حظيتُ بعلاقة أعتز بها جدًا مع الكاتب والأديب خليفة حسين مصطفى قبل وفاته.. كان الكاتبُ والأديبُ خليفة حسين جزءًا كبيرًا من طموحي .. وحلمي خاصة عندما كنتُ رئيسًاً للقسم الثقافي بصحيفة «الجماهيرية» كنتُ ألامس أعماله الأدبية كما لو كنتُ أحد رموزها .. أتسكع في شوارع عالمه الطرابلسي، واتعايش مع لحظات الوصف التي استحوذتْ عليّ شخصي .. أحببتُ السردَ من خلال أعماله الروائية .. لم أشعر عندما قدمتُ نفسي له كصحفي يهتم بالشأن الأدبي بأنَّني أمام قامة تحتاج لجسور من التواصل معه.. صافحني وكأنني صديقه المعتاد .. ابتسمَ لتحيتي ابتسامةً لا يعي ثقلها ومعانيها إلا من عايش كتابات هذا المتربع على عرش الرواية الليبية.. ولعل الشىء الذي لا يعلمه الكثيرون هو أنه ورغم مهابة النتاج الأدبي للكاتب خليفة حسين مصطفى إلا أنّ الساحةَ الأدبية الليبية لم تكن وفية لذلك النتاج، ولم تمنحه تلك المكانة المرموقة التي حظي بها غيره من النكرات أصحاب الأعمال الهشة التي تنتهي بمجرد طباعتها ونشرها .. كان يقولُ ليَّ دائمًا مع تلك الابتسامة المختزلة لهمومه وآلامه ..)هذي بلاد عجيبة غريبة( ويرددها بقهقهة وحسرة..إننا فعلاً نتعايش بعد تجربة اقتربتْ تدريجيًا من قرن كامل مع ضحكة وآلام رائد من رواد الأدب عاش بيننا ورحل وهو في أشد الحزن والخذلان .. أثبتنا بأننا فعلاً أقل مستوى من هذه البقعة الجغرافية الممتلئة بالكنوز شعبًا ونخبًا إلا ما رحم الله..
هذا الوطن المأسور تحت وطأة الفساد وأيادي المفسدين حكامًا ومسؤولين وقادة فارغة عقولهم وممتلئة أحشاؤهم بما لذ وطاب لهم من شجر الزقوم..
لقد غاب الكاتب والأديب الذي قرأ كف ليبيا حاضرًا ومستقبلاً ورسم بخياله المشهد الحقيقي المخفي في قصور الضيافة والأزقة والساحات المشوهة بالواقع.
رحم الله الكاتب الكبير خليفة حسين مصطفى، وأعان اللهُ الوطنَ على هؤلاء المتعاقبة أحقادهم وفسادهم على بقايا الشعب المأسور عنَّوة والمنفي في معتقل الهموم .. ولعل آخرها هي هذه الميزانية الضخمة التي تنتظر تهميشة عقول فارغة .
كونو بخير