتنتفضين‭ ‬واقفة‭ ‬ويسقط‭ ‬الراس‭ ‬الاشيب‭ ‬على‭ ‬الكنبة‭ ‬وتدفعين‭ ‬فمي‭ ‬بعيدا‭ ‬عنك‭ ‬وتصيحين‭ ‬غاضبة‭ ‬‮«‬دع‭ ‬عنك‭ ‬هذا‭ ‬العجوز‮»‬‭ !‬

اغادر‭ ‬مهزوما‭ ‬واجد‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬بلكونة‭ ‬شقة‭ ‬بعبدون‭ ‬الشمالي‭ , ‬اشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬وانتظرك‭ , ‬تأتين‭ ‬بفنجانين‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬وتجلسين‭ ‬قبالتي‭ ‬تشربين‭ ‬قهوتك‭ ‬وارتشف‭ ‬بهاءك‭ , ‬يتعانق‭ ‬الفنجانان‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬ولا‭ ‬نتعانق

أشتهيك‭ ‬ولا‭ ‬أطالك‭ ‬فبيني‭ ‬وبينك‭ ‬اربعون‭ ‬سنة‭ ‬وثلاتة‭ ‬الآف‭ ‬كيلومتر‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬والصحراء‭ , ‬رغم‭ ‬انني‭ ‬اجلس‭ ‬مقابلا‭ ‬لك‭ ‬وارتشف‭ ‬قهوتك‭ ‬المرة‭ , ‬واظل‭ ‬برأسي‭ ‬الاشيب‭ ‬ملقى‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬الكنبة‭ ‬كشال‭ ‬بال‭ ‬القيتي‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬عنقك‭ ‬الفاتن‭ ‬بعيدا‭ , ‬يهذي‭ ‬بفتنتك‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬نبيذ‭ ‬‮«‬شيرازي‮»‬‭ ‬ويظل‭ ‬البيدق‭ ‬الابيض‭ ‬متقدما‭ ‬على‭ ‬الرقعة‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يجد‭ ‬الاشيب‭ ‬القدرة‭ ‬لدفع‭ ‬البيدق‭ ‬الاسود‭ ‬الى‭ ‬الامام‭ .‬

احلم‭ ‬بك‭ , ‬لاشك‭ , ‬بعد‭ ‬اربعين‭ ‬عاما‭ ‬لاشك‭ , ‬في‭ ‬بلد‭ ‬بعيد‭ ‬ومدينة‭ ‬بعيدة‭ ‬لاشك‭ , ‬ولكنني‭ ‬احسك‭ , ‬كل‭ ‬تفاصيلك‭ ‬اتحسسها‭ ‬الان‭ ‬وانا‭ ‬انام‭ ‬بسجن‭ ‬الكويغية‭ ‬جيث‭ ‬النوم‭ ‬قيامة‭ ‬للسجين‭ ‬وبعث‭ ‬جديد‭ , ‬لأسير‭ ‬اليك‭ , ‬اعود‭ ‬الى‭ ‬بيتي‭ ‬الذي‭ ‬ابتناه‭ ‬لي‭ ‬الحلم‭ ‬واجدك‭ ‬في‭ ‬انتظاري‭ ‬ككل‭ ‬ليلة‭ ‬وحلم‭ , ‬أكل‭ ‬ما‭ ‬اشتهي‭ , ‬اقرأ‭ ‬لك‭ ‬الاشعار‭ ‬التي‭ ‬تحبين‭ , ‬ترقصين‭ ‬على‭ ‬ايقاعات‭ ‬‮«‬المرزكاوي‮»‬‭ , ‬نجلس‭ ‬قبالة‭ ‬البحر‭ ‬وحيدين‭ ‬عند‭ ‬الفجر‭ ‬منتظرين‭ ‬ميلاد‭ ‬يوم‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ , ‬نشرب‭ ‬قهوتنا‭ ‬المرة‭ ‬واشعل‭ ‬سيجارتي‭ ‬الاولى‭ ‬لليوم‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬العام‭ ‬الثامن‭ ‬والسبعين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ , ‬هكذا‭ ‬ككل‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الليالي‭ ‬الماضية‭ ,‬انني‭ ‬احلم‭ , ‬لاشك‭ , ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬تخطينا‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬احلمه‭ ‬الان‭ ‬؟‭ ‬كيف‭ ‬احلم‭ ‬باني‭ ‬احلم‭ ‬بحلم‭ ‬اخر‭ ‬غير‭ ‬الذي‭ ‬احلم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى