رأي

مجتمعات النميمة

نجاح مصدق

لا اعلم ما الذي يغري البشر للاستسلام لجلسات محورها القيل والقال والنم ونقل الاخبار، ولماذا الأذن البشرية قاع سحيق يبتلع كل شيء ولايكتف

في طفولتي كنت اتوقع ان حضور الجارات لمشاركة امي الشاي صباحا _كعادة ليبية تحكمها قعدة العالة وسفرة الفطور _ هي قمة البهجة لما تضفيه الجلبة والضحكات من وقع جميل كانت الاسرار تتسرب مع كؤؤس الشاي وفناجين القهوة بعفوية وكانها طقس ملازم لتلك التجمعات الصباحية وكانت امي تمارس علينا دورالحارس الذي يمعن في رفض مشاركتنا لهذه الجلسات حتى اني كنت من شدة خوفي من حرارة عينيها لا اعرف اين اضع ماطلبته مني لضيافة السيدات ولا احكم استراق الحكايا

كبرت وعرفت  بان تلك الجلسات اتخدت اشكالا اخرى مع مرور الوقت  وانها موجودة بين مجتمعات الرجال ايضا وانها بالاصل كانت موجودة مع وجود الانسان طلبا للالفة والتقرب وكنوع من التواصل الاجتماعي وان النقوش القديمة على جدران الجبال وعلى رخام الاثار ترصد العمل مقترن بنقل الاخبار والهمس

ومع الايام تاكدت بان مجتمعنا  باسره مجتمع نمام بامتياز ولا ينحصر الامر في قعدة شاي وعدد من السيدات بل يطال الجميع في الشارع وفي الاعمال ووسط مكاتب الادارات في الافراح والاحزان حتى بين الاصدقاء والرفاق بات النم منهج حياة يحرك مسطرة المجتمع الى ما يريد لن اذهب الى الراي الديني وما تحصره الفلسفة الاسلامية من سلوك يصنف بالنم ومتى تحرم ومتى تجاز لا بل تتبعا للعلم و الجدوة من هذا الفعل  ومدى تأثيره قرأت  بحثا لواقع مجتمعات تنمو فيها النميمة وتكبر حيث  أفاد تحليل أجري في عام 2019 ونُشر في مجلة «Social Psychological and Personality Science» أن الشخص العادي  يقضي 52 دقيقة كل يوم في النميمة يتطرق خلالها إلى 467 موضوعا، وكشفت ذات الدراسة  أنه عندما سمع الأشخاص عن سلوك شخص معاد للمجتمع أو تعرض لظلم، زادت معدلات ضربات قلبهم، وعندما تمكنوا من إثارة النميمة حول ذلك الشخص شعروا بالهدوء وانخفض معدل ضربات قلبهم.

اليوم تعج مواقع التواصل باخبار تخص المشاهير وصناع الراي بل تتغلغل في صميم البيت الليبي تفشي اسرارا وتسخر من نسيج اعتاده الجميع وتتطاول على موروث ساء ام حسن باتت النميمة اشبه بمرض تتعايش معه المجتمعات وتبني  تطلعاته على تفاصيلها ولانها مجتمعات لا تجيد شيىا سوى الكلام و القاء نفايات  مكدسة داخل ادمغتها  في عرض الطريق للمارة هنا وهناك لاشغل شاغل ولاعمل مجدي يصنع فارقا تيقنت كم  هي مجتمعات خاوية مجتمعات يحق تسميتها بمجتمعات الفراغ  واكتشفت بان هناك عوالم اخرى في ركن بعيد من هذه الارض تعمل اكثر مما تتكلم وتنجز واقعا تصنعه الارادة اليقضة والعقول المنهمكة بالعطاء لا بالك والعجن والقيل والقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى