في أحد الأيام، مررتُ بمدينة لم تكن كأي مدينة. كانت، متعبة، نابضة بالحياة كما لو أن الزحام هو ما يبقيها حيّة. لكن الغريب أنني، حين مررت بها، شعرت أنني أنا تلك المدينة.
كنتُ أسير في شوارعها الضيقة، وكل زاوية منها كأنها لحظة تمرّ في حياتي… لحظات تشبه العابرين الذين لا يتوقفون، يمضون سريعًا دون أن يتركوا أثرًا. داخلها، كما داخلي، ضجيج لا يهدأ، أضواء لا تنطفئ لكنها، للأسف، لا تنير الطريق.
قلبي كالمقهى المفتوح دائمًا… لا يغلق أبوابه، ، لكنه في الحقيقة يبحث عن من يفهمه. في زوايا المدينة حنين قديم، وفي أزقتها أحلام ضاعت وسط الزحام،.
كنت أعيش زحمة شعور لا نهاية لها. كل شيء يتحرك بسرعة بداخلي، أفكاري تتقاطع كأنها إشارات مرور لا تعمل. مشاعري تمشي على الأرصفة، تبحث عن مخرج، عن مكان تهدأ فيه. عقلي كالميدان في وسط المدينة؛ يدور فيه كل شيء: الحب، الغضب، الخوف، الأمل… جميعهم يتحركون بلا توقف.
لم يكن لديّ وقت لالتقاط أنفاسي. كل فكرة تمرّ داخلي كانت كسيارة إسعاف، تندفع وسط الزحام، تفتح طريقها بالقوة، ثم تختفي فجأة.
كنتُ بحاجة إلى شيء بسيط… إلى ساعة من الهدوء. إلى شارع فارغ، أمشي فيه وحدي، أجلس فيه مع نفسي، بلا موعد، بلا استعجال.
وفي نهاية، عندما دخلت تلك المدينة، أدركت أنها لم تكن مجرد مدينة… بل كانت أنا.