لم يكن بيننا سابق معرفة التقيتها وهي برفقة صديقة مشتركة تبادلنا الاحاديث وتناغمنا في بوح موحد عن هموم شتى بداية من الوطن وانتهاء بحال المواطن الليبي الكادح غير المدعوم وقليل الحظ ايضا
وجدتها وشعلة نشاط توهج لا يختلف اثنان عن التقاطه عمق رصين ووعي مختلف يلفه جمال ملحوظ ورقة وسلاسة
بسمة الشابة الطموحة التي عاشت لسنوات خارج الوطن وحين اشتد المرض على والدها عادت باسرتها للبلاد لان بداخلها ايمان بان وطن المرء علاج لكثير من الامراض وان لم يصفه طبيب او يدون في وصفة طبية من مختص
بسمة التي عرفت بنشاطها في الرسم والديكور والازياء صاحبة رؤية متفردة في ضبط الالوان وتنسيقها في اعمالها وحتى ملابسها الانيقة كانت دائمة الانشغال بوجع البلاد ومهجريها وشبابها المهمشين وبنيتها المتهالكة بسمة كانت كمن يحاول ضبط سيارة معطوبة يفكك ويعيد تركيب القطع والبراغي بلا جدوى.
كل محاولاتها للحصول على وظيفة لم تفلح وهي خريجة جامعية وتملك أكثر من لغة وتجيد اليونانية بحكم اقامتها فيها ايام الطفولة
اقامت معارض وعروض كتبت عنها الصحف العربية وفي تونس تحديدا لقيت اهتماما ومتابعة لكن عينيها دائمتا التعلق بهذه البقعة عشق ما وشغف غريب للتورط و الانغماس من اصبع القدم حتى الرأس في محاولات غير مجدية للذوبان والتعلق بهذا الوطن الذي حرمها من الحصول على وظيفة واكمال دراستها العليا وممارسة أي نشاط
ليس هناك ماهو اقسى من ان تعمل لمدة عام في مؤسسة دولة ثم تسرحك من ادارتها دون ان تعطيك حقك وليس هناك ماهو اوجع من ان تحاول اكمال دراستك بالحصول على كتب من خارج البلاد تتعب في بحثها وتدفع قيمتها وحين تصل لبلادك تصادر بتهمة انها كتب مشكوك فيها وانها مخربة للفكر او ان تفتح مشروعا عن الجمال والفن والديكور ويقفل بالشمع الاحمر لانك غير مدعوم وان لاحد في الوسط الفني او الثقافي يعرفك
بسمة الفراشة الجميلة النابضة والشمس المتوهجة انكسرت بعنف توسدت احلامها وطوت شغفها في ظرف قديم وصامت عن الحياة هي الآن في غرفة صغيرة لا تكلم احد ولا تخرج للناس هي في مقاطعة مع الحياة التي اطفأت وهجها واحبطت كل محاولات التعلق بها
بسمة تتلاشي في وطن اختارته ولم يقبلها.
م