فنون

كلمةُ وفاء .. في حقِ وفاء

يكتبها / عز الدين عبدالكريم

  ‬ليس‭ ‬ليَّ‭ ‬مزارع‭ ‬للنخيل،‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬حتى‭ ‬نخلة،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬لا‭ ‬عراجين‭ ‬عندي‭ ‬لأعلقها‭ ‬على‭ ‬قبور‭ ‬المتوفين،‭ ‬كما‭ ‬اقرأ‭ ‬أحيانًا‭ ‬لبعض‭ ‬المتحذلقين‭ ‬قولهم،‭ ‬الذي‭ ‬يلقونه‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعه،‭ )‬لما‭ ‬عاش‭ ‬مشتاف‭ ‬في‭ ‬بلحه‭ .. ‬ولما‭ ‬مات‭ ‬علقوله‭ ‬عرجون‭(  … ‬فلا‭ ‬أملك‭ ‬إلا‭ ‬الشجون‭ …‬

كما‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬اعتصر‭ ‬إلا‭ ‬مرارة‭ ‬الفقد‭ ‬بين‭ ‬الحين،‭ ‬والآخر‭ ‬كمُحبٍ‭ ‬لزملاءٍ،‭ ‬وزميلاتٍ،‭ ‬ورفاقٍ،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬فرقتْ‭ ‬بيننا‭  ‬شُعَبُ‭ ‬الطريقِ‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فقد‭ ‬نحتوا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬مآثر‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬النفس‭ ‬مخلفةً‭ ‬فصولاً‭ ‬للسعادة،‭ ‬غطتْ‭ ‬الوجدان‭ ‬وترسخت‭ ‬لتبقى‭ ‬كمخزونٍ‭ ‬يُستدعي‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬من‭ ‬أثمن‭ ‬ما‭ ‬‮«‬قد‮»‬‭ ‬يمتلكه‭ ‬المرءُ‭ ‬في‭ ‬سنين‭ ‬عمره،لكن‭ ‬جدران‭ ‬الصمتِ‭ ‬تتفتت‭ ‬أمام‭ ‬حجم‭ ‬الصدمات‭ ‬ببعض‭ ‬حالات‭ ‬الفقدان،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الشعور‭ ‬بالخذلان‭ ‬أحيانًا،‭ ‬فكما‭ ‬حصل‭ ‬معي‭ ‬منذ‭ ‬أيام،‭ ‬إذ‭ ‬وأنا‭ ‬أتصارع‭ ‬مع‭ ‬ألم‭ ‬فقدان‭ ‬رفيقة‭ ‬عزيزة‭ ‬على‭ ‬القلب،‭ ‬وإذا‭ ‬بأخرى‭ ‬تلحق‭ ‬بها‭  … ‬

المختلف‭ ‬هنا‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭  ‬الصديقة،‭ ‬والرفيقة‭  ‬اللاحقة،‭ ‬لم‭ ‬تنلْ‭ ‬حظها‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬بمغادرتها،‭ ‬رغم‭ ‬مفصلية‭ ‬حضورها‭ ‬لزمن‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الإذاعي‭ ‬المرئي،‭ ‬والمسموع‭ .. ‬مع‭ ‬مأساوية‭ ‬مغادرتها‭ ‬الحياة‭ … ‬

إنها‭ ‬المذيعة‭ ‬‮«‬وفاء‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‮»‬‭ ‬الليبية‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬نسمات‭ ‬الشام،‭ ‬وهي‭ ‬صبية،‭ ‬آذنةً‭ ‬لها‭ ‬بمعانقة‭ ‬وطنها‭ ‬الأم‭  ‬ليبيا،‭  ‬لنراها‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬تتمختر‭ ‬بزهوٍ‭ ‬كالفراشة‭ ‬بين‭ ‬أروقة‭ ‬الإذاعة‭ ‬بمقرها‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬الشط،‭ ‬وكنتُ‭ ‬حينها‭ ‬مشتعلاً‭ ‬بالحماس،‭ ‬أقضي‭ ‬جُلَّ‭ ‬وقتي‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬بين‭ ‬عمالقة،‭ ‬أستشعر‭ ‬في‭ ‬آحايين‭ ‬كثيرة،‭ ‬حجم‭ ‬النعمة‭ ‬التي‭ ‬منحها‭ ‬ليَّ‭ ‬الله،‭ ‬بمزاملتهم‭ ‬ومراقبتهم‭ ‬للتعلم‭ ‬منهم‭ … ‬

في‭ ‬دمشق‭ ‬كان‭ ‬تمركز‭ ‬الليبيين‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬وأكثرها‭ ‬شهرة‭ ‬حينها،‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬الصالحية‮»‬‭ ‬وتحديدًا‭ ‬حي‭ ‬المغاربة‭ ‬‭ ‬لعله‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ – ‬وبالنسبة‭ ‬للعزيزة‭ ‬وفاء‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‭ ‬فأصولها‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬الخمس،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬بقى‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬كابنة‭ ‬خالها‭ ‬الفنانة‭ ‬المعروفة،‭ ‬السيدة‭/‬نجاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬حفيظ،‭ ‬والمشهورة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬عبر‭ ‬مسلسلات‭ ‬دريد‭ ‬لحام‭ ‬‮«‬غوار‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬عُرفت‭ ‬بشخصية‭ ‬‮«‬فطوم‭ ‬حيص‭ ‬بيص‮»‬‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬صح‭ ‬النّوم‮»‬‭.‬

بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬وفاء‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬أضفى‭ ‬حضورها‭ ‬على‭ ‬الإذاعة‭ ‬روحًا‭ ‬تدغدغ‭ ‬المشاعر،‭ ‬وأعطتْ‭ ‬وهجًا‭ ‬حتى‭ ‬للحيطان،‭ ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬متحرَّرة‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العقد،‭ ‬دون‭ ‬فقدان‭ ‬الالتزام‭ ‬بخاصيات‭  ‬الأدب،‭ ‬والحشمة،‭ ‬واللياقة‭ … ‬

حينها،‭ ‬عندما‭ ‬تساءلنا‭ ‬و«قصقصنا‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬سمة‭ ‬لازمة‭ ‬للشخصية‭ ‬البشرية‭ ‬عمومًا،‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬شعوبنا،‭ ‬عرفنا‭ ‬أنها‭ ‬أتت‭ ‬ضمن‭ ‬عملية‭ ‬استقطاب‭ ‬لسيدة‭ ‬المسرح‭ ‬الليبي‭ ‬العزيزة‭ ‬‮«‬سعاد‭ ‬الحداد‮»‬‭ ‬غفر‭ ‬الله‭ ‬لها‭ .. ‬والحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬سُعدنا‭ ‬بوجودها،‭ ‬كون‭ ‬أي‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المجال‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬العنصر‭ ‬النسائي،‭ ‬حتمًا‭ ‬ستعطي‭ ‬وهجًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬المرفق‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬له‭ .. ‬ويبقى‭ ‬أمر‭ ‬استعدادها‭ ‬وقابليتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيوضحه‭ ‬الزمن‭ … ‬

اللحظة‭ ‬الفارقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬جاءت‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق،‭ ‬إذ‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬وصولها‭ ‬للإذاعة،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬تقريبًا،‭  ‬وأنا‭ ‬أتوجه‭ ‬للأستوديو‭ ‬لتسجيل‭ ‬برنامجي‭ ‬اليومي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مثيرًا‭ ‬لاهتمام‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المستمعين‭ ‬حينها،‭ ‬التقيتُ‭ ‬مصادفةً‭ ‬بوفاء‭ ‬صحبة‭ ‬كبير‭ ‬المذيعين‭ ‬ورئيس‭ ‬القسم،‭ ‬الأستاذ‭ ‬‮«‬ناصر‭ ‬عبدالسميع‮»‬‭ ‬ليستوقفني،‭ ‬وبشخصيته‭ ‬التي‭ ‬يغلفها‭ ‬الحزمُ‭ ‬والجدية‭ ‬قال‭ ‬ليَّ‭ ‬وهو‭ ‬يقدم‭ ‬ليَّ‭ ‬وفاء‭ :‬

‮«‬وفاء‮»‬‭ ‬مذيعة‭ ‬جديدة،‭ ‬وأريدك‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬بها‭ ‬وتدربها‭ .. ‬خذها‭ ‬معك،‭ ‬واتفقا‭ ‬معًا‭ ‬على‭ ‬الكيفية،‭ ‬والوقت‭ … !!!‬

كما‭ ‬قلتُ،‭ ‬فالابتسامة‭ ‬ووفاء‭ ‬وجهان‭ ‬لشخصية‭ ‬واحدة،‭ ‬وكياستها‭ ‬وحسن‭ ‬خلقها،‭ ‬قادها‭ ‬بعد‭ ‬السلام،‭ ‬لأخذ‭ ‬خطواتٍ‭ ‬بعيدة‭ ‬عني‭ ‬وعن‭ ‬الأستاذ‭ ‬ناصر،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تحرجني‭ ‬بقول‭ ‬شيء‭  – ‬قد‭ –  ‬لا‭ ‬يمكنَّني‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬حضورها‭ … ‬اقتربتُ‭ ‬من‭ ‬الأستاذ‭ ‬ناصر‭ ‬محاولاً‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬المفاجئ،‭ ‬وهمستُ‭ ‬له‭ ‬متمتمًا،‭ ‬كيف‭ ‬أدربها؟‭!‬،‭ ‬أنا‭ ‬أصلاً‭ ‬أحتاج‭ ‬من‭ ‬يدربني‭ … ‬وبعنجهيته‭ ‬الأبوية،‭ ‬أردف‭ : ‬

‭)‬لا‭ ‬لا‭ ‬لا‭ .. ‬تقدر،‭ ‬أنتَ‭ ‬خليها‭ ‬زيكَ‭ ‬بس،‭ ‬و‭ ‬وجهها‭(‬،‭ ‬وأقفل‭ ‬الحوار‭ … ‬وتركني‭ ‬الأستاذ‭ ‬واختفى‭ ‬وقد‭ ‬بلعه‭ ‬رواقٌ‭ ‬من‭ ‬أروقة‭ ‬الإذاعة‭  …‬

‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬أصبحتْ‭ ‬وفاء‭ ‬متدربة‭ ‬عندي‭ .. ‬

حاولتُ‭ ‬الإسراع‭ ‬للملمة‭ ‬الموقف‭  – ‬المربك‭ ‬والمفاجئ‭ -‬،‭ ‬وكانت‭ ‬الابتسامات‭ ‬منقذه‭ ‬لتوزيعها‭ ‬لحين،‭ ‬مع‭ ‬عبارات‭ ‬الترحيب‭ ‬البروتوكولية،‭ ‬معطيًا‭ ‬إيحاء‭ ‬بإبعاد‭ ‬المخاوف‭ ‬عنها‭ ‬وتسهيل‭ ‬المهمة‭ ‬ودافعاً‭ ‬لها،‭ ‬كلُّ‭ ‬هذا‭ ‬وأنا‭ ‬متسمرٌ‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬الرواق،‭ ‬وأتيتُ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال،‭ ‬وهي‭ ‬تنتظر‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬سأوجه‭ ‬به،‭ ‬وأنا‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬كيف‭ ‬سأباشر‭ ‬تدريبها‭ .. ‬؟،‭ ‬ويبدو‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬زرع‭ ‬جنين‭ ‬مرض‭ ‬الزهايمر،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يشبهه‭ ‬عندي،‮ ‬‭ ‬لينمو‭ ‬عندي‭ ‬مع‭ ‬السنين،‭ ‬فإذا‭ ‬وقفتُ‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق،‮ ‬‭ ‬تضيع‭ ‬مني‭ ‬الخريطة‭ ‬أين‭ ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬ذاهب،‭ ‬وما‭ ‬كنتُ‭ ‬أنوي‭ ‬أن‭ ‬أفعله‭ … ‬لزمن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ …‬‮ ‬‭ ‬

فجأة‭ .. ‬تذكرتُ‭ ‬أنني‭ ‬كنتُ‭ ‬متوجهًا‭ ‬للأستوديو‭ ‬فقررتُ‭ ‬اصطحابها‭ ‬معي‭ ‬للأستوديو‭ ‬الرئيس‭ )‬S‭..‬A‭..‬R‭( ‬لتراقب‭ ‬تحضيري‭ ‬للبرنامج‭ ‬اليومي،‭ ‬ولأنه‭ ‬لا‭ ‬منهج‭ ‬محدَّد‭ ‬للتدريب‭ ‬كان‭ ‬حاضرًا،‭ ‬ولأنني‭ ‬لا‭ ‬اؤمن‭ ‬بكثرة‭ ‬التنظير،‭ ‬عمدتُ‭ ‬لشرح‭ ‬كل‭ ‬حركة،‭ ‬أو‭ ‬ترتيب‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬بالتفصيل‭ ‬الممل،‭ ‬ثم‭ ‬قرّرتُ‭ ‬إشراكها‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬البرنامج‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬وبحضور‭ ‬زمني‭ ‬متدرج‭ ‬في‭ ‬الطول،‭ ‬وغيرتُ‭ ‬حتى‭ ‬اللحن‭ ‬المميز‭ ‬للبرنامج،‭ ‬ليستمع‭ ‬المستمعون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البرنامج‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ : )‬عزالدين‭ ‬عبدالكريم،‭ ‬و‭ ‬وفاء‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‭(‬،‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ .. ‬وكأن‭ ‬المستمعين‭ ‬قد‭ ‬ترسختْ‭ ‬عندهم‭ ‬حتمية‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬البرامج‭ ‬بيننا،‭ ‬لعله‭ ‬لموسيقية‭ ‬الاسمين‮ ‬،‭ ‬فأصبح‭ ‬وجودي‭ ‬مع‭ ‬وفاء‭ ‬يوميًا،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬أخرى،‭ ‬مسألة‭ ‬معتادة‭ ‬لدى‭ ‬المستمعين،‭ ‬وأصبح‭ ‬اللقاء‭ ‬العملي‭ ‬لإنتاج‭ ‬البرامج‭ ‬هو‭ ‬المنهج‭ ‬التدريبي‭ ‬الرسمي،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يصاحب‭ ‬الإنتاج‭ ‬التنفيذي‭ ‬من‭ ‬توجيهي‭ ‬‭ ‬الحريص‭ -‬‮ ‬‭ ‬لإتمام‭ ‬مهمتي‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬الفنية‭ ‬التفصيلية،‭ ‬المتعلقة‭ ‬باللغة،‭ ‬والوقفات،‭ ‬والإلقاء‭ ‬الخ‭ … ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تشبعت‭ ‬هي‭ ‬بالأساسيات‭ ‬وأصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬سلاسة،‭ ‬وانطلقت‭ ‬‮«‬وفاء‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‮»‬‭ ‬لاحقاً،‭ ‬لتقتحم‭ ‬حتى‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة‭ ‬كمذيعة‭ ‬ربط،‭ ‬وشكلت‭ ‬روحها‭ ‬الودودة‭ ‬والمرحة‭ ‬التلقائية‭ ‬عنصر‭ ‬جذب‭ ‬لدى‭ ‬المشاهدين،‭ ‬حتى‭ ‬أُطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬جميلة‭ ‬الشاشة‭ ‬الليبية‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬استطاعتْ‭ ‬ولسنوات‭ ‬أن‭ ‬تُحدث‭ ‬إضافةً‭ ‬للعمل‭ ‬الإذاعي،‭ ‬وخيارًا‭ ‬حاسمًا‭ ‬للبرامج‭ ‬الإذاعية‭ ‬المسموعة،‭ ‬والمرئية‭ …. ‬ثم‭ ‬وبعد‭ ‬سنين،‭ ‬أخذت‭ ‬الحياة‭ ‬كلٌ‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬طريق،‭ ‬وغادرتُ‭ ‬البلاد،‭ ‬وكنا‭ ‬نلتقي‭ ‬لاحقًا‭ ‬بالمصادفة‭…‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الحالية‭ ‬وهذه‭ ‬الأيام،‭ ‬بشوق‭ ‬كنتُ‭ ‬انتظر‭ ‬اتصالها،‭ ‬خاصةً‭ ‬وأنها‭ ‬فوجئتْ‭ ‬وسُعدتْ‭ ‬بوجودي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ومعرفتها‭ ‬لمخططي‭ ‬الاستقرار،‭ ‬لكن‭ ‬ظروف‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬توعك‭ ‬صحتها‭ ‬مؤخرًا‭ ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬ليَّ،‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬واختار‭ ‬لها‭ ‬الله‭ ‬الانفكاك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ … ‬وكأني‭ ‬أراها‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬فراشة‭ ‬مزهوة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬حيث‭ ‬هي‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬الملكوت‭ ‬وعوالمه‭ ‬الخفية‭ ‬كالفراشة،‭ ‬فلا‭ ‬يليق‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬الخُيلاء،‭ ‬أما‭ ‬هنا‭ ‬وما‭ ‬تركت‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ومع‭ ‬حالتي،‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬آثار‭ ‬ابتساماتها‭ ‬وضحكاتها‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬الوجدان،‭ ‬‭ ‬

إلى‭ ‬جنة‭ ‬الخلد‭ ‬أيتها‭ ‬العزيزة‭ … ‬وستبقين‭ ‬إضافةً‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭ ‬لزمن‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭ …‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى