محمد الرحومي.. من الفيسبوك إلى الميتافيرس
«مارك» هو الرجل الأكثر شهرةً في حياتنا المعاصرة .. رغم أنه لم يكن نجمًا فنيًا ولا كرويًا ولا قائدًا عسكريًا ولا حتى سياسياً.. لم يستثنَ أي بلد أو ديانة أو عرق إلا وكان «مارك» بشروطه وواقعه حاضرًا معهم في أغلب أوقاتهم حتي في مهنهم وأحاسيسهم ومشاعرهم..
فعلاً نحن نعيش حياة «مارك» بكل تفاصيلها ومجسماتها ومعانيها وشروطها وحتى قيمها الإنسانية.. نعيش الحريات المطلقة وبأطر «مارك» الافتراضية التي لا تهتم بالعنف والكآبة والاستبداد العقلي..
خطاب الكراهية هو الآخر له معايير خاصة عند «مارك» يحتكم بها من خلال شروط وقيم صاغها كيفما أراد .. بل حتى على مستوى المفردة واللفظ التي تتسبب أحيانًا في حظرك من عالمه ..
كلُ من في الأرض تقريبًا يسير في دروب عالم «مارك» الافتراضي بل يدافع عنه ويحمي خصوصيته أكثر من واقعه..
ولعل الحقيقة الأدهى هي أن «مارك» هو الرجل الوحيد تقريبًا الذي لا يعيش في عالمه الافتراضي الذي أسسه لنا .. بل يعيش في حياته الواقعية.. فهو يقضي نصف يومه في مزرعته والنصف الآخر موزع بين شؤون حياته الأسرية وهواياته .. هكذا قدَّم نفسه لنا في مشهد متلفز ..
أصبح «مارك» غنياً بـ(السوشيل ميديا)، وأصبح عددٌ كبيرٌ من البشر أغنياء بسبب عالمه .. وفتح عددٌ آخر آفاقًا يصعب بل يستحيل إغلاقها لارتباطها بواقع الحياة ماديًا ومعنويًا .. «مارك» لا يمتلك حتى الآن صفحة افتراضية بل يعتبرها وهماً يضر بحياته الواقعية..
لم يكتفِ «مارك» بسيطرته المطلقة علينا في عالمه الافتراضي دون تخصيص لأي مجتمع أو ديانة.. بل دعمه بعالم أكثر عمقًا وهو الميتافيرس ليصبح البشر أسرة واحدة تجمع المسلم والارتادوكسي وحتى البوذي وغيره تحت سقف واحد .. يجمعهم هدف واحد وهو القضاء على العدو المشترك في الواقع المعزَّز الذي تقاتل فيه هذه الأسرة المتنوعة عدوها الافتراضي الذي شكله «مارك» كيفما شاء ..
ولكن وسط هذا المشهد ثمة سؤال افتراضي أيضا .. ماذا فعل مارك ؟!
هل فعلا جمع كل الأرواح البشرية في عالمه وأعاد ضبط سلوكياتهم من جديد؟.. وهل تعي كل المجتمعات بتنوعها وإختلافها ماحدث لهم ؟.. وما سينتج عنه من احتمالات خارج نطاق العقل الآني
من «الفيسبوك» إلى «الميتافيرس» عوالم يعجز الفكر على تهدئتها وتأطيرها أو حتى السيطرة عليها كي نبقى أجسادًا تحكمها قوانين وأعراف واقعنا البشري.. ولعل الأدهى هو أننا جميعا لازلنا مصنفين أجسادا استهلاكية فقط في كل مجالات الحياة ومجرد مادة دسمة للخيال القادم والزاحف دون هوادة لكل ما هو موجود مقدس كان أم مهملاً… كما أننا لانعي شيئا على الاطلاق