ثقافة

قراءة فـي مديح الأسود والأبيض

ناصر سالم المقرحي

للألوانِ‭ ‬سحرٌ‭ ‬لا‭ ‬يقاوم،‭ ‬ولكل‭ ‬إنسان‭ ‬لونه‭ ‬المفضل‭ ‬تقريباً،‭ ‬ويمكن‭ ‬للإنسان‭ ‬أن‮ ‬يجوع‭ ‬للألوان‭ ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬يجوع‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يأكل‭ ‬لوقت‭ ‬طويل،‭ ‬وأتصور‭ ‬أن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الألوان‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬توازن‭ ‬الشخصية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬احتياجاتها‭ ‬الأخرى‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬بلا‭ ‬ألوان‭ ‬لأن‭ ‬حاجته‭ ‬للألوان‭ ‬كحاجته‭ ‬إلى‭ ‬الأكل‭ ‬والشُرب،‭ ‬ولا‭ ‬نبالغ‭ ‬إن‭ ‬قلنا‭ ‬كحاجته‭ ‬للتنفس،‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬إشباع‭ ‬حاجاته‭ ‬الجمالية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الألوان،‭ ‬وبالألوان‭ ‬فإنهُ‭ ‬يحتاجها‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬وتمييزها‭ ‬عن‭ ‬الآخرين،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الألوان‭ ‬أداة‭ ‬تعبير‭ ‬رمزية‭  ‬ولكل‭ ‬لون‭ ‬إحالات‭ ‬وإشارات‭ ‬ورموز‭ ‬معينة‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬إنسان‭ ‬إلى‭ ‬إنسان‭ ‬ومن‭ ‬مجتمع‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة،‭ ‬فاللون‭ ‬الأبيض‭ ‬الذي‭ ‬يرمز‭ ‬للفرح‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬معينة‭ ‬قد‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهكذا‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬كل‭ ‬الألوان،‭ ‬ومن‭ ‬العادي‭ ‬والمتعارف‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الأحوال‭ ‬العادية،‭ ‬أن‭ ‬يحيل‭ ‬اللون‭ ‬الأحمر‭ ‬إلى‭ ‬الدم‭ ‬والحروب‭ ‬والشهادة‭ ‬والتضحية‭ ‬والفداء‭ ‬فيما‭ ‬يرمز‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬إلى‭ ‬النماء‭ ‬والخضرة‭ ‬والخصب‭ ‬والوفرة،‭ ‬كما‭ ‬يرمز‭ ‬اللون‭ ‬الأسود‭ ‬للظلام‭ ‬والليل‭ ‬والجهل‭ ‬والظلم‭ ‬وللتآمر‭ ‬وبعكسه‭ ‬كلياً‭ ‬يشير‭ ‬اللون‭ ‬الأبيض‭ ‬إلى‭ ‬الصفاء‭ ‬والنقاء‭ ‬والسلام‭ ‬والحرية‭ ‬والنور‭ ‬والعلم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬وهكذا‭ ‬مع‭ ‬اللون‭ ‬البني‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الطين‭ ‬والأرض‭ ‬والحياة‭ ‬البسيطة‭ ‬والأزرق‭ ‬أو‭ ‬السماوي‭ ‬إلى‭ ‬الاتساع‭ ‬والرحابة‭ ‬والعلو‮ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الألوان‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نجد‮ ‬‭ ‬معادلاً‭ ‬رمزيًا‭ ‬لكل‭ ‬لون‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬نتمعن‭ ‬في‭ ‬ذراته‭ ‬ونربطها‭ ‬بالواقع‭ ‬وبالحياة‭.‬

وأينما‭ ‬تلفت‭ ‬الإنسان‭ ‬اليوم‭ ‬يجد‭ ‬الالوان،‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬الحضارة‭ ‬المعاصرة‭.‬والمطلوب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يتعاطى‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬الألوان‭ ‬بوعي‭ – ‬أي‭ ‬أن‭ ‬يتذوق‭ ‬جمالها‭ ‬واعياً‭ ‬ويدرك‭ ‬ذلك‭ – ‬ولا‭ ‬يمر‭ ‬عليها‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬صادفتهُ‭ ‬حتى‭ ‬يُشبع‭ ‬حاجته‭ ‬منها‭ ‬ويسد‭ ‬نقصًا‭ ‬في‭ ‬شخصيته،‭ ‬فالألوان‭ ‬كما‭ ‬الفيتامينات‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها‭ ‬الجسم،‭ ‬الألوان‭ ‬فيتامين‭ ‬معنوي‭ ‬تحتاجه‭ ‬الروح،‭ ‬ومع‭ ‬تطور‭ ‬الفنون‭ ‬اليوم‭ ‬واختراع‭ ‬خامات‭ ‬جديدة‭ ‬وطيعة‭ ‬يمكن‭ ‬للفنانين‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الأنطباعيون‭ ‬منهم،‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ألوان‭ ‬مختلفة‭ ‬وغير‭ ‬مُكتشفة‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يرسمون‭ ‬فيها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلط‭ ‬الألوان‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭ ‬ومزجها‭ ‬بنسب‭ ‬محددة‭ ‬وبعشوائية‭ ‬أحيانًا‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬مباشرة‭ ‬بالأصابع،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬لوح‭ ‬خلط‭ ‬الألوان‭ ‬‮«‬الباليتة‮»‬‭ ‬بعملية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجرأة‭ ‬والشجاعة،‭ ‬والنتيجة،‭ ‬لوحة‭ ‬انطباعية‭ ‬أو‭ ‬تجريدية‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬خصوصيتها‭ ‬الفنية‭ ‬والجمالية‭ ‬واللونية‭ ‬وأحيانًا‭ ‬إشراقتها‭ ‬الحصرية‮ ‬‭ .‬

وتفطن‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الألوان‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬استقر‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬واستعملها‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلبسه‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يستعمله‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استخرجها‭ ‬وقام‭ ‬بتحضيرها‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬متوفرٌ‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬صبغات‭ ‬حجرية‭ ‬ونباتية،‭ ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬الألوان‭ ‬ما‭ ‬تحدى‭ ‬الزمن‭ ‬ووصل‭ ‬إلينا‭ ‬طازجا‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬رسمه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المعابد‭ ‬الفرعونية‭ ‬وفي‭ ‬جداريات‭ ‬الكهوف،‭ ‬ومنذ‭ ‬ان‭ ‬بدا‭ ‬الإنسان‭ ‬الرسم‭ ‬كانت‭ ‬الألوان‭ – ‬كل‭ ‬الألوان‭ – ‬ترافقه‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬الإبداعية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مع‭ ‬اختراع‭ ‬وسائط‭ ‬ومواد‭ ‬مختلفة‭ ‬مثل‭ : ‬الرصاص‭ ‬والفحم‭ ‬أتجه‭ ‬الرسامون‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬لوحات‭ ‬بهاتين‭ ‬المادتين‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استخدامهما‭ ‬لوضع‭ ‬الرسومات‭ ‬الأولية‭ ‬أو‭ ‬الأسكتشات‭ ‬ولوضع‭ ‬الخطوط‭ ‬الأولية‭ ‬للوحات‭ ‬الزيتية‭. ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬هاتين‭ ‬الخامتين‭ ‬تمتلكان‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬منهما‭ ‬مواد‭ ‬مستقلة‭ ‬قادرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفنان‭ ‬على‭ ‬إنجاز‭ ‬لوحات‭ ‬مكتملة‭ ‬شأنها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬المواد‭ ‬الأخرى‭ ‬كالزيتية‭ ‬والمائية‭ ‬بنوعيها‭ ‬الشفافة‭ ‬والثقيلة‭  ‬المكثفة‭ . ‬

وفي‭ ‬الجانب‭ ‬التطبيقي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإطلالة‭ ‬وعند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬المُنجزة‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬رسمه‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬‮«‬بيكاسو‮»‬‭ ‬بلوحته‭ ‬الشهيرة‭ )‬الجورنيكا‭( ‬التي‭ ‬اختار‭ ‬لها‭ ‬هذين‭ ‬اللونين‭ ‬فقط‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬دلالة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬الحزن‮ ‬‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬اللوحة‭ ‬تجسد‭ ‬الحرب‭ ‬وأهوالها‭ .‬

لوحات‭ ‬عديدة‭ ‬وتخطيطات‭ ‬وضعها‭ ‬الفنانون‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬ويُخطئ‭ ‬البعض‭ ‬فيسمي‭ ‬لوحات‭ ‬أو‭ ‬صور‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬بدون‭ ‬ألوان،‭ ‬بينما‭ ‬هما‭ ‬يتربعان‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬الألوان‭ ‬وفيهما‭ ‬تنصهر‭ ‬كل‭ ‬الألوان‭ ‬باردها‭ ‬وحارِّها‭ ‬ودافئها‭ ‬والمتوهج‭ ‬منها‭ ‬والمحايد‭ .‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتشكيل‭ ‬الليبي،‭ ‬قليلون‭ ‬هم‭ ‬الفنانون‮ ‬‭ ‬الذين‭ ‬أنتجوا‭ ‬أعمالاً‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬إذ‭ ‬فضّل‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬استعمال‭ ‬الألوان‭ ‬كافة،‭ ‬فيما‭ ‬زاوج‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬استعمال‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬واستعمال‭ ‬الألوان‭ ‬الطبيعية‭ ‬كافة،‭ ‬فهذا‭ ‬الفنان‭ ‬أحمد‭ ‬غماري‭ ‬المتخصص‭ ‬تقريبًا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬يستثمره‭ ‬كمادة‭ ‬تعطي‭ ‬التأثير‭ ‬والواقعية‭ ‬المطلوبة‭ ‬لرسم‭ ‬بورتريهات‭ ‬بأقلام‭ ‬الرصاص‭ ‬والفحم‭ ‬وألوان‭ ‬الأكريليك‭.‬

يُذكر‭ ‬أن‭ ‬اللونين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬يلائمان‭ ‬تمامًا‭ ‬رسم‭ ‬البورتريهات‭ ‬ويعطيان‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬نتائج‭ ‬قد‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬تقديمها‭ ‬الألوان‭ ‬الطبيعية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الجماليات‭ ‬والخصائص‭ ‬الفنية‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬الرسم‭ ‬بالأقلام‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يستعمل‭ ‬الفنان‭ ‬اللون‭ ‬الأبيض‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الضوء‭ ‬لأنه‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬بياض‭ ‬الورقة‭ ‬ويتحكم‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدرج‭ ‬اللون‭ ‬الأسود‭ ‬فوق‭ ‬سطحها‭ .‬

أيضًا‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬مادة‭ ‬تلائم‭ ‬وتطاوع‭ ‬الفنان‭ ‬صلاح‭ ‬غيث‭ ‬الذي‭ ‬رسم‭ ‬وبطريقته‭ ‬الجريئة‭ ‬وخطوطه‭ ‬الواثقة‭ ‬لوحات‭ ‬كثيرة‭ ‬بأقلام‭ ‬الرصاص‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬وجوه‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬الحياتي‭ ‬ومشاهد‭ ‬متكاملة‭ ‬يتخذ‭ ‬فيها‭ ‬الجسد‭ ‬الإنساني‭ ‬أوضاعًا‭ ‬مختلفة‭ ‬تظهر‭ ‬جمالياته‭ ‬العفوية‭ ‬التي‭ ‬استطاع‭ ‬الفنان‭ ‬بنظرته‭ ‬الثاقبة‭ ‬التقاطها‭ ‬وتثبيتها‭ ‬على‭ ‬الورق‭ .‬

بينما‭ ‬وبواقعية‭ ‬قصوى‭ ‬ومفرطة‭ ‬قد‭ ‬تتجاوز‭ ‬الكاميرا‭ ‬بمراحل‭ ‬أنجز‭ ‬الفنان‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬الرياني‭ ‬لوحات‭ ‬بخامة‭ ‬الفحم‭ ‬أيضًا‭ ‬اهتم‭ ‬فيها‭ ‬بالوجوه‭ ‬خاصةً‭ ‬وبالأزياء‭ ‬وبالطفولة‭ .‬

ولدى‭ ‬الفنان‭ ‬طارق‭ ‬الشبلي‭ ‬معالجات‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬الرسم‭ ‬ببعض‭ ‬المواد‭ ‬السائلة‭ ‬والمخففة‭ – ‬زيتية‭ ‬أو‭ ‬اكريلك‮ ‬‭ – ‬لرسم‭ ‬الشخصيات‭ .‬

أما‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬الفزاني‭ ‬فقد‭ ‬رسم‭ ‬بالحبر‭ ‬الصيني‭ ‬الأسود‭ ‬على‭ ‬الأسطح‭ ‬البيضاء‭ ‬عدة‭ ‬بورتريهات‭ ‬بتقنية‭ ‬التنقيط‮ ‬‭ ‬بواقعيته‭ ‬المعهودة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬من‭ ‬مكابدة‭ ‬وعناء‭ ‬وصبر‭ , ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النتائج‭ ‬تكون‭ ‬مبهرة‭ ‬حين‭ ‬يعطيها‭ ‬الفنان‭ ‬حقها‭ ‬من‭ ‬المهارة‭ ‬والإتقان‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الفزاني‭ .‬

وهذا‭ ‬الفنان‭ ‬جمال‭ ‬دعوب‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬باستثمار‭ ‬الألوان‭ ‬الزيتية،‭ ‬والباستيل‭ ‬في‭ ‬رسوماته‭ ‬ينجز‭ ‬بورتريهات‮ ‬‭ ‬متقنة‭ ‬بالفحم‭ . ‬

وبشأن‭ ‬تجربتي‭ ‬المتواضعة‭ ‬والبسيطة‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أدعي‭ ‬انتمائي‭ ‬بالكامل‭ ‬لمدونة‭ ‬التشكيل‭ ‬الليبي‭ ‬فقد‭ ‬أنجزتُ‭ ‬أعمالاً‭ ‬بأقلام‭ ‬الرصاص،‭ ‬وبالفحم،‭ ‬وبأقلام‭ ‬الحبر‭ ‬الجاف‭ ‬السوداء‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬استخدامي‭ ‬للمائية‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنتجت‭ ‬انتهجت‭ ‬المدرسة‭ ‬الواقعية‭  ‬وبشأن‭ ‬تقييم‭ ‬التجربة‭ ‬وتحديد‭ ‬اتجاهاتها‭ ‬أترك‭ ‬ذلك‭ ‬للمتلقي‭ ‬الذي‭ ‬أُعوَّل‭ ‬عليه‭ ‬كثيرًا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يشاهد‭ ‬عينةً‭ ‬من‭ ‬أعمالي‭ ‬مرفقة‭ ‬بهذه‭ ‬المقالة‭ ‬التي‭ ‬سأرفق‭ ‬بها‭ ‬كذلك‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬كل‭ ‬فنان‭ ‬تحدثت‭ ‬عنهُ‮ ‬‭ ‬فيها‭  ‬وسيجد‭ ‬القارئ‭ ‬اسم‭ ‬كل‭ ‬فنان‭ ‬مدرج‭ ‬تحت‭ ‬لوحته‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المخصص‭ ‬للتعليقات‭ ‬متمنيًا‭ ‬للجميع‭ ‬التوفيق‭.‬

وكما‭ ‬لاحظنا‭ ‬وفي‭ ‬حدود‭ ‬معرفتنا‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يشوبها‭ ‬النقصان‭ ‬لم‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬فنان‭ ‬ليبي‭ ‬أستغل‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬لأغراض‭ ‬تجريدية‮ ‬‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬للفنان‭ ‬عمر‭ ‬جهان،‭ ‬فكل‭ ‬الذين‭ ‬رسموا‭ ‬بهذين‭ ‬اللونين‭ ‬رسموا‭ ‬بواقعية‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الإفراط‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬دلالة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النَّوع‭ ‬من‭ ‬الألوان‭ ‬يناسب‭ ‬تمامًا‭ ‬الرسم‭ ‬الواقعي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬البورتريهات‭ .‬

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬المتأمل‭ ‬في‭ ‬اللوحات‭ ‬المستعمل‭ ‬فيها‭ ‬فقط‭ ‬لوني‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬الجماليات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تختزلها‭ ‬والناجمة‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬عن‭ ‬ذاك‭ ‬التناقض‭ ‬الصارخ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬اللونين‭ ‬وذلك‭ ‬التدرج‭ ‬المهيب‭ ‬للون‭ ‬الأسود‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الدكنة‭ ‬الشديدة‭ ‬والخفوت‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التجريدية،‭ ‬أو‭ ‬التشخيصية،‭ ‬وذلك‭ ‬التباين‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الظل‭ ‬والضوء‭ ‬اللذين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اجتمعا‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬فسيكون‭ ‬راقيًا‭ ‬وناجحًا،‭ ‬في‭ ‬هكذا‭ ‬لوحة‭ ‬ما‭ ‬ينقص‭ ‬من‭ ‬الأبيض‭ ‬يكمله‭ ‬الأسود‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭.‬

وثمة‭ ‬من‭ ‬المتذوقين‭ ‬من‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النَّوع‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يجده‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الألوان‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فمما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬ألوان‭ ‬تليق‭ ‬بتسجيل‭ ‬اللحظات‭ ‬القديمة‭ ‬المصورة‭ ‬والمرسومة،‭ ‬فاللونان‭ ‬المذكوران‭ ‬يعملان‭ ‬على‭ ‬استنهاض‭ ‬الحنين‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المتلقي‭ ‬ويضعانه‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الذكريات‭ ‬تمامًا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬التقيا‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬مثلا،‭ ‬أيضًا‭ ‬بمكنتهما‭ ‬صنع‭ ‬تأثير‭ ‬بتقشفهما‭ ‬ولكنه‭ ‬ثري‭ ‬بمعانيه‭ ‬وجمالياته‭ ‬وتأثيراته‭ ‬البصرية،‭ ‬كما‭ ‬للونين‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬استثارة‭ ‬الشجن‭ ‬وذاك‭ ‬الحزن‭ ‬النبيل‭ ‬وتحريك‭ ‬مسبباتهما‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الرائي‭ ‬ولكل‭ ‬إنسان‭ ‬تقريبًا‭ ‬ذكريات‭ ‬ووقائع‭ ‬خاصة‭ ‬قد‭ ‬يثيرها‭ ‬ويهيجها‮ ‬‭ ‬رؤية‭ ‬الصور‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬عصر‭ ‬الصورة‭ ‬الملونة‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يلتقط‭ ‬صورة‭ ‬ملونة‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬تجريدها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الألوان‭ ‬والإبقاء‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬لغاية‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬إلا‭ ‬هو‭ ‬وأتصور‭ ‬أن‭ ‬للأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬طاقة‭ ‬شعرية‭ ‬تجتاح‭ ‬إشعاعاتها‭ ‬المتلقي‭ ‬حال‭ ‬رؤيته‭ ‬للصورة‭ ‬أو‭ ‬اللوحة،‭ ‬وهذا‭ ‬سببٌ‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬تجعله‭ ‬متعلقًا‭ ‬بها‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى