أثَّرَت ” السوشيل ميديا ” منذ شيوع استخدامها بين العَوام على حياتهم بشكلٍ ملحوظ ، بالأخص على فئة الشباب ، بعد أن أصبحت وسيلة لِبَثْ كل المعلومات الشخصية ، وعرض أحداث الحياة اليومية للأسرة الواحدة على مرأى ومسمع عالمٍ بأسره .
وقد أسهمت التقنية في خلق روح التنافس المادي ، الذي ينهج ثقافة الاستهلاك في كل تحركاته ، لذا أصبح الجميع حريصاً على اقتناء أجهزة ذكية متطورة ، تُمكِّنَهُ من أن يكون مؤسسة نشر وإعلان متكاملة ، يرصد من خلالها كل أحداث يومه ، من مطلع نهارهِ ، إلى أن يخلد لفراشهِ في المساء
يلتقط الصور في البيت وبالسيارة ، وفي العمل، والنزهة والتسوق ، وفي العيادة ، وحتى في السفر …إلخ وينقلها أولا بأول ، لايترك شيئاً من خصوصيات حياته إلا وقد نشرهُ على حوائط المنصات الإفتراضية ، التي تعجُّ بالمجتمع الفضولي بكافة أطيافه وعقلياته ، ومستويات وعيه .
فيجعل من الحدث الخاص ، يتحول إلى حديثاً عاماً تتقاذفه العشرات أو المئات من الحسابات الوهمية ، التي لا يُعرف هوية أصحابها _على الأغلب _
لتستقر من بعد ذلك ، صورهُ العائلية أو الشخصية في ذاكرة هواتف وأجهزة هؤلاء بكل سهولة .
ولعلنا ندرك حقيقة أنهُ كلما زاد التقدم التقني في التوغل لبيوتنا ، كلما زادت إحتمالية الإنسلاخ القيمي ، التي نشأنا عليها كمجتمع إسلامي لهُ خاصيته التي تميزه عن باقي المجتمعات الأخرى.
فقد اعتمد الكثيرون بشكلٍ مغالٍ على إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي ، بصورة مُنافية للقيم الشرعية ، وحتى الأعراف الإجتماعية ، التي كانت هي السائدة ، قبل وقتٍ قريب.
فجاء رُوَّاد تلك المنصّات بمسميات غربية ،تُعبِّر عن نشاطهم الذي يمارسونهُ بموجب العقل الجمعي ، وذلك عبر أشهر المواقع مثل : فيسبوك وأنستغرام وسناب شات ، ويوتيوب .
ليُطلقوا إشهارات على حساباتهم بعنوان )تريند( وهي كلمة أجنبية ، لانعرف كيف دخلت في لهجتنا الليبية !
ولو دقّقنافي تعريبها ،في تُتَرجَم على معنى ” الموضة أو الصرعة الشائعة ، أو النزعة أو الميول تجاه موضوع جديد ، لُ وقع مُحفِّز على حواس العامة ، مما يجعل إنتشاره متسارعاً في مدة زمنية قصيرة ، ويكثر تداوله عبر المواقع المذكورة ، وغيرها من التطبيقات ، ليتم مشاركته ، وتبادل الأحاديث والتعليقات عنه.
فأستحدثوا بذلك ” ترندات ” مختلفة لمناسبات عديدة ، مثل : تريند الصيف ، وتريند الشتاء ..
وتريند البرتقالة
تريند السُّفرة
تريند الدلاعة
تريند الليمون…إلخ
وفي تريند البحر ، يتمركز إهتمام هُواة هذه الشطحات ، على إعداد العدة لرحلة البحر ، التي سيقضونها مع ذويهم ، أو رفقائهم من العائلة أو الأصحاب ،فيبدأون في توثيق المناسبة من بداية مرحلة التسوق ، وشراءالأغراض الخاصة” بالزردة التريند “، والتي جاوزو فيها الحد من كثر المغالاة في إعداد المأكولات ، وتحضير المقرمشات والحلويات والعصائر والمشروبات ، وغيرها.
وخطوة بخطوة إلى أن يصلوا وجهتهم ليباشروا تجهيز جلسات التصوير لموائدهم على شط البحر ، أو على جوانب المسبح في الاستراحات التي يستأجرونها لهذه الغاية ، يُبرزون تفاصيل اللمة بكل ما حَوَتْ ، وسط صمت ، وربما سخط أهاليهم ،وقد ضاقوا ذرعاً من مثل هذه السلوكيات ، التي أفقدت اللَّمة العائلية عفويتها وبهجتها.!
حول الموضوع رصدنا أراء مختلفة نذكرها لكم ..
البنات وراء القصة
_ أنس الصغيّر ، خريج حاسوب :
أعتقد هذه الظاهرة من صنع البنات ، هن أكثر من الشباب اهتماما بالشكليات ، فالأنترنت له منافع كبيرة استفاد منها الناس التي تريد أن تشغّل تفكيرها لمصلحتها بالمستقبل ، لكن الذي نشاهده في الصفحات النسائية خصوصاً ، هي مبارزات على القشور والمظاهر الوهمية ،خاصةً وأن بعضاً منهن تبثُّ مباشر من موقع الحدث فيديو لمدة 3 و5دقائق ، وليس بهدف التعليم ،أو تقديم شي مفيد ، إنما للتسلية ،وحب التمظهر على بعضهن البعض ، زمان نعرفوا زردة البحر أبسط شي نحمله معنا ” نفاص التن، والدلاع ، وبانقة المياه “ فقط وكان كثرنا ، جمعنا مبلغ واشترينا لحم للشواء ، أو “للبكبوكي” والتصوير حاجة خاصة أكيد ، يفترض لا يسمحو لهم بنشرها ، الموضوع يتوقف على العائلة ، و وعي وأخلاق من يتعامل مع المواقع ، ويحترم أصله وبيتيته، والخصوصة مطلوبة ،
لأن ليس كل شي جائز للعرض.
نور عبد المولى
موظفة ،وأم لأربعة أبناء:
المجتمع الإفتراضي تحول لمجتمعنا الواقعي ، نصبحوا ونمسوا فيه ، على مدار اليوم أنا وبناتي نتشارك في الأراء ،وحتى الصور ومعلومات الطبخ وغيرها في ” قروبات” نسائية خاصة ،مع العضوات ، وأنا لست ضد فكرة الترند الصيفي ، لكن بحدود المعقول ،لأن الأسعار أصبحت غالية جداً ، وطلبات بناتي للوازم البحر مثل الناس العادية ، المقرمشات والمعجنات ، وصنف حلو لشرب القهوة ، مع عوالة الشواء ،فقط ليس أكثر .
أنا أتفرج على لقطات لترندات في الفيس بوك ، وأتسائل من أين يتحصلون على المال ؟ والسيولة أزمتها مازالت قائمة .!
مثل ترند السفرة التي أدخلوها حتى هي على البحر ، وقد وصلت تكلفتها عند البعض 500دينار بمكوناتها بطبق أرز الكبسة أو البرياني ،أو الرز بلاو بالخلطة ومعها خمسة أصناف نواشف ومحاشي، ونوعين صلطة ، إلى جانب المشروبات والفواكه ،ومايتبعه.
هذا غير الأواني التي يستعملونها ، ويحملونها على الشاطيء، لإلتقاط الصور صحون ذهبية وفضية ،وخشبية ، ومفارش تحمل صورة الدلاع أو الأناناس أو الليمون .
خصصوا للبحر لباسه ، ولحوض السباحة لباس آخر ، وحتى بدلة السباحة وصل سعرها 220 دينار.
منى حواس:
أنا مع التباهي بنعمة الله ،أعتبره أمر محمود ، ولكن الزائد عن الحد أمر غير مرغوب ، بل يصبح مجلبة للشر ،وقد يسيءالشخص لنفسه ولغيره دون أن يقصد .
وكم من حالة وقعت بينها تصادمات بالقيل والقال عن مصادر رزقهم ، والتشكيك في أصول تروثهم ،خاصة أولئك الذي يشاهدونهم الناس يتباهون بإمكانت باهظة الأثمان ،يستعرضونها في مناسباتهم ، ورحلاتهم ، ويصنعون منها موضة رائجة ، وهذا قد يجلب الحسد والغيرة ، ويشجع ضعاف النفوس على الركض وراء التقليد ومحاكاة الغير، حتى لو كلفهم الكثير.