في بلادنا.. الحرب ليست حدثا طارئا بـل احتمـالا قائما ودائم

الخوف المؤجل : كيف يعيش الليبيون تحت ظل احتمال الحرب في بلدٍ لم يعرف الاستقرار.منذ أكثر من عقد، باتت فكرة الحرب ليست مجرد حدث طارئ، بل احتمال يومي يعيشه المواطن الليبي في تفاصيل حياته. ومع كل توتر أمني أو تصريح سياسي متشنج، يتجدد الخوف في النفوس، ويتصاعد القلق من المجهول.
توقع اندلاع الحرب في أي لحظة ليس مجرد فكرة عابرة، بل واقع يفرض نفسه بقوة على الناس، خاصة في ظل غياب الثقة بالمؤسسات، وانتشار السلاح، والانقسامات السياسية والاجتماعية. هذا الوضع أفرز حالة نفسية جماعية تتراوح بين التوتر، القلق، الأرق، والاكتئاب… وأحيانًا اللامبالاة كوسيلة للدفاع الذاتي.
من خلال هذا الاستطلاع، نحاول أن ننقل الوجه الإنساني للأزمة، ونرصد كيف يؤثر هذا الخوف المستمر على الأفراد والعائلات، على الطلاب والمعلمين، على الموظفين والعاطلين، على من اختار البقاء ومن يفكر بالرحيل. نسأل:
كيف يعيش الليبيون في ظل احتمالية اندلاع حرب جديدة؟ وكيف يواجهون هذا الخوف الكامن؟ وفي في ظل الأوضاع الأمنية المتقلبة التي تعيشها ليبيا، ومع تجدد الحديث عن احتمالية اندلاع صراع مسلح في أي لحظة، يبرز تأثير الخوف كعامل نفسي واضح في حياة المواطنين.
قمنا بهذا الاستطلاع لنرصد آراء الناس وتأثير هذه التوقعات على حياتهم اليومية والنفسية وجاء هذا السؤال
هل تخشى من اندلاع حرب جديدة في ليبيا؟
نعم، وأشعر بقلق دائم
أحيانًا، لكن أحاول تجاهله
لا، تعودنا على الوضع
لا أعرف
كيف يؤثر هذا التوتر على حياتك اليومية؟
فقدان التركيز أو النوم
مشاكل في العمل أو الدراسة
اضطراب العلاقات الأسرية
لا يؤثر عليّ كثيرًا
ما أكثر ما تخشاه في حال اندلاع حرب؟
فقدان الأحبة
النزوح أو فقدان المنزل
نقص الغذاء والدواء
غياب القانون وارتفاع الجريمة
هل تفكر في مغادرة البلاد في حال تدهور الوضع؟
نعم، فورًا
أفكر في ذلك لكن لا أملك وسيلة
لا، سأبقى مهما كان
لا أعرف
هل ترى أن الإعلام يضخم من المخاوف أم ينقل الواقع؟
يضخم المخاوف ويثير الذعر
ينقل الواقع بحذر
لا أثق بالإعلام
أتابع فقط المصادر الرسمية
الدكتورة وجدان
”الخوف المزمن، خصوصًا المرتبط باحتمالات العنف، يسبب ما يسمى “الصدمة النفسية المركبة”، وهي تختلف عن الصدمة الحادة، لأنها تراكمية وصامتة.”
”نشوف حالات عند الأطفال تعاني من تبول لا إرادي، اضطراب نطق، تراجع في الدراسة، وكوابيس متكررة.”
”الكبار يعانون من الاحتراق النفسي، والرجال بالذات يعبروا عن القلق بالغضب أو الانعزال، لأن المجتمع ما يسمحش بسهولة بالتعبير عن الضعف.”
”الحل مش بس طبيب نفسي لكل شخص، بل نحتاج منظومة دعم نفسي جماعي:
المدرسة، المسجد، الإعلام، وحتى صفحات التواصل لازم تكون أدوات تطمين مش تهويل.”
يقول الأستاذ محمد الناجم
”عندنا ظاهرة جديدة في ليبيا: اللامبالاة الاجتماعية، وهي رد فعل للخوف المزمن. الناس تبطل تهتم بالشأن العام، ويضعف التفاعل الجماعي.”
”أيضًا الزواج والعلاقات العاطفية تأثرت. الشباب يخافوا يأسسوا أسر، لأن المستقبل غير مضمون.”
”فيه أيضًا تراجع في المبادرات المجتمعية، الناس كانت تبادر زمان في الخير والمساعدة، لكن اليوم الكل متردد أو متخوف.”
”حلولنا لازم تكون جماعية، ونحتاج لتقوية الثقة المجتمعية بين الناس من جديد، خاصة عبر الإعلام والمجتمع المدني.”
من خلال استطلاعنا، لاحظنا أن شريحة كبيرة من المواطنين تعيش في قلق دائم، خاصةً مع غياب الاستقرار السياسي واستمرار حالة الانقسام. وأشار البعض إلى آثار نفسية سلبية واضحة، مثل الأرق أو العزلة أو حتى التفكير في الهجرة. كما يرى الكثيرون أن الإعلام يلعب دورًا في تعميق هذا الخوف، إما بالتهويل أو بقلة المعلومات الدقيقة. وكان لنا العديد من اآراء المواطنين ايضا الرأي النفسي والاجتماعي والديني بداية يقول المواطن عمر «32 سنة»
”كل يوم نصبح مش عارفين شنو يصير، نحاول نعيش، بس الخوف فينا.”
رؤي 26 سنة
نفسيتي تعبت، نراجع عند طبيب نفسي من الخوف والضغط.”
محمد عيسى
أملنا في الله، واللي عاش الحروب ما عاد يخاف، لكن ولادنا صغار ما يستاهلوش هالخوف.” أم أشرف كل ما نسمع أخبار عن اشتباكات، نضرب أخماس في أسداس، نخاف عأولادنا. حتى لما يطلعوا نفضل ندعي يردوا سالمين.”
عبادي مصطفى
أنا شاب نبي نكمل قرايتي ونخدم، لكن ديما نحس إنه المستقبل مسكر في وجهي من الخوف والحرب.
عبد الله الثابت
الخوف مش بس من الحرب، من الانفلات، من انقطاع الدواء، من كل شيء… نحاول نقوي روحي قدام صغاري، بس الحقيقة مرات نتكسر.”
مجدي الأسود
عشت أيام كانت ليبيا فيها أمان، واليوم نشوف الخوف في عيون الشباب، حتى الكلام عن بكره صار يرعبهم.
عبد الرحمن
ما نتابعش الأخبار، لأني كل مرة نسمع شي يخوف… صاير عندي توتر مستمر، حتى في نومي.
أمحمد الأخضر
الوضع النفسي أصعب من الرصاص، لأنك ما تعرفش كيف تعالج الخوف اللي ياكل فيك يوم بعد يوم.”
فاطمة عمر
”أنا أم وربة بيت، وكل ما نسمع عن احتمال حرب، أول حاجة نفكر فيها كيف بنحمي أطفالي؟ فين نلجأ؟”
نور «19 سنة»:
ما عنديش أمل، الحرب ممكن تصير في أي لحظة، والبلاد ما عادش فيها استقرار.”
ميسون «33 سنة»:
انا نشتغل معلمة، نشوف التلاميذ خايفين، يحكوا على الحرب حتى وهم يرسموا… أطفال عايشين رعب مبكر.” تقول الدكتورة هالة البكوش، أخصائية الطب النفسي ومستشارة في الدعم النفسي المجتمعي:
الخوف من الحرب لا يُعتبر مجرد قلق عابر، بل هو نوع من “الضغط النفسي المزمن” الذي يؤدي مع الوقت إلى آثار خطيرة على الصحة النفسية والعقلية. حين يعيش الإنسان في بيئة غير آمنة ومتقلبة، يبدأ جهازه العصبي في التأهب المستمر، وكأنه في حالة طوارئ لا تنتهي.”
”من أبرز الأعراض التي نلاحظها لدى الليبيين في هذه الحالة: اضطرابات النوم، نوبات قلق، زيادة العدوانية أو العزلة، شعور دائم بعدم الأمان، بل وأحيانًا اكتئاب صامت. حتى الأطفال تأثروا، فهم يرسمون دبابات، يسمعون أخبار العنف، ويرتبط عندهم مفهوم الوطن بالخطر بدل الأمان.” “نحن بحاجة ماسة لبرامج دعم نفسي جماعي، خصوصًا في المدارس والمراكز الصحية. المواطن لا يحتاج فقط إلى غذاء وأمان مادي، بل إلى تطمين نفسي، وإعادة بناء الثقة في الغد. رأي مختص اجتماعي:
يقول الأستاذ فوزي بن عامر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مصراتة:
عندما يعيش المجتمع في حالة ترقب دائم لاندلاع حرب، فإن النسيج الاجتماعي يبدأ في التآكل. الناس لا يثقون ببعضهم، الروابط الأسرية تضعف، والنزوح المتكرر يخلق تفككًا في البنية المجتمعية.”
“نحن نلاحظ ظواهر مثل الانطواء، العنف الأسري، ضعف الانتماء، وتراجع المبادرات المجتمعية. حتى الزواج والإنجاب تأثروا، لأن الناس تخشى أن تُنجب أطفالًا في بيئة مليئة بالخطر.”
”الحل يبدأ من خلق حوارات مجتمعية حقيقية، وبرامج توعية، وتعاون بين الإعلام، المدرسة، والأسرة، لزرع بديل نفسي آمن بدل من الرعب اليومي.”
رأي عالم الدين:
يقول الشيخ عبد السلام المصراتي، إمام وخطيب جامع الفرقان بطرابلس:
الخوف غريزة بشرية، ولكن الشريعة الإسلامية علمتنا كيف نواجهه بالإيمان والصبر والعمل. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، فنحن مأمورون بعدم اليأس، وبالثقة بأن الله لا يضيع عباده.”
وأنا أوجّه رسالة للأسر الليبية: حاوروا أبناءكم، طمئنوهم، خففوا عنهم ولا تنقلوا الرعب إليهم دون وعي. الخوف إذا لم يُدار جيدًا يتحول إلى ضعف في الدين والنفس معًا
علي … خريج جامعي
”تعبت من التفكير. كل ما نبدا نحلم بحاجة جديدة، نسمع عن توتر أو حرب… نحس كأننا عايشين مؤقتين، مش قادرين نخطط حتى لأسبوع «أرملة 45 سنة»:
”أنا فقدت زوجي في الحرب الأولى، وتوا كل ما يزيد التوتر نحس كأن الخوف يرجع يقتلني من جديد… نعيش في رعب عأولادي، نبيهم يعيشوا حياة عادية مش مليانة خوف.” ميار علي طالبة
”نراجع لكن نضيع التركيز. مرات نراجع ونوقف، نقعد نتخيل لو صار شي كيف بنهرب؟ كيف بندير مع أهلي؟ الخوف يسيطر علينا حتى واحنا ساكتين.” سعد سائق تاكسي 50 سنة):
”كل راكب يركب معايا يحكي عن احتمال حرب. حتى الزبائن صاروا يشكوا الخوف أكثر من المعيشة.” سليمة عمران
”نخاف نطلع نتمشى مع صغاري. كل صوت قوي نفكر فيه أنه بداية الحرب. القلب ما عاد يحتمل.”