وفي الوقت الذي تتبنى فيه العديد من دول العالم الأول من مايو يومًا للاحتفال بالعمال وعملهم ونضالهم من أجل حقوقهم، فإن الدولة المعنية بهذا الأمر والسبب الرئيسي وراء «يوم العمال الحقيقي» ظلت تتجاهله حتى عهد قريب، وأقرت بدلا منه يوما آخر للاحتفال بالعمل، والمقصود هنا الولايات المتحدة التي تحتفل به في أول يوم أثنين من شهر سبتمبر من كل عام . حيث يحتفل العالم أجمع بعيد العمال في الأول من مايو من كل عام، ويتم من خلاله تكريم وتقدير العامل على جهوده التي قدمها لبلده، لما لهذه الفئة من دور فاعل في تقدم المجتمعات ولأن العمال لهم دور كبير في المجتمع وهم مسؤولون عن بنائه وإعادة بنائه مهما كانت أهميته بالنسبة للأعمال التجارية نفسها. ولما للعمل من دورفي تنمية المستوى المادي لأفراد المجتمع مما يحسن حياتهم وبالتالي يرتقي بالمجتمع وبتطوره ، هذا اليوم بمرور الزمن أصبح رمزا لنضال الطبقة العاملة من أجل حقوقها
ورغم ذلك فهناك الكثير يجهلون الحقيقة التاريخية لهذا العيد وعن أسبابه ودوافعه والتي كانت بدايته الفعلية في القرن التاسع عشر في أستراليا (21 أبريل 1856).
قبل ذلك التاريخ، ومع بداية الثورة الصناعية في بريطانيا، حوّل الإنتاج الصناعي في المصانع الكبيرة حياة العمال إلى جحيم، وكان يوم العمل يتراوح بين 10–16 ساعة، وأسبوع العمل يصل إلى 6 أيام في الأسبوع، وكان استخدام الأطفال شائعا، دون أي اعتبارات للأمن الصناعي أو الصحي أو انتشار الآفات والأوبئة بين العمال خاصة الأطفال منهم. أدى ذلك إلى ظهور حركة «8 ساعات يوميا»، إحدى الحركات الاجتماعية التي تهدف لتنظيم يوم العمل ومنع التجاوزات والانتهاكات.
كان أول من طالب بذلك أحد مؤسسي «الاشتراكية الطوباوية»، روبرت أوين (1771–1858)، حيث صاغ شعار: «8 ساعات عمل، 8 ساعات راحة، 8 ساعات ترفيه»، ومنحت النساء والأطفال في انجلترا ميزة 10 ساعات يوميا عام 1847. أما في فرنسا فقد حصل العمال الفرنسيون على 12 ساعة يوميا بعد ثورة فبراير عام 1848.
تناولت رابطة العمال الدولية مطالب العمال بتحديد يوم العمل بـ 8 ساعات في عام 1866، معلنة أن «الحد القانوني ليوم العمل هو شرط أولي، وبدون توفيره ستفشل جميع المحاولات لتحسين ظروف الطبقة العاملة وتحريرها».
كذلك رأى كارل ماركس، في كتابه «رأس المال»، أن ذلك ذو أهمية حيوية لصحة العمال، فكتب عام 1867: «إن الإنتاج الرأسمالي يتسبب، من خلال تمديد يوم العمل، لا في تدهور قوة العمل البشري، عن طريق سلبه الظروف المعنوية والمادية الطبيعية للنمو والنشاط فحسب، وإنما يتسبب أيضا في استنفاد وموت هذه القوة العاملة نفسها».
كان إستخدام الأطفال شائعًا دون أي إعتبار للأمن الصناعي والصحي
في عام 1884، قرر اتحاد النقابات المنظمة والنقابات العمالية في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، في اتفاقيته، أن «8 ساعات عمل تشكل يوم عمل قانوني اعتبارا من 1 مايو 1886 وصاعدا، مع توصية كافة المنظمات العمالية بجميع أنحاء الولاية القضائية بتوجيه القوانين التي تتوافق مع هذا القرار».
وفي 1 مايو عام 1886، رفضت قيادة «فرسان العمل» بقيادة تيرينس ف. باودرلي، النداء للانضمام لحركة الإضراب، لكن العديد من القيادات وجمعيات «فرسان العمل» المحلية انضمت إلى نداء الإضراب في شيكاغو وسينسيناتي وميلووكي، وقاد ألبرت بارسونز(1848–1887)، رئيس «فرسان العمل» في شيكاغو وزوجته لوسي بارسونز وطفلاهما مظاهرة من 80 ألف شخص في شارع ميشيغان، بشيكاغو، وفي الأيام القليلة التالية انضم إليهم في جميع أنحاء البلاد ما بين 350–400 ألف عامل، مطالبين بتحديد ساعات العمل والحصول على كافة مستحقاتهم، تحت شعار «8 ساعات عمل، 8 ساعات راحة، 8 ساعات ترفيه».
وفي الاجتماع الذي عقده الاتحاد الأمريكي للعمل في سانت لويس ديسمبر عام 1888، قرر الاتحاد اعتبار 1 مايو عام 1890 اليوم الذي لا يجب أن يعمل فيه العمال الأمريكيون أكثر من 8 ساعات. بعد ذلك أقرت جمعية العمال الدولية «الدولية الثانية»، التي اجتمعت في باريس عام 1889، إعلان الأول من مايو يوما لإطلاق المظاهرات، ومن هنا بدأ تقليد عيد العمال.
على الرغم من ذلك، لم يتوقف نضال الحركة العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغ ذروته عام 1894، حينما قتل الجيش الأمريكي عددا من العمال المتظاهرين، وهو ما شكل ضغطا كبيرا على الرئيس الأمريكي، غروفر كليفلاند، ودفعه إلى التصالح مع حزب العمال، بتشريع عيد العمال، وإعلانه عطلة رسمية في البلاد، تخليدا لذكرى أوغست سبايز ورفاقه.
مثل هذا اليوم في الظروف العادية، قبل جائحة كورونا، يشهد مسيرات ومهرجانات شعبية في مختلف المدن الروسية، تحمل شعارات تشيد بدور العمال، وتطالب بحقوقهم، وبالعدالة في أجورهم، وتنظم هذه الفعاليات المليونية عادة الهيئات النقابية. وتنخرط في تلك الفعاليات أيضا الأحزاب السياسية الرئيسية تأكيدا على اهتمامها بأوضاع العمال وحقوقهم. ويعتبر عيد العمال من الأعياد الأكثر انتشارا في العالم، حيث يتم الاحتفال به في أكثر من 130 دولة تقريبا، ويعتبر في معظم دول العالم عطلة رسمية. RT) )
عيد العمال من أكثر الأعياد إنتشارًا حيث يتم الاحتفال به في أكثر من 130 دولة
إن المهن تختلف وتتعدد من حيث الطبيعة وغيرها إلا أن الهدف الأساسي لجميع المهن المختلفة هو بناء وطن مزدهر وصُنع المجد للمجتمع ورسم مستقبل مشرق. و دور العمال العظيم وعملهم بجد واجتهاد وعدم تقصيرهم جعل الدول تُخصص لهم يوم في العام ليكون عيدًا وعطلة رسمية لهم، ويكون تقديرًا واحترامًا وشكر لجهودهم وتعبهم. و يبقى تشجيع العمال والاحتفال بهم يمدهم بالثقة بالنفس ويحثهم لبذل المزيد من الجهد لكي يرتقوا باقتصاد البلد، فقط لأن العمل هو العنصر الأساسي في حلقة الإنتاج.
وهو كذلك ما يوجب من ناحية أخرى على العمال تأدية عملهم على أكمل وجه ولا يقصرون فيه ويعملون لتنمية المجتمع وبناءه وتعميره، لهذا يقع على عاتقهم مهمة تأديه مهامهم الوظيفيه على أحسن صورة والإخلاص في عملهم ومنحنهم الأحساس بأن الهدف من العمل ليس إتمام العمل والانتهاء منه فقط بل أن يُخلص العمال في عملهم ويتقنونه، فتقدر الدولة دورهم العظيم وتكرمهم عليه.