إجتماعي

من دفاتر المحاكم .. معنى الخصوصية الزوجية وطلاق الضرر..!!

المحامي‭ : ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬نعمة

إنّ‭ ‬المشكلات‭ ‬الأسرية‭ ‬أو‭ ‬الزوجية‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تعصف‭ ‬بالحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لانتهائها‭ ‬لا‭ ‬تحصر‭ ‬ولا‭ ‬تعد؛‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬امعن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬تلك‭ ‬المشكلات‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬ملفات‭ ‬التداعي‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬قد‭ ‬نجدها‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ .

‭..‬ولأن‭ ‬تلك‭ ‬المشاكل‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬طبيعتها،‭ ‬وأسبابها‭ ‬والرأي‭ ‬القانوني‭ ‬الذي‭ ‬يحكمها‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يقودنا‭ ‬لإفراد‭ ‬مقال‭ ‬يخص‭ ‬كل‭ ‬مشكلة‭ ‬على‭ ‬حدى‭.‬

تدخل‭ ‬الأهل

نبدأ‭ ‬هنا‭ ‬بالسبب‭ ‬الأول‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعًا،‭ ‬وهو‭ ‬تدخل‭ ‬أهل‭ ‬الزوجين‭ ‬في‭ ‬حياتيتهما،‭ ‬ونسرد‭ ‬هنا‭ ‬بعض‭ ‬الدعاوى‭ ‬التي‭ ‬فصلت‭ ‬فيها‭ ‬دوائر‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬بالمحاكم؛‭ ‬ففي‭ ‬الحالة‭ ‬الأولى‭..‬

اقامتْ‭ )‬ت‭.‬ف‭.‬ا‭(‬‭ ‬دعوى‭ ‬تطليق‭ ‬للضرّر‭ ‬ضد‭ ‬زوجها‭ )‬موكلنا‭( ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ادعته‭ ‬انعدام‭ ‬الخصوصية‭ ‬لحياتها‭ ‬الزوجية‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬زوجها‭ ‬يستشير‭ ‬أشقاءه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شاردة،‭ ‬وواردة‭ ‬تخص‭ ‬حياتهم؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬تكون‭ ‬متضرَّرة‭ ‬وتلجأ‭ ‬لطلب‭ ‬تطليقها‭ ‬منه‭ ‬للضرّر،‭ ‬والمحكمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نظرتْ‭ ‬الدعوى‭ ‬لم‭ ‬تلتفت‭ ‬لهذا‭ ‬السبَّب،‭ ‬وذلك‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ادعته‭ ‬الزوجة‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الأسرار‭ ‬الزوجية،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يلحق‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬ضرَّر‭ ‬معنوي‭ ‬أو‭ ‬مادي‭ ‬لأن‭ ‬حسب‭ ‬قولها‭ ‬في‭ ‬الجلسة‭ ‬السرية‭ ‬التي‭ ‬عقدتها‭ ‬المحكمة‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬الدعوى‭ ‬لمحاولة‭ ‬الإصلاح‭ ‬بينهما‭ ‬ذكرتْ‭ ‬أن‭ ‬زوجها‭ ‬يستشير‭ ‬والدته‭ ‬مثلاً‭ ‬بخصوص‭ ‬شراء‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬ويستشير‭ ‬شقيقه‭ ‬حول‭ ‬شراء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬الآلية‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالمحكمة‭ ‬لم‭ ‬تلتفت‭ ‬لهذا‭ ‬الادعاء‭ ‬باعتبار‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بحياة‭ ‬طرفي‭ ‬الدعوى‭ ‬الزوجية‭ ‬ولا‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬أسرارها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬الغير‭ ‬بها‭ .. ‬وبالتالي‭ ‬فالمحكمة‭ ‬قضتْ‭ ‬بتطليقها‭ ‬للضرر‭ ‬الواقع‭ ‬عليها‭ ‬ولكن‭ ‬لأسباب‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬‮«‬تدخل‭ ‬الأهل‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬دعوى‭ ‬أخرى‭ ‬مماثلة‭ ‬أقام‭ )‬م‭.‬ج‭.‬ا‭(‬‭ ‬دعوى‭ ‬رجوع‭ ‬لبيت‭ ‬الزوجية‭ ‬ضد‭ ‬زوجته‭ ‬طالبًا‭ ‬فيها‭ ‬رجوعها‭ ‬لبيت‭ ‬الزوجية،‭ ‬ودخولها‭ ‬في‭ ‬طاعته‭ ‬وأسس‭ ‬دعواه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السبَّب‭ ‬الرئيس‭ ‬لمغادرة‭ ‬زوجته‭ ‬المدعى‭ ‬عليها‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ ‬كان‭ ‬نتيجة‭ ‬تدخل‭ ‬شقيقاتها،‭ ‬وأهلها‭ ‬وتحريضها‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ .. ‬والمحكمة‭ ‬عقدتْ‭ ‬جلسة‭ ‬سرية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وانكرتْ‭ ‬الزوجة‭ ‬بدايةً‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬لأهلها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانكار‭ ‬لم‭ ‬يصمد‭ ‬أمام‭ ‬شهود‭ ‬الاثبات‭ ‬الذين‭ ‬أكدوا‭ ‬ذلك‭ ‬فقضتْ‭ ‬المحكمة‭ ‬بإلزامها‭ ‬بالرجوع‭ ‬لبيت‭ ‬الزوجية‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬طاعة‭ ‬زوجها‭.‬

وفي‭ ‬دعوى‭ ‬أخرى‭ ‬اقامت‭ ‬الاخت‭ )‬س‭ .‬م‭.‬ع‭(‬‭ ‬دعوى‭ ‬تطليق‭ ‬ضد‭ ‬زوجها‭ ‬طالبةً‭ ‬فيها‭ ‬تطليقها‭  ‬منه‭ ‬للضرر‭ ‬الواقع‭ ‬عليها‭ ‬منه؛‭ ‬وكان‭ ‬أساس‭ ‬دعواها‭ ‬أنّ‭ ‬أهل‭ ‬زوجها‭ ‬يتدخلون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كبيرة‭ ‬وصغيرة‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬الزوجية‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬زوجها‭ ‬يدخلون‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ ‬دون‭ ‬إذن‭ ‬في‭ ‬حضورها‭ ‬أو‭ ‬غيابها‭ ‬ولم‭ ‬تنفع‭ ‬مطالبتها‭ ‬لزوجها‭ ‬وأهله‭ ‬بالتوقف‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ..‬

وبعد‭ ‬عقد‭ ‬الجلسة‭ ‬السرية‭ ‬للطرفين‭ ‬وبعد‭ ‬سماع‭ ‬شهود‭ ‬الاثبات‭ ‬والنفي‭ ‬لطرفي‭ ‬الدعوى‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬المحكمة‭ ‬أحقية‭ ‬الزوجة‭ ‬في‭ ‬طلبها‭ ‬التطليق‭ ‬لثبوت‭ ‬الضرر‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تدعيه‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الخصوصية‭ ‬وانتهاكها‭ ‬ودخول‭ ‬منزلها‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬واستمرارها‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬فيه‭ ‬أضرار‭ ‬بها‭ ‬فقضت‭ ‬لها‭ ‬بالتطليق‭ ‬للضرر‭ .‬

من‭ ‬هنا‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الزوجين‭ ‬يعد‭ ‬اضراراً‭ ‬أو‭ ‬يعتد‭ ‬به‭ ‬قانونًا؛‭ ‬فطبيعة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬واعتباره‭ ‬انتهاكًا‭ ‬للخصوصية‭ ‬أو‭ ‬تدخل‭ ‬فيه‭ ‬مضرة‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬صلاحيات‭ ‬محكمة‭ ‬الموضوع‭ ‬تقدره‭ ‬وفقًا‭ ‬لمعطيات‭ ‬وواقع‭ ‬كل‭ ‬دعوى‭ ‬على‭ ‬حدى‭.‬

الرأي‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬هذدا‭ ‬الشأن‭ ‬نصت‭ ‬المادة‭ ‬17‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬10لسنة‭ ‬1984‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الزوجة‭ ‬اتجاه‭ ‬زوجها‭ ‬وجاء‭ ‬فيإحدى‭ ‬فقراته‭)‬عدم‭ ‬الحاق‭ ‬الضرر‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوى‭ ‬بها‭(‬‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ ‬18‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬ذاته‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬واجبات‭ ‬الزوجة‭ ‬اتجاه‭ ‬زوجها‭ ‬وعدم‭ ‬الحاق‭ ‬الضرر‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوى‭ ‬به‭.‬

وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬السماح‭ ‬للغير‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية‭ ‬واطلاعهم‭ ‬على‭ ‬ادق‭ ‬التفصايل‭ ‬قد‭ ‬يلحق‭ ‬الأذى‭ ‬المعنوي،‭ ‬وربما‭ ‬المادي‭ ‬بأحد‭ ‬الزوجين‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬معه‭ ‬قيام‭ ‬الاساس‭ ‬القانوني‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالتفريق‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬ندعو‭ ‬لمن‭ ‬يتصور‭ ‬وقوع‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتمهل‭ ‬قبل‭ ‬اللجوء‭ ‬للقضاء‭ ‬وأن‭ ‬يمنح‭ ‬للطرف‭ ‬الاخر‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لينتهي‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر؛‭ ‬وأن‭ ‬يتأكد‭ ‬أصلاً‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬متأكدًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬مذمومًا،‭ ‬وفيه‭ ‬مضرة‭ ‬له،‭ ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬الاهل‭ ‬له‭ ‬غايات‭ ‬سيئة،‭ ‬أو‭ ‬أهداف‭ ‬دنيئة،‭ ‬وتذكر‭ ‬إن‭ ‬الطلاق‭ ‬ابغض‭ ‬الحلال،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مشروعًا،‭ ‬وإن‭ ‬الآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬عليه‭ ‬غايةٌ‭ ‬في‭ ‬السوء‭ ‬ِ‭.. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى