إجتماعي

منحة الزواج بين المدح والذم

أحمد بن نعمة

أصدرتْ‭ ‬حكومة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬قرارًا‭ ‬يقضي‭ ‬بصرف‭ ‬منحة‭ ‬للمقدمين‭ ‬على‭ ‬الزواج،‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬الأمور‭ ‬صارت‭ ‬على‭  ‬أحسن‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬؛‭ ‬حيث‭ ‬صرفتْ‭ ‬القيمة‭ ‬للمجموعتين‭ ‬الأولى،‭ ‬والثانية،‭ ‬لكن‭ ‬لسبب‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إيقاف‭ ‬الصرف‭ ‬للمجموعة‭ ‬الثالثة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬الحصر‮»‬‭ .‬

الأمر‭ ‬الذي‭ ‬آثار‭ ‬زوبعةً‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬آثار‭ ‬غضب‭ ‬المستفدين‭ ‬من‭ ‬المنحة‭ ‬لتأخر‭ ‬صرفها‭ .‬

كما‭ ‬أن‭ ‬تأخر‭ ‬صرف‭ ‬المنحة‭ ‬المذكورة‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مشكلات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬عقدوا‭ ‬قرانهم‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬المنحة‭ ‬لاعانتهم‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬زواجهم‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ادى‭ ‬لنشوء‭ ‬مشكلات‭ ‬زوجية،‭ ‬واكتظت‭ ‬المحاكم‭ ‬بملفات‭ ‬دعاوى‭ ‬التطليق‭ ‬بسبب‭ ‬عجز‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬عن‭ ‬اكمال‭ ‬مراسم‭ ‬زواجه‭ ‬أو‭ ‬غرقه‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬الاستدانة‭ ‬من‭ ‬الغير‭ ‬وإلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬

مما‭ ‬حدى‭ ‬ببعض‭ ‬الخصوم‭ ‬السياسيين‭ ‬إلى‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منهم‭ ‬للاستفادة‭ ‬سياسيًا‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬وصف‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬بالغير‭ ‬أخلاقية‭ .. ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬باعتبار‭ ‬وحسب‭ ‬قولهم‭ ‬إنّ‭ ‬ذلك‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق،‭ ‬وغيره‭ ‬لأن‭ ‬الدافع‭ ‬الرئيس‭ ‬كان‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬المنحة‭ ‬لا‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬أسرة‭ …‬

ولأن‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬مردود‭ ‬عليه‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المطّلع‭ ‬على‭ ‬دوائر‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬سيلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭  ‬حيث‭ ‬إنّ‭ ‬ازدياد‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بمبادرة‭ ‬السيد‭ ‬رئيس‭ ‬الورزاء‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬تأخر‭ ‬صرف‭ ‬القيمة‭ ‬المالية‭  ‬بالنسبة‭ ‬للمجموعة‭ ‬الثالثة‭ ..‬ودليل‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬عند‭ ‬التزام‭ ‬الحكومة‭ ‬بصرف‭ ‬القيمة‭ ‬المقرّرة‭ ‬للمجموعتين‭ ‬الأولى،‭ ‬والثانية‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬لم‭ ‬نلحظ‭ ‬زيادة‭ ‬وقوع‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬إنما‭ ‬لاحظنا‭ ‬ذلك‭ ‬فعليًا‭ ‬بعد‭ ‬تأخر‭ ‬صرفه‭.‬ا‭ ‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬قرار‭ ‬السيد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بشأن‭ ‬اقرار‭ ‬هذه‭ ‬المنحة‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬محله‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ .. ‬أولها‭ ‬أنّ‭ ‬البلاد‭ ‬ومنذ‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬تمر‭ ‬بحالة‭ ‬احتراب‭ ‬متقطع‭ ‬وأزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬مما‭ ‬انعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬عامة‭ ‬الشعب‭ ‬الييبي،‭ ‬والشباب‭ ‬خاصة‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬الشاب‭ ‬لتوفير‭ ‬ما‭ ‬يلزمه‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬زواجه‭ ‬فوجد‭ ‬نفسه‭ ‬بين‭ ‬مطرقة‭ ‬البطالة‭ ‬وسندان‭ ‬التضخم‭.‬

عليه‭ ..‬‭ ‬فإن‭ ‬المبادرة‭ ‬المذكورة‭ ‬كانتْ‭ ‬في‭ ‬وقتها،‭ ‬وفي‭ ‬محلها‭ ‬وهي‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬لانقاذ‭ ‬الشباب،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬فان‭  ‬من‭ ‬شأن‭ ‬تيسير‭ ‬زواج‭ ‬الشباب‭ ‬وتوفير‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬لهم‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬أن‭ ‬ينعكس‭  ‬بشكل‭ ‬ايجابي‭ ‬على‭  ‬الوضع‭ ‬الأمني‭  ‬للبلاد‭ .. ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬مدعاة‭ ‬لهم‭ ‬للعزوف‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬السلاح‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬المسلحة‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الشاب‭ ‬اصبحتْ‭  ‬له‭ ‬أسرة‭ ‬جديدة‭ ‬وربما‭ ‬أطفال‭ ‬يخشى‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الضياع‭.‬

الرأي‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬احقية‭ ‬الشباب‭ ‬لمنحة‭ ‬الزواج‭ ‬

هناك‭ ‬مبدأ‭ ‬يحكم‭ ‬القضاء‭ ‬الإداري‭ ‬وهو‭ )‬تقيد‭ ‬حرية‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬الرجوع‭ ‬عن‭ ‬قرارها‭ ‬متى‭ ‬صدر‭ ‬سليمًا‭(.‬

وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬الإدارة‭ ‬‮«‬الحكومة‮»‬‭ ‬ملزمة‭ ‬بتنفيد‭ ‬قراراتها‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬ورتبت‭ ‬حقوق‭ ‬للغير‭ .‬

وإن‭ ‬التأخر‭ ‬في‭ ‬صرفها‭ ‬يعد‭ ‬اخلالاً‭ ‬بالتزمها‭ ‬ويلزمها‭ ‬بتعويض‭ ‬المتضررين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التأخير‭ ‬وفقًا‭ ‬لنص‭ ‬المادة‭ )‬166‭( ‬من‭ ‬القانون‭ ‬المدني‭ ..‬

في‭ ‬الواقع‭ ‬فإن‭ ‬الشباب‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬منحة‭ ‬الزواج‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تصرف‭ ‬لهم‭ ‬قيمة‭ ‬المنحة‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬قد‭ ‬توجهوا‭ ‬للقضاء‭ ‬واقاموا‭ ‬الدعاوى‭ ‬للمطالبة‭ ‬بحقوقهم‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬قيمة‭ ‬المنحة،‭ ‬وقيمة‭ ‬تعويضهم‭ ..‬

لذلك‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬قانوني،‭ ‬وأخلاقي‭ ‬بحث‭ ‬نتوجه‭ ‬للمسؤولين‭ ‬وصنَّاع‭ ‬القرار‭ ‬داخل‭ ‬حكومة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬بالتدخل‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬الاشكالية‭ ‬ومحاولة‭ ‬انقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬انقاذه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأخر‭ ‬صرف‭ ‬قيمة‭ ‬المنحة‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى