ثقافة

لعنة الزويك

سميرة البوزيدي

أعراض‭ ‬تشوهات‭ ‬مزمنة‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الفني،‭ ‬والثقافي‭ ‬المحلي،‭ ‬وعدوى‭ ‬تجتاح‭ ‬عامة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتبعات‭ ‬ذلك‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬صاعقة‭ ‬وكارثية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد‭ ‬بشكل‭ ‬يدعو‭ ‬للقلق‭ ‬وربط‭ ‬حزام‭ ‬الأمان‭..!‬

والشيء‭ ‬الأكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬مع‭ ‬تأزم‭ ‬المشهد‭ ‬أننا‭ ‬سوف‭ ‬نشهد‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬القبح‭ ‬والأدعاء‭ ‬وزيادة‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬استهلاك‭ ‬النرجسية‭ ‬والأنا‭. ‬

اتساءل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬البطولة‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭..!!‬؟‭.‬

هل‭ ‬بالاختلاس‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬جاهزة‭ ‬دون‭ ‬جهد‭ ‬أو‭ ‬عناء‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬فقط‭ ‬لأجل‭ ‬إشباع‭ ‬شهونية‭ ‬أنا‭ ‬موجود‭ ‬ونيل‭ ‬الأعجاب‭ ‬أو‭ ‬لأجل‭ ‬التكريم‭ ‬الزائف‭ ‬الذي‭ ‬يفتقر‭ ‬للمعرفة‭ ‬والخبرة‭ ‬والتخصصات‭ ‬فالكل‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬النهايات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬بدايات‭ ‬اصلا‭..! ‬

الانتشاء‭ ‬والاحساس‭ ‬بالنجاح‭ ‬السريع‭ ‬الذي‭ ‬يحققه‭ ‬دخلاء‭ ‬المهنة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مجرد‭ ‬وهم‭ ‬يغذي‭ ‬الوثنية‭ ‬النرجسية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬اتباعها‭ ‬التقرب‭ ‬لارضائها‭ ‬بقرابين‭ ‬الخسة‭ ‬والندالة‭ ‬والانحطاط‭..! ‬

لا‭ ‬أحد‭ ‬يشعر‭ ‬بالذنب‭ ‬والمسؤولية‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬الجميع‭ ‬يتسابق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬فارس‭ ‬داخل‭ ‬الفضاء‭ ‬الأزرق‭ ‬واتساءل‭ ‬بذهول‭ ‬أليس‭ ‬لهؤلاء‭ ‬وظائف‭ ‬وأسر‭ ‬وعبادات‭ ‬تحتاج‭ ‬التفعيل‭..!‬؟‮ ‬‭ ‬

الكوارث‭ ‬تتفاقم‭ ‬وتصبح‭ ‬ترسبات‭ ‬تتصلب‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ليكتمل‭ ‬المشهد‭ ‬بظهور‭ ‬كائنات‭ ‬تتقمص‭ ‬دور‭ ‬الفنان‭ ‬والمهندس،‭ ‬أو‭ ‬المصمم‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬والمهن‭ ‬لقد‭ ‬أصبحوا‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬المشهد‭ ‬الفني‭ ‬وأصبح‭ ‬لهم‭ ‬مراسم‭ ‬واسماؤهم‭ ‬تملأ‭ ‬الصحف‭ ‬والمواقع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بأقلام‭ ‬كتَّاب‭ ‬وصحفيين‭ ‬غير‭ ‬متخصصين‭ ‬وغير‭ ‬مكترثين‭ ‬بجرمهم‭ ‬الذي‭ ‬يسترسل‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬التفاهات‭ ‬كيف‭ ‬تجرؤوا؟،‭ ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬لكم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الشجاعة‭ ‬في‭ ‬مواجه‭ ‬انفسكم‭ ‬ومواجهة‭ ‬أخلاق‭ ‬المهنة‭..!!.‬

ويتسع‭ ‬الشرخ‭ ‬بقاعات‭ ‬ومواقع‭ ‬تأسست‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬باكرًا‭ ‬للجميع‭ ‬اعتقدنا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬وهم‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬فضاءً‭ ‬لنشر‭ ‬القيم‭ ‬الجمالية‭ ‬الرفيعة‭ ‬وملاحقة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفني‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬داره‭ ‬لكنها‭ ‬سكنت‭ ‬أرضها‭ ‬دون‭ ‬حراك‭ ‬تمجد‭ ‬الإنتاج‭ ‬الهابط‭ ‬واللوحة‭ ‬الواقعية‭ ‬التى‭ ‬تفتقر‭ ‬للخيال‭ ‬والإبداع‮ ‬‭ ‬وقيمت‭ ‬أسعار‭ ‬الأعمال‭ ‬بأسعار‭ ‬الخضراوات‭ ‬كلها‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬واحدة‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬ألوانها‭ ‬وأشكالها‭ ‬وفوائدها‭ ‬ودون‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالمتخصص‭ ‬وأهل‭ ‬الذكر‭ ‬فالأمر‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‮…‬‭ ‬لأن‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬سبات‮… ‬‭ ‬القاب‭ ‬واوصاف‭ ‬رنانة‭ ‬يمتطيها‭ ‬الكثير‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬شواهد‭ ‬لكنها‭ ‬تربك‭ ‬البسطاء‭ ‬ويصدقها‭ ‬قليلي‭ ‬الحيلة‭..!.‬

والشيء‭ ‬المؤكد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬الإدعاء‭ ‬وعالم‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬كفة‭ ‬واحدة‮…‬

معارض‭ ‬تقام‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نهضةً‭ ‬فنية‭ ‬حقيقية‭ ‬يشهدها‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬فما‭ ‬يعرض‭ ‬ليس‭ ‬نتاج‭ ‬مسارات‭ ‬حقيقية‭ ‬وفلترة‭ ‬وإنما‭ ‬إنتاج‭ ‬مبتذل‭ ‬ومكرر‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬والتقنية‭ ‬والغاية‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تقليد‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬أخرى‭ ‬جاهزة‭ ‬وقد‭ ‬أتاحت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬خاصية‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬وثقافات‭ ‬أخرى‭ ‬بسهولة‭ ‬وأكثر‭ ‬يسر‭ ‬أعطت‭ ‬الكثير‭ ‬فرصة‭ ‬الاختلاس‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭ ‬دون‭ ‬رقابة‭ ‬أو‭ ‬تأنيب‭ ‬ضمير‭..!‬‮ ‬‭ ‬وأعمال‭ ‬زخرفية‭ ‬أخرى‭ ‬يغرق‭ ‬بها‭ ‬المشهد‭ ‬الفني‭ ‬تغازل‭ ‬المتلقي‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬وخزائن‭ ‬الجهات‭ ‬العامة‭ ‬بأكثر‭ ‬انتباه‭..! ‬والنصيب‭ ‬الأكبر‮ ‬‭ ‬والأكثر‭ ‬شعبية‭ ‬كانت‭ ‬تناله‭ ‬اللوحة‭ ‬السياحية‭ ‬البائسة‭.‬

وكل‭ ‬هذا‭ ‬الهرج‭ ‬جاء‭ ‬عن‭ ‬محدودية‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬وشح‭ ‬الأخلاق‭ ‬وغياب‭ ‬المتخصص‭ ‬والأمية‭ ‬الصارخة‭ ‬للمجتمع‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬كانت‭ ‬المناخ‭ ‬الرطب‭ ‬لانتشار‭ ‬وباء‭ ‬اللا‭ ‬مبالات‭ ‬والنرجسية‭ ‬الحديثة‭ ‬المدعومة‭ ‬بـ‭)‬السوشل‭ ‬ميديا‭( ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬للجميع‭ ‬اعتلاء‭ ‬دور‭ ‬البطولة‭ ‬دون‭ ‬عناء‭ ‬وعفتهم‭ ‬شر‭ ‬القتال‭..!‬‮ ‬‭ ‬

رسامون‭ ‬ظهرو‭ ‬فجأة‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬تنبيه‭ ‬أو‭ ‬بدايات‭ ‬يتصدرون‭ ‬المشهد‭ ‬الفني‭ ‬بالحضور‭ ‬الشخصي‭ ‬وبعض‭ ‬التراهات‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬والفعل‭ ‬بشجاعة‭ ‬قل‭ ‬مثيلها‭ ‬دون‭ ‬استحياء‭..!‬‮ ‬‭ ‬

أزماتنا‭ ‬ليست‭ ‬صدفة‭ ‬فالأمر‭ ‬ليس‭ ‬بالسهولة‭ ‬التي‭ ‬تصورها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدخلاء‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬فقط‭ ‬مجرد‭ ‬ساحة‭ ‬لاستهلاك‭ ‬النرجسية‭ ‬وإشباع‭ ‬الذات‭ ‬بل‭ ‬الأمر‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭ ‬فهو‭ ‬كارثي‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‮ ‬‭ ‬فهو‭ ‬يفضح‭ ‬أخلاق‭ ‬فاعله‭ ‬ومحدودية‭ ‬معرفته‭ ‬وعدم‭ ‬إحساسه‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬أفعاله‭ ‬العبثية‭ ‬وانعكاسها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يناله‭ ‬نصيب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬التشويه‭ ‬الذى‭ ‬سوف‭ ‬يرسم‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬ملامح‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬المحلي‭ ‬أمام‭ ‬باقي‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬وهذا‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬مقلقة‭ ‬وخطيرة‭ ‬والتى‭ ‬بدورها‭ ‬ترسخ‭ ‬صورة‭ ‬مربكة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬محدثة‭ ‬فجوة‭ ‬عميقة‭ ‬بين‭ ‬ماضي‭ ‬مفعم‭ ‬بالحضارة‭ ‬والجمال‭ ‬وعبثية‭ ‬مدعي‭ ‬يسعى‭ ‬لإرضاء‭ ‬نزواته‭ ‬المرضية‭ ‬الضيقة‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬يتم‭ ‬قراءة‭ ‬المشهد‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬يتم‭ ‬التواصل‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬المكان‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬وثقافيا‭ ‬وبنفس‭ ‬المستوى‭ ‬والوزن‭ ‬الذي‭ ‬قدمت‭ ‬به‭ ‬نفسك‭ ‬وانعكاسه‭ ‬السلبي‭ ‬سوف‭ ‬يطول‭ ‬صورة‭ ‬الوطن‭ ‬بأكمله‮…‬‭ ‬

ويزداد‭ ‬الفعل‭ ‬قتامةً‭ ‬عندما‭ ‬يجهل‭ ‬هذا‭ ‬المدعي‭ ‬أنه‭ ‬قطع‭ ‬أرزاق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المبدعين،‭ ‬والمثقفين‭ ‬الذين‭ ‬ضحوا‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬لأجل‭ ‬مشروعهم‭ ‬الفني‭ ‬والإنساني‭ ‬الكبير‭ ‬عبر‭ ‬سنين‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والاطلاع‭ ‬والمثابرة‭ ‬والعمل‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬المدعي‭ ‬مستغلًا‭ ‬أمية‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬ويجعل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬مجرد‭ ‬خرافة‭ ‬تتدحرج‭ ‬نحو‭ ‬الاندثار‮…‬

يوميًا‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬الصديق‭ ‬الفنان‭ )‬علي‭ ‬الزويك‭( ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬إما‭ ‬بالزيارة،‭ ‬وهي‭ ‬قليلة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالاتصال‭ ‬الهاتفي‭ ‬اسأله‭ ‬عن‭ ‬صحته،‭ ‬وأحواله‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهل‭ ‬زارك،‭ ‬أو‭ ‬اتصل‭ ‬بك‭ ‬أحد‭..‬؟‭.‬

يجيبني‭ ‬بصوت‭ ‬يائس‭ :‬

‭) ‬لا‭ ‬لم‭ ‬يتصل‭ ‬أحد‭ ‬فالمصلحة‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭(. ‬

دائمًا‭ ‬كانت‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أولى‭ ‬ضحايا‭ ‬العبث‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬تراجعوا‭ ‬وخسروا‭ ‬وظائفهم‭ ‬وثقتهم‭ ‬بالمحيط‭ ‬حتى‭ ‬ساءت‭ ‬حالتهم‭ ‬النفسية‭ ‬والإنتاجية‭ ‬وأصبحوا‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬العزلة‭ ‬والمرض‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬المشهد‭ ‬بشكل‭ ‬مرعب‭ ‬ومخيف‮…‬‭ ‬

في‭ ‬مساحة‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬2‭ ‬متر‭ ‬مربع‭ ‬كان‭ ‬العملاق‭ )‬علي‭ ‬الزويك‭( ‬قد‭ ‬قبر‭ ‬حيًا‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬باردة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الحق‭ ‬يصارع‭ ‬الوحدة‭ ‬والذكريات‭ ‬وكثيرًا‭ ‬من‭ ‬الخذلان‭ ‬والمرض‮…‬‭ ‬

عرفتُ‭ )‬الزويك‭( ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬إنسانًا‭ ‬وفنانًا‭ ‬مثقفًا‭ ‬بشكل‭ ‬يدعوك‭ ‬للانتباه،‭ ‬وإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬عمقًا،‭ ‬وأكثر‭ ‬نقاءً‭ ‬فهو‭ ‬بمثابة‭ ‬مدرسة‭ ‬ومكتبة‭ ‬متنقلة‭ ‬تعج‭ ‬بالمعرفة‭ ‬والحياة‭ ‬ينثر‭ ‬جمال‭ ‬روحه‭ ‬وفكره‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬ترفع‭ ‬وانتظار‭ ‬الشكر‭ ‬والإطراء‭. ‬

الجميع‭ ‬اغترف‭ ‬نصيبًا،‭ ‬وافر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعرفة‭ ‬والخدمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يتوانى‭ ‬لحظة‭ ‬عن‭ ‬تقديمها‭ ‬للأصدقاء،‭ ‬والغرباء‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬لكن‭ ‬الجحود‭ ‬يبقى‭ ‬أحد‭ ‬سمات‭ ‬أهل‭ ‬هذا‭ ‬الوسط‭ ‬والمكان‮…‬

أتذكر‭ ‬جيدًا‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين،‭ ‬وغيرهم‭ ‬يسارع‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ )‬الزويك‭( ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬ينتهي‭ )‬رأس‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭( ‬من‭ ‬القاء‭ ‬إحدى‭ ‬خطبه‭ ‬السياسية‭ ‬ليسعفهم‭ ‬بالتحليل‭ ‬والقراءة‭ ‬المعمقة‭ ‬حول‭ ‬فحوى‭ ‬ذلك‭ ‬الخطاب‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬بدورهم‭ ‬من‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مادة‭ ‬إعلامية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬التأويل‭ ‬والأخطاء‭ ‬تبقيهم‭ ‬في‭ ‬مناصبهم‭ ‬وتنجيهم‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬آنذاك‭..! ‬

قبل‭ ‬وبعد‭ )‬الزويك‭(‬‮ ‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ولن‭ ‬يكن‭ ‬المشهد‭ ‬الفني‭ ‬المحلي‭ ‬يتمتع‭ ‬بهذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬عالمية‭ ‬اللوحة‭ ‬وبهذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬والأساليب‭ ‬المحدثة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن‭ ‬وبعدة‭ ‬لغات‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الإبداعي‭ ‬بشكل‭ ‬احترافي‭ ‬متمكن‭ ‬من‭ ‬أدواته‭ ‬التحليلية‭ ‬وفاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬المشهد‭ ‬التشكيلي‭ ‬محليًا‭ ‬وعربيًا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حضوره‭ ‬الشخصي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لافتًا‭ ‬أينما‭ ‬ذهب،‭ ‬وأينما‭ ‬حل‭.‬

الحياة‭ ‬تخسر‭ ‬جاذبيتها‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬السيل‭ ‬من‭ ‬المعاصي‭ ‬والخطايا‭ ‬والسيئات‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬تجارب‭ ‬إنسانية‭ ‬إبداعية‭ ‬ضحتْ‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬لأجل‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬‮…‬‭ ‬سلوك‭ ‬منحط‭ ‬أدمنه‭ ‬قطع‭ ‬عريض‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الارتياح‭ ‬وليس‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الانتشاء‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬النجاح‮…‬‭ ‬

بأيديهم‭ ‬يصنعون‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدخلاء‭ ‬أزماتهم‭ ‬ثم‭ ‬يرتعبون‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬أفعالهم‭!!.‬

ألا‭ ‬يعلم‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنهم‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬مشهد‭ ‬قاتم‭ ‬لحقبة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬أم‭ ‬راق‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬فيه‭..!!‬؟‮                     ‬‭ ‬

الجميع‭ ‬سارع‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الواجب‭ ‬بنشر‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭  ‬‮«‬الزويك‮»‬‭ ‬وغصت‭ ‬المواقع‭ ‬بالصور،‭ ‬وسيرة‭ ‬الفنان‭ ‬وبعضًا‭ ‬من‭ ‬الرثاء‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬حاول‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬الفقيد‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬كيانه‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬داخل‭ ‬مساحة‭ ‬الحدث‭ ‬أنه‭ ‬الواجب‭ ‬المستحدث‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬العزاء‭..! ‬

أين‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬والحزن‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يستغيث‭ )‬الزويك‭ (!!‬؟

لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬ترند‭ ‬trend‮ ‬لمواكبة‭ ‬اللحظة‭ ‬واسترسال‭ ‬نظام‭ ‬التفاهة‭ ‬وزوال‭ ‬المفاهيم‭ ‬ورواج‭ ‬السطحية‭ ‬وانقراض‭ ‬المشاعر،‭  ‬والاحاسيس‮…‬

لن‭ ‬يعود‭ ‬ويتكرَّر‭ ‬هذا‭ ‬النجم‭ ‬الساطع‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوف‭ ‬تلاحقكم‭ ‬لعنة‮ ‬

‭)‬الزويك‭( ‬والأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬وأنتم‭ ‬تدنسون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أيها‭ ‬العابثون‭ ‬ولو‭ ‬كنتم‭ ‬في‭ ‬بروج‭ ‬محصنة‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى