* إنتصار بوراوى
صدر كتاب )لمحات من تاريخ بنغازى( للقاص والكاتب محمد العنيزى عن وزارة الثقافة والتنمية المعرفية فى عام2021م، الجميل فى الكتاب بالإضافة إلى السرد التوثيقى الرائع للشخصيات البنغازية التى كان لها دورٌ فى تاريخ مدينة بنغازى التعليمي، والثقافي، والصحافي، والفني هو الوعى بمدى جمالية روح تلك المرحلة القائمة على الوطنية والإيثار والرغبة فى تأسيس، وبناء اللبنات الأولى لأهم المؤسسات فى مدينة بنغازى رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى كانت تعيشها ليبيا منذ عقد الثلاثينيات، وحتى ستينيات القرن العشرين
يقترب الكتابُ من أرواح الشخصيات الرجالية والنسائية الذين امتلكوا الوعي المبكر والإرادة الوطنية لنشر التعليم والثقافة، والفن والعلم والصحافة بمدينة بنغازى من خلال مبادراتهم الشخصية دون أى دعم مادى كبير فأغلب المؤسسات التى تم تأسيسها فى تلك المرحلة بدأتْ من الصفر برغبة، وإرادة نساء ورجال وطنيين كان همهم الأساسى هو خدمة مدينتهم، وبلادهم والنهوض بها من قاع الفقر والجوع والمرض والجهل إلى آفاق العلم والتعليم والكرامة الإنسانية وتأسيس مؤسسات من العدم إلى النَّور مثل مؤسسة الإذاعة المسموعة، وروادها الأوائل من مذيعين ومذيعات بنغازى بالإضافة إلى الكوادر الفنية والهندسية بمؤسسة الإذاعة .
وتأسيس الحركة الكشفية التى قامتْ على أكتاف رجال ونساء الوطن المخلصين بجمعية عمر المختار عام1947م ثم تطورها بعد تأسيس فرقة كشاف بنغازى على يد )منصور الكيخيا( فى عام1950م والذى أصبح مفوض عام كشاف برقة وكان له دورٌ فى تأسيس حركة المرشدات عام1960م بالتعاون مع السيدة )حميدة العنيزي(.
وفى الكتاب نتعرف على الشخصيات الوطنية التى قامت بانشاء أهم لجنة خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين بالمدينة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتى كان على رأسها الشخصيات الوطنية علي زواوة، وعمر كانون، ومحمد الفلاح، وغيرهم من رجالات المدينة المخلصين الذين أخذوا على عاتقهم مساعدة فقراء المدينة بتوزيع المساعدة النقدية من خلال جمع التبرعات والزكاة السنوية من التجار والأغنياء وبعد ذلك قامت اللجنة بتأسيس )الملجأ الاسلامى( لايواء العجزة والايتام وعمل اللجنة الخيرية كان كما يقول مؤلف الكتاب بمثابة صندوق ضمان اجتماعى حيث كانت تقوم بإعداد قوائم باسماء العائلات الفقيرة والمحتاجة التى بلغ عددها قرابة «300» عائلة لتوزيع التبرعات والزكاة عليها والذى آلت تبعيته فى بداية الستينيات إلى وزارة الشؤون الاجتماعية تحت اسم )دار رعاية المسنين( .
ويوثق الكتاب لمسيرة وتاريخ مؤسسة تطوعية خيرية وحقوقية تأسست فى مدينة بنغازى فى عام1954م وهى جمعية النهضة النسائية الخيرية التى انشأتها رائدة تعليم الفتيات فى بنغازى السيدة حميدة العنيزي مع مجموعة من النساء المتعلمات والمثقفات فى بنغازى والتى امتدت فروعها إلى مدن أخرى فى ليبيا.
ويسرد الكتاب تاريخ ومسيرة مؤسسة أخرى رائدة مهمة وهى المركز التدريبى والتعليمى لرعاية الأمومة والطفولة الذى قام على أكتاف رائدات نسويات من المدينة درسن فى معهد التمريض ومنهن السيدة فاطمة طرخان .
ويعرج الكتاب على جزءٍ مهمٍ من سيرة تأسيس نادى الأهلى عبر سيرة اللاعب عبد العالى العقيلى
وفى سيرة ومسيرة تاريخ الصحافة بالمدينة يورد الباحث سيرة مكتبة )زاقوب(، وصحيفته )البشائر( وفى سيرة التأسيس المعماري بالمدينة على أيدى رجال المدينة الوطنيين يسرد الباحث سيرة المهندس الوزير )فتحى جعودة( الذى كان له دورٌ كبيرٌ فى الاشراف على أهم المشروعات الهندسية بمدينتي )بنغازي، والبيضاء( مثل مشروع المدينة الرياضية، ومشروع بناء مدينة البيضاء وغيرهما من المشاريع المهمة.
ويوثق الكتاب سيرة تأسيس مؤسسة وجمعية مهمة أيضًا فى مدينة بنغازي، وهى جمعية الكفيف ويسرد الباحث مسيرة الكفاح والعزيمة والإرادة لمؤسسها السيد محمد بن سعود منذ بداية تأسيسها وإلى أن أصبحت جمعية كبيرة ومهمة تقدم خدماتها التعليمية للمكفوفين، وتعمل على تأهيلهم مهنيًا وتدريبهم وتوفير فرص العمل لهم.
ومن الشخصيات الرائدة الوطنية المهمة بمدينة بنغازى شخصية الأستاذ محمد العالم حويو صاحب فكرة إنشاء أول مدرسة ليلية للعمال بالمدينة والتى تطوع للعمل فيها مجموعة من المدرسين دون مقابل إلى أن قامت وزارة المعارف فى عام1963 بضمها للوزارة ضمن إدارة سُمِيتْ بإدارة )تعليم الكبار(.
وفى مجال التعليم يورد الباحث ومؤلف الكتاب سيرة توثيقية لمؤسسة تعليمية مهمة في بنغازي وهو الصرحُ العلمي والتعليمي الرائد في بنغازي.
)معهد المعلمين( الذى تم افتتاحه فى نهاية1952م وكان نواة لتخريج دفعات، وأجيال من المدرسين فى بنغازى كما أصدر المعهد صحيفة «المعلم» وكانت أول صحيفة مدرسية يصدرها طلابُ معهد المعلمين بولاية برقة.
فى الفصل الثاني من الكتاب يسرد الكاتب سيرة رواد الأغنية الليبية من بنغازى من شعراء ومطربين وملحنين مثل الشعراء الغنائيين مسعود بشون وعبد الحميد شادي، وفتحي المرتشي، ويوسف بن صريتى ومحمد حمد الطيب ومحمد مخلوف ومحمد المريمي.
بالإضافة إلى المطربين الرواد للأغنية الليبية مثل المطرب العملاق على الشعالية وسيد بومدين شادى الجبل والمطرب أحمد كامل والمطرب محمد مختار والمطرب الطاهر عمر والمطربة خديجة الفنونشة
والموسيقيين والملحنين الرواد الموسيقار على قدورة ومصطفى المستيرى والملحن إبراهيم أشرف والموسيقار صبرى الشريف والموسيقار الملحن سليمان بن زبلح
يجمع الكاتب كل هذه الباقة، والخميلة الجميلة من أزاهير وورود الغناء والشعر واللحن الجميل من خلال شخصياتهم الريادية في تاريخ الغناء الليبى ويروي ويوثق بعضًا من سير حياتهم الفنية العابقة بالحب والموسيقى والجمال فى إشارة ود ومحبة فى نهاية كتابه الجميل الذى يروي تاريخ وهوية مدينة كانت عابقة بالجمال والحب والعطاء خلال أصعب مراحل تاريخها على أيدي رجال ونساء وطنيين ووطنيات كان حبُ مدينتهم ووطنهم هو دافعهم الأساسي للريادة والتأسيس رغم الظروف الاقتصادية البسيطة فلم يكن المال أو المقابل المادى هو الدافع لأي عمل قاموا به من أجل نهضة مدينتهم وبنائها وتأسيس مؤسساتها الريادية فى كافة المجالات بل كان العطاء ومحبة المدينة هو المحرك الأساسي لهم في بناء وتأسيس المؤسسات التعليمية والفنية والثقافية والإعلامية التى مثلتْ صروحًا تأسيسية فى مدينة بنغازى والتى كانت قائمة فى أساسها على الوطنية والكفاءة وحب الوطن الحقيقى، ومنحها الرواد فى كافة المجالات هويتها كمدينة ثقافية منفتحة، ومتقدمة بالعلم والمعرفة والفنون والإعلام والصحافة وعاشقة للموسيقى والغناء والفن الإذاعى والمسرح .
كتاب )لمحات من تاريخ بنغازي( هو أول كتاب صدر للكاتب ضمن مشروعه التوثيقى للشخصيات والمؤسسات الرائدة فى مدينة بنغازى ومن الواضح بأن الكاتب بذل مجهودًا واضحًا فى البحث والاستقصاء فى الصحف والمجلات القديمة بالإضافة إلى قيامه بحوارت صحافية توثيقية مع الرواد فى كافة المجالات لتوثيق وكتابة سيرة تلك الشخصيات الرائدة وتقديمها للأجيال الجديدة التى تجهل سيرة ومسيرة وعطاء الرواد بمدينة بنغازي