إقتصاد

قرصنة مالية تحت غطاء قانون الغاب

يوسف يخلف

من‭ ‬منظور‭ ‬قانوني،‭ ‬إن‭ ‬الإجراءات‭ ‬المتخذة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي،‭ ‬ووزارة‭ ‬المالية‭ ‬بخصوص‭ ‬إلزام‭ ‬موظفي‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬ش‭ ‬أرقام‭ ‬بطاقاتهم‭ ‬المصرفية‭ ‬IBAN‭ ‬يتناقض‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬المالية‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ويشكل‭ ‬انتهاكًا‭ ‬صارخًا‭ ‬لحقوق‭ ‬الموظفين،‭ ‬والمودعين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

فالمادة‭ )‬137‭( ‬من‭ ‬لائحة‭ ‬الميزانية‭ ‬والحسابات‭ ‬والمخازن‭ ‬واضحة‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬صرف‭ ‬مرتبات‭ ‬الموظفين‭ ‬يتم‭ ‬نقدًا‭ ‬في‭ ‬مقار‭ ‬عملهم،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬استبدال‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬إلا‭ ‬بوجود‭ ‬رغبة‭ ‬طوعية‭ ‬من‭ ‬الموظف‭ ‬لتحويل‭ ‬راتبه‭ ‬إلى‭ ‬الحسابات‭ ‬المصرفية‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الموظف‭ ‬قد‭ ‬طلب‭ ‬هذا‭ ‬التحويل،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬فرضه‭ ‬عليه‭.‬

‭- ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬المواد‭ ‬138،‭ ‬و139‭ ‬من‭ ‬اللائحة‭  ‬نفسها‭ ‬تضع‭ ‬ضوابط‭ ‬دقيقة‭ ‬وشفافة‭ ‬لتنظيم‭ ‬التحويلات‭ ‬المصرفية‭ ‬للمرتبات،‭ ‬ولا‭ ‬تذكر‭ ‬أبدًا‭ ‬فرض‭ ‬شرط‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬بطاقة‭ ‬مصرفية‭ ‬IBAN‭ ‬كشرط‭ ‬مسبق‭ ‬لصرف‭ ‬الراتب‭. ‬وبالتالي‭ ‬أي‭ ‬إجبار‭ ‬للموظف‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬الشخصية‭ ‬الخاصة‭ ‬بحسابه‭ ‬المصرفي‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منصوص‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬اللائحة،‭ ‬ويشكل‭ ‬تعديًا‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية‭ ‬للموظف‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونه‭ ‬المالية‭ ‬الخاصة‭.‬

‭- ‬إنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬تخالف‭ ‬أيضًا‭ ‬قانون‭ ‬المعاملات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬رقم‭ )‬6‭( ‬لسنة‭ ‬2022،‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬حماية‭ ‬البيانات‭ ‬الشخصية،‭ ‬ويحدد‭ ‬طريقة‭ ‬استخدام‭ ‬وتبادل‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬بشكل‭ ‬آمن‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬المصرف‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬تقديم‭ ‬رقم‭ ‬البطاقة‭ ‬المصرفية‭ ‬IBAN،‭ ‬فإنه‭ ‬يعرض‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬للانتهاك‭ ‬ويُسهم‭ ‬في‭ ‬نشرها‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬المصرف‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬قانوني‭ ‬صعب،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬لمسؤولية‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬تسريب،‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬غير‭ ‬مشروع‭ ‬لتلك‭ ‬البيانات‭.‬

‭- ‬أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الرسوم،‭ ‬والعمولات‭ ‬المفروضة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المصارف‭ ‬التجارية‭ ‬يعد‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬القرصنة‭ ‬المالية»؛‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تحميل‭ ‬الموظف‭ ‬أو‭ ‬المودع‭ ‬رسومًا‭ ‬باهظة،‭ ‬وغير‭ ‬قانونية‭ ‬على‭ ‬خدمات،‭ ‬فعمولات‭ ‬سحب‭ ‬الراتب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصراف‭ ‬الآلي،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬بنسبة‭ ‬7‭.‬5‭ ‬د‭.‬ل‭ ‬لكل‭ ‬ألف‭ ‬د‭.‬ل،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬عمولات‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الصكوك‭ ‬والودائع،‭ ‬تعد‭ ‬انتهاكًا‭ ‬صارخًا‭ ‬لأبسط‭ ‬المبادئ‭ ‬المالية‭ ‬العادلة

‭ ‬هذه‭ ‬العُمولات‭ ‬هي‭ ‬ببساطة‭ ‬‮«‬رسوم‭ ‬خفية‮»‬‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي،‭ ‬وهي‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬ستضعه‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية‭.‬

الخلاصة‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية،‭ ‬مثل‭ ‬وزارة‭ ‬المالية،‭ ‬ومصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي،‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬لإصلاح‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬تضر‭ ‬بالموظفين‭ ‬وتتناقض‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬الشفافية‭ ‬والعدالة‭ ‬المالية‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لأي‭ ‬جهة‭ ‬بتطبيق‭ ‬إجراءات‭ ‬تفرض‭ ‬شروطًا‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬على‭ ‬الموظفين‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحميلهم‭ ‬رسومًا‭ ‬جائرة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬حقوقهم،‭ ‬وذلك‭ ‬لتغطية‭ ‬الفساد‭ ‬والخراب‭ ‬التي‭ ‬تمارسه‭ ‬تلك‭ ‬المصارف،‭ ‬لتُحمل‭ ‬على‭ ‬جيب‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى