تحفل الذاكرة الشعبية الليبية بكثير من مظاهر وأجواء العيد التي ترافق هذه الأيام المباركة كنوع من التواصل الاجتماعي المتأصل في الموروث الاجتماعي الليبي.
ويعد كعك العيد أو كما يعرف بـ)كعك الحوش( من أبرز مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في ليبيا، واحد مظاهر الموروث في البيت الليبي، لارتباطه عند الأسرة الليبية بعادات وتقاليد رائعة لازالت عالقة في الذاكرة، منذ ذلك الزمن البسيط بأهله.
قبل أيام من نهاية شهر رمضان الفضيل، تغمرّ مشاعر البهجة والسعادة أهلنا في ليبيا، حيث تجتمّع أمهاتنا وأخواتنا، لتحضير كعك الحوش، ذلك الكعك التقليدي الذي يُزين موائد العيد، وعادة ما توزّع الأدوار عليهن، فمنهن من تعجن، ومنهن من تُشكّل الكعك، ومنهن من تُزيّنه ببراعة، يضيفن بهذا الحضور جوًّا من البهجة، وتُعزّيزا لروح التعاون والانتماء بين الجيران، فتحضير الكعك تقليد ثقافي توارثته الأجيال، من جيل لآخر، فضلا عن تجمع يساعد على نقل الخبرات بين والنساء والفتيات لتكتمل الاحتفالية التي ننتظرها من العام للعام، في مشهد يجسد روح التعاون والترابط والألفة بين الجيران.
لا يحلو العيد إلا بـ)كعك الحوش(، عبارة يرددها الكل في ليبيا، لاسيما خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، بالرغم من رياح التغيير التي هبت على المجتمع، وأفسدت فيه الكثير، لا يزال تحضير كعك العيد )كعك الحوش(، واحدة من العادات الموسمية الراسخة في عمق الثقافة والموروث الليبي، التي يحرص الليبيون على استقبال عيد الفطر بها، ففي العيد الصغير
)عيد الفطر( تسهر الأسر الليبية ليلة العيد في ابتهاج وسرور لإعداد وترتيب البيت وتجهيز الحلويات من كعك وغريبة، ومقروض، وتحرص كل أسرة ليبية على تحضير الحلويات التقليدية في البيت الليبي الأصيل، فهي زينة سفرة العيد، لتقديمها للأهل والزوار والضيوف صبيحة يوم العيد مع الشاي والقهوة، والعصائر، حيث تكثر الزيارات والتهاني بهذه المناسبة الدينية، لهذا تشهد بعض المواد الأساسية لتحضير الحلويات إقبالًا كبيرًا خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان مثل اللوز أو الجوز، لكن خلال الأعوام الأخيرة تخلت الكثير من السيدات الحديثات عن عادة تحضير الحلويات في البيت، وأصبحن يفضلن شراءها جاهزة خاصة النساء العاملات، من الحلواني، الذي في الغالب يتواجد به عمال لا نعلم طبيعتهم، وحرصهم على النظافة، لأن حالات كثيرة سجلت ضد العديد من محال الحلوانية.
كنا في مثل هذه الايام من الشهر الفضيل زمن أمهاتنا وجداتنا، نتسابق لحجز صاجات الكعك )الطواجين( من )الكوُشة( المخبز القريب من البيت، وتبدأ الأسر الليبية استعداداتها لاستقبال أول ايام العيد بتهيئة صاجات العيد )الطواجين( في الايام الاخيرة من رمضان حيث تقوم نساء البيت بتحضير عدة تحضير كعك العيد وملحقاته، وهي الدقيق والسمن والسكر والسمسم والخميرة والمكسرات الجوز واللوز او الملبن والتمر المجفف، إضافة إلى أدوات تقطيع العجين والقوالب.
وتبدأ الايادي في تحضير الكعك والبيتي فور والمقروض والغريبة من الأسبوع الأخير وحتى ليلة العيد، فقبل قدوم العيد تسود حالة من الاستنفار في البيوت والمخابز)الكوُش( وتكون ربات البيوت في سباق مع الزمن لإعداد كعك العيد، لتتباهى كل منهن وتفاخر بعمل يديها بين قريباتها وصديقاتها وجاراتها.
ويصبح مشهد صاجات الكعك (طواجين) سفر الكعك والغريبة والمقروض وهى تجوب الشوارع فوق رؤوس الاولاد في طريقها الى (الكوُشة) ليتم تجهيزها هناك وترجع ساخنة، كانت من المشاهد المألوفة في شوارع وازقة وحواري مدينة بنغازي الباسلة، ويمكن ببساطة ملاحظة رائحة الكعك المحضر في البيت، وانت في الطريق الى الشارع المؤدي الى (الكوُشة) رائحة تعود بنا الى أيام الطفولة، حيث تصبح الشوارع قبل أيام من العيد مصدرًا لرائحة كعك العيد، ويمثل مصدر بهجة للمارة ودليلًا على قرب انتهاء شهر رمضان، حيث تضج المخابز )الكوُش( بصاجات الكعك المعدة في المنزل، والتي يتم تحويلها بعد الإعداد إلى أفران )الكوُشة(، وتتفنن الليبياتُ في صنع كعك العيد بأشكال متعددة وطعم مختلف، ومن بين أشهر الحلويات الليبية التي تقدم في العيد الكعك والغريبة والبيتي فور والحلويات المصنوعة بالتمر مثل الكعك والمقروض، وكلها حلويات تقليدية ليبية، تكون حاضرة بقوة على مائدة الضيافة ليوم العيد.
وكانت من بين العادات الجميلة تبادل كعك العيد بين الجيران، وكذلك تضع ربة البيت ما لذ وطاب من الحلويات مع الكعك والغريبة والمقروض منها الملبس والحلوى والحلقوم في صحن ليتذوق الجيران والأحباب، وكان الاجمل العودة من عند الجيران والاحباب بما صنعوه هم، لقد كانت حياتنا بسيطة وكريمة ورائعة.
ويرتبط تحضير كعك العيد في العادة بعادات أخرى، تدفئ أواصر العلاقات بين الأسر الليبية، إذ لا يقتصر تحضير الكعك في كثير من الأحيان على أسرة واحدة، حيث تشارك أكثر من أسرة في تلك العملية لإعداد كعيد العيد اللذيذ، طقوس دافئة تكاد تكون مختفية هذه الأيام، وبمرور الوقت، تراجعت ظاهرة عمل الكعك في البيوت إلى حد كبير، لكن غالبية الأسر تعكف على عمله بشكل منفرد، وقد يكون مخالف لرغبات السيدات الجديدات على الحياة الأسرية، حيث تفضل الغالبية منهن شراء الكعك جاهزًا من الحلواني، ربما لعدم إتقانهم طريقة الصنع أو توفيرا للوقت والجهد، ولا مفر في كل الأحوال من تقديم كعك العيد للضيوف أيا كان مصدر هذا الكعك سواء أكان مصنوعا منزليا أو تم شراؤه من الحلواني، الذي كما اسلفت لا نعرف شيئا عن من يعمل به، خاصة وأن معظمهم وافدين من أجل العمل ليس الا، قد يكون منهم من بدء في العمل في ورشة لطلاء السيارات ثم تحول الى عامل في مصنع حلواني، اما قصة البيض الذي يستعملونه فهي قصة اخرى تجعل كل من يتعرف على حقيقته يمتنع عن تناول الحلويات من خارج البيت.
وحدهم البسطاء فرحون بـكعكهم، فهم يستطيعون تمييز كعك العيد من أول نظرة، ولا يمكن تقليد كعك العيد من أنامل الجدات والأمهات، وكل المنتشر بالسوق يُصنع من سمن صناعي وطعمه عادي مقارنة بكعكنا اللذيذ.