محطة
عازف البيانو أو الرياضي قبل لمس النوتات أو خوض السباق يضعان أنفسهما في المنطقة..بمعنى الانفصال عن المحيط..ونفس الشيء بالنسبة للقراءة..فقبل أن تقرأ شيئا تريد حقآ التركيز عليه..عليك فقط الدخول إلى المنطقة..إنه التفكير فيما ستقرأه وما تريد الحصول عليه..وصحيح إنه عندمآ تكون الفقرات قصيرة..يفهم الشخص بنفس القدر مما يقرأه على الشاشة أو القراءة المطبوعة..لكن بمجرد أن تصبح المقاطع أطول من 500 كلمة..فلا سبيل لهضم الموضوع إلا القراءة من الورق..فهي التي تبقيك داخل الإطار..
وعلى الرغم من الهجرة الهائلة إلى النصوص الإلكترونية..إلا أن الأبحاث تؤكد أن فهم النصوص المعلوماتية الطويلة يكون أقوى عند القراءة على الورق..وذلك بعد دراسة تتبع العين وقياس موجات الدماغ بدقة عالية..وبعد اعتبار المقاييس الرئيسية الثلاثة التي تم تقييمها وهي سهولة الفهم والإقناع ومدة نظر الأشخاص إلى المحتوى..
كما تظهر أبحاث علم الأعصاب أن المحتوى والإعلانات الورقية توفر مزايا خاصة في التواصل مع ادمغتنا..وتساعد القراء على فهم النص بشكل أفضل وتعزز التطور المعرفي والاحتفاظ بالذاكرة والتركيز وبناء المفردات..والأهم هو تطوير التفكير النقدي..
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية مؤخرا إن وزراء بريطانيين يدرسون حظر بيع الهواتف الذكية للأطفال دون سن 16 عاما..في ظل دعم شعبي متزايد لهذه الخطوة..حتى يلتفتوا أكثر للكتب المطبوعة..التي تساعدهم على الفهم وتكوين الآراء..
والمعلوم إنه عندما يقرأ الناس على الشاشة فإنهم يقرأون سريعا..حيث تقوم أعينهم بمسح الصفحات والكلمات بشكل أسرع مما لو كانوا يقرأون على قطعة من الورق..لكن عند القراءة السريعة قد لا نستوعب جميع الأفكار..لأننا نخرج من المجال..فالدراسات تشير إلى أن هذا التصفح السريع يمكن أن يصبح عادة مرتبطة بالقراءة على الشاشة..ويتطلب التمرير لأسفل الصفحة جهدا ذهنيا أكبر بكثير من قراءة صفحة لا تتحرك..وعلينا أيضا الإستمرار في مطاردة الكلمات أثناء تمريرها إلى أسفل الصفحة..مما يخرجنا من حيز التركيز ويقلل من التفاعل مع الكلمات الموجودة على الصفحة..ويلاحظ ذلك عند قراءة القرآن الكريم من المصحف أو الشاشة..وأخيرا تظل للكتابة المطبوعة والرقمية اهميتهما..لكنهما سيظلان مختلفين للأبد..