كثيرًا ما تخرج علاقات العمل الباردة عند سواد النَّاس عن إطارها الرسمي بمرور الوقت عليها، فتتحوَّل إلى علاقات شخصية دافئة في شكل صداقات، أو غيرها، وشأن الكُتَّاب في بناء علاقاتهم الإنسانية شأن غيرهم من أصحاب المهن الأخرى، ولا يصح لأحدٍ أنَّ ينكر عليهم صداقاتهم تلك التي نمتْ داخل محيط عملهم إن اكتفوا بتبادل ما يتبادله الأصدقاء علنًا من تهانٍ، ومعايدات وإلقاء التحايا على العام، والحفاظ على ما شاءوا من أمورهم الخاصة في مأمن عن القراء، أما أن يكتب أحد هؤلاء الكتَّاب مراجعة طويلة عريضة لعمل أحد زملائه الأصدقاء وينشرها على حساباته في منصات التواصل، أو في أحد المواقع الثقافية، أو المهتمة بالأدب وشؤونه، فذلك ما لا يُعد من أساسات الصداقة، ولا من أساسيات استمرارها .
ما ينشره بعض الكتَّاب اليوم من مراجعات لأعمال زملائهم أصدقائهم الأدبية لا يمكنه أخذ صفة الإنصاف أو الحياد طوعًا، ولا حتى انتزاعها قسرًا، لأن جُله يظهر مبالغة واضحة في المديح مع تغاضٍ متعمد عن الأغلاط والعيوب التي لا يمكن أن يسلم أي كاتب منها، كما لا يمكن إعطاءه أي قيمة من قبل القراء والمتابعين تعلو عن مجاملات أصدقاء لبعضهم، وربما كان من الأليق لو أن هذه المجاملات لم تُنشر على الوسائط العامة وبقيتْ ضمن مراسلاتهم الخاصة، فما يزعج القراء منها أنها جاءت على حساب الأدب لا خدمة له وفي سبيل توطيد صداقات لا يعنيهم وجودها من عدمه، وإنما ما يعنيهم من كل هذا أن كتابة المراجعات الأدبية أمر منوط بهم لا بالكتاب وهم أصحاب الرأي الأقوى والكلمة الفارقة في تقييم مواد أعدتْ أصالة لهم، فعندما يبحث أحدهم عن مراجعة لكتاب، أو رواية قبل اقتنائها فإنه يتطلع إلى قراءة رأيٍ كتبه قارئ مثله لا طوية له فيما كتب، على عكس الكاتب الذي إذا أعملنا العقل والمنطق في تعريف مراجعاتهم لما ظهر منها إلا صورة دائن أقرض مدينا، ليقضي الثاني للأول دينه بعد زمن ذرعه موعد إصدار عمل صاحبه، وإذا ما ترفقنا قليلاً، وأحسنا الظن بهما فلن نزيد عن اعتبارها مثلما اعتبرها القراء، مجرد مجاملات منمقة في معظمها غرضها محاولة رفع القيمة الأدبية لذلك العمل -إن استطاعت-، وإن لم يكن كذلك، فلن نخرج عن الاحتمال الثالث والأخير وهو اعتداء الكتاب على مهام النقاد مستغلين الفراغ الذي خلفه صمتهم أمام ضجيج مطابعٍ باتت تطبع أوراقها البيضاء بأي كلام لأي كان مقابل حفنة أوراقٍ خضراء.