على الطريق

مدينة مزدحمة

سميرة البوزيدي

في‭ ‬أحد‭ ‬الأيام،‭ ‬مررتُ‭ ‬بمدينة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كأي‭ ‬مدينة‭. ‬كانت،‭ ‬متعبة،‭ ‬نابضة‭ ‬بالحياة‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الزحام‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يبقيها‭ ‬حيّة‭. ‬لكن‭ ‬الغريب‭ ‬أنني،‭ ‬حين‭ ‬مررت‭ ‬بها،‭ ‬شعرت‭ ‬أنني‭ ‬أنا‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭. ‬

كنتُ‭ ‬أسير‭ ‬في‭ ‬شوارعها‭ ‬الضيقة،‭ ‬وكل‭ ‬زاوية‭ ‬منها‭ ‬كأنها‭ ‬لحظة‭ ‬تمرّ‭ ‬في‭ ‬حياتي‮…‬‭ ‬لحظات‭ ‬تشبه‭ ‬العابرين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتوقفون،‭ ‬يمضون‭ ‬سريعًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتركوا‭ ‬أثرًا‭. ‬داخلها،‭ ‬كما‭ ‬داخلي،‭ ‬ضجيج‭ ‬لا‭ ‬يهدأ،‭ ‬أضواء‭ ‬لا‭ ‬تنطفئ‭ ‬لكنها،‭ ‬للأسف،‭ ‬لا‭ ‬تنير‭ ‬الطريق‭. ‬

قلبي‮ ‬‭ ‬كالمقهى‭ ‬المفتوح‭ ‬دائمًا‮…‬‭ ‬لا‭ ‬يغلق‭ ‬أبوابه،‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬يفهمه‭. ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬المدينة‭ ‬حنين‭ ‬قديم،‭ ‬وفي‭ ‬أزقتها‭ ‬أحلام‭ ‬ضاعت‭ ‬وسط‭ ‬الزحام،‭. ‬

كنت‭ ‬أعيش‭ ‬زحمة‭ ‬شعور‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يتحرك‭ ‬بسرعة‭ ‬بداخلي،‭ ‬أفكاري‭ ‬تتقاطع‭ ‬كأنها‭ ‬إشارات‭ ‬مرور‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭. ‬مشاعري‭ ‬تمشي‭ ‬على‭ ‬الأرصفة،‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مخرج،‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬تهدأ‭ ‬فيه‭. ‬عقلي‭ ‬كالميدان‮ ‬‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة؛‭ ‬يدور‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬شيء‭: ‬الحب،‭ ‬الغضب،‭ ‬الخوف،‭ ‬الأمل‮…‬‭ ‬جميعهم‭ ‬يتحركون‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬لديّ‭ ‬وقت‭ ‬لالتقاط‭ ‬أنفاسي‭. ‬كل‭ ‬فكرة‭ ‬تمرّ‭ ‬داخلي‭ ‬كانت‭ ‬كسيارة‭ ‬إسعاف،‭ ‬تندفع‭ ‬وسط‭ ‬الزحام،‭ ‬تفتح‭ ‬طريقها‭ ‬بالقوة،‭ ‬ثم‭ ‬تختفي‭ ‬فجأة‭. ‬

كنتُ‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬بسيط‮…‬‭ ‬إلى‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭. ‬إلى‭ ‬شارع‭ ‬فارغ،‭ ‬أمشي‭ ‬فيه‭ ‬وحدي،‭ ‬أجلس‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬نفسي،‭ ‬بلا‭ ‬موعد،‭ ‬بلا‭ ‬استعجال‭. ‬

وفي‭ ‬نهاية،‭ ‬عندما‮ ‬‭ ‬دخلت‭ ‬تلك‭ ‬المدينة،‭ ‬أدركت‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬مدينة‮…‬‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أنا‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى