
لقد عانيتُ كثيرًا في حياتي، وأنا هنا لستُ بصدّد ذكر كل تلك العواثر، فجلكم يعلم ذلك، يكفي أنني فقدتُ والدي رحمه الله وأنا في سن التاسعة .. والحمد لله أنا على باب الستين، وتجاوزتُ، وإخوتي بفضله تعالى أغلب العثرات.
لكن هناك عثرةً لازمتني طوال عمري ولازالتْ إلى الآن ربما بأقل حدة لكنها مستمرة، وهي لـ)كنتي الطرابلسية( .
لربما يبدو لكم الأمر بسيطًا، ولا يستحق عرضه كمشكلة لكونها لا تعنيكم، فهي تعني سكان هذه المدينة أبًا عن جد وهذا واقع عشته. «اللكنة» كانتْ من أهم مشكلاتي طبعًا، ولن اعمم هنا، ولكني سأذكر اختزالاً كيف أنها بمجال عملي كانت اكبر مشكلاتي.
ولاختصر عليكم الأمر لذا توجب اضع توقيتًا لهذه المسألة أنا الذى أعطى من عمره أربعين عامًا بالعمل الوظيفي. لربما هان الأمر الآن قليلاً بعد التقنية، والانترنت
و)خشوش البلاد في بعضها( .. لكن قديماً خاصةً في عقودي الأولى بالعمل كان الأمرُ كارثةً .
ففي عملي كمثال كانتْ لكنتي الطرابلسية أهم مشكلاتي طبعًا أنا أحبُ زملائي وبدورهم يحبونّني لكنّنا نحن معشر الطرابلسية كنا قلة، ونعد على أصابع اليد الواحدة أما أغلب العاملين فكانوا من كل أصقاع ليبيا .. ودع عنكَ حكاية المدير أول ما يستلم العمل يجيب معاه نص أفراد قبيلته، وهاذوا طبعًا لهجتهم واحدة بالتالي مصالحهم واحدة، فنجد أنفسنا صغار طرابلس في آخر الصف في تولية المناصب و توزيع المهام والمكافآت، لا لعيب فينا فنحن كفاءات أيضًا، لكن عيبنا الوحيد لكنتنا المدينية.
هم لا يخبرونا بذلك وجهًا لوجه فهم يعلمون أنّ ردودنا ع راس لساننا، وأن التلقيح وضرب المعاني صناعتنا لكنهم وفي السر يرددون : )سحانين، زنيلوات، جماعة المكياتا والبريوش.. والعكسة في راس الزنق، بعدين هاذوا ما يسمعوش حتى في العربي هاذو الجماعة موزيكة عبدة الشيطان( .
ما يهم لربما دفعنا ثمن لكنتنا، وعاداتنا قديماً.
لكني الآن احمد الله فالأمر أخذ نحو التحسن فمواقع )السوشال ميديا(، والتواصل، )فيس، تويتر، تيلجرام، والماسنجر والواتسب..ووو( في الطريق وإن طال الأمر لتصل بنا للكنة ليبية موحدة، وإن وجد اختلافٌ فأكيد أنه سيكون بسيطًا، ولا يكاد يذكر .
وزحف المدينة الذي نشهده الآن بعاداتها وتقاليدها على كل جغرافيا ليبيا، ازال الكثير من الفوارق فلم تعد المكياتة، والسبريسو والبريوش، والبيتسا حكرًا علينا بطرابلس ففي كل مدينة الآن صار شبيهٌ لـ)لحاج فتحي(، وبكل مدينة كافتيريا شنابو وبيتساريا فورنو .. وصار البريوش أكلة شعبية ليبية، وكريب الشكلاطة، والفستق حتى في الصحراء تلقاه .. أما )الروك اند رول والريجي والراب(، فسمعته ووجدتُ ملمين به بمناطق تبعد على طرابلس مئات الكيلو مترات …
المهم غير خطرها .. قداش عانيتُ من لكنتي الطرابلسية حين كنتُ أجلس وحيدًا أتحدث خاصة خارج طرابلس والكل مستغربًا سرعة حديثي، وتراكيب الجمل في كلماتي، وكيف اختزل العشر سطور في كلمة .. في حين صرتُ أجلس الآن كبكوش لا لسان له في جوقة متكلمين لهم سبعة السن، وكلهم يتحدث في وقت واحد لا فواصل، ولا نقط .
ولا حتى استراحة لموعد الاذان