عمرو الكوني
فرنسا تعيشُ ليلةً تشعُ بالأنوارِ التي تبهرُ الأبصار وتسحر أعين السواح ونعش الحمار يشق تلك المدينة العظيمة يجول في شوارعها متجهاً نحو الميناء دون علم الجميع – سبحان الله – أين السلطات الفرنسية؟، وأين الأمن؟، ألم تكن من الدول العظمى والمتقدمة علمياً وأمنياً وهذا النعش لا يعلمه إلا الواحد القهار وفي طرف من أطراف تلك المدينة ذلك الميناء الذي تقرّر من خلاله شحن نعش الحمار .
أما قرية )القنافيد( الليبية القابعة وسط جبل نفوسة تعيش في ظلمة تخرج أضواء هافتة من مجموعة دواميس تحت الأرض ومن مساكن متناثرة ريفية بسيطة ينقطع عنها الضوء مرة، أو مرتين في اليوم .
وذلك الحمار الذي بلغ من العمر ربيعين كاملين وبعد أن تربى في حجر أمه وترعرع بين أغصان الشيح ونعومة التين يعيش حراً طليقاً دون عمل جيئة وذهابا بين شوارع القنافيد ومزابلها وشعابها وهو ينتظر نعشه الذي شُحن من ميناء فرنسا ولم تستيقظ السلطات الفرنسية بوجوده في حمولة الباخرة التي ستحمله مع بقية الشحنة إلى ليبيا، الباخرة جاهزة بدأتْ جميع السلطات الإدارية والقانونية والأمنية الجمركية في حملة التفتيش وتفحص الإجراءات الجمركية رغم التشدد في هذا العمل إلا أن لم يتم الانتباه إلى وجود نعش في هذه الحمولة تم الختم والتصديق على صحة الإجراءات وعدم وجود أي ممنوعات على ظهر هذه الباخرة فانطلقتْ في الصباح الباكر تجوب أمواج البحر قاصدةً ميناء طرابلس ليبيا.
رستْ الباخرة بما عليها من حمولة ونعش الحمار استعدت السلطات الليبية الأمنية والجمركية لاستلام هذه الشحنة وبدأ التفتيش الأمني والجمركي ولم ينتبه الجميع إلى وجود ذلك النعش، استلمتْ شركة بيجو للسيارات جميع الشحنة بما في ذلك نعش الحمار وهي لا تعلم شيئاً عن وجود ذلك النعش .. أما منصور فقد جمع مبلغاً مالياً لا بأس به وذلك لشراء ذلك النعش الذي وضع فوق سيارة بيجو وسمع بوصول تلك الشحنة فرح فرحاً شديداً لحصوله على سيارة بيجو وفعلاً استكمل جميع إجراءاته واستلم السيارة بما في ذلك النعش ورجع بها إلى قريته وبدأ يروح جيئة وذهاباً في تلك القرى الجبلية وشعابها إلى أن جاء موعد تسليم ذلك النعش للحمار لكي ينام فيه نومته الأخيرة
جاء منصور بسيارته التي تحمل ذلك النعش في طريق إلى منزله ماراً بقرية )القنافيد( حتى أن التقى منصور والحمار في ظلمة الليل في قارعة الطريق فاصطدم به مسببًا كسر الزجاج ومصباح السيارة فاستوقف السيارة ونزل ليرى ذلك الحمار ماذا حدث له فلم يجده ووجد دماء الحمار وموقع الحادث والحمار لا يوجد، بحث عنه كثيراً ولم يجده حاول تشغيل السيارة فاشتغلت وانطلق يقودها بحذر وعينا منصور تختلجان يمنة ويسرة ويرى الظلال على جنبات الطريق كلها أشباح الحمار المجهول إلى أن وصل إلى المنزل واجتمع حوله جميع الأسرة والأقارب يهنونه بالسلامة من ذلك الحادث الغريب.
خرج جميع الموجودين بالمنزل إلى تلك السيارة ورأوا الحادث وما حدث للسيارة من آثار الاصطدام منهم من يقول هذا جان ومنهم من يقول شبح ومنهم من يقول الحمار لم يمت وابتعد هارباً ومنهم من قال الحمار موجود في مكان الحادث إلا أن منصور لم يتأكد وأخيراً قرر الجميع الذهاب إلى مكان الحادث وعند وصولهم لمكان الحادث بدأوا في البحث عن الحمار بحذر وهم يذكرون اسم الله من حين لأخر ظناً منهم أن هذا الحمار هو عبارة عن شبح وليس حقيقة وبعد أن تأكدوا من عدم وجود الحمار في مكان الحادث رجع الجميع إلى السيارة لرؤية آثار الحادث التي حدثت للسيارة وهل توجد دماء أو لا لأن الجن لا تحدث دماء وهم يذكرون اسم الله من حين لأخر ويلتفون حول السيارة حتى انتبه أحد الأشخاص وصاح أمام الجميع الحمار موجود هنا فأصاب الجميع الفزع من وجود الحمار وأين هو إذاً هذا جني وشبح وليس حمار وتشجع البعض وسأل عن مكان وجود الحمار فأجاب الذي رآه أنه هنا نائم في نعشه أي في حوض السيارة نومه الأخير ، أصيب الجميع بالدهشة والغرابة لاختيار الحمار لنعشه وأُخذ من نعشه هذا إلى مثواه الأخير ودفن في مدافن الحمير فعجباً لهذا الحمار الذي اختار نعشه ، وفرنسا وليبيا لا تعلمان شيئاً عنه ولا يعلمه إلا الله .