رأي

نعم لأقسى النقد وألف لا للصمت

أمين مازن

أقرأ‭ ‬في‭ ‬ارتياح‭ ‬لا‭ ‬أستنكف‭ ‬البوح‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬بعض‭ ‬سالكي‭ ‬الدرب‭ ‬الثقافي‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬أُسهم‭ ‬به‭ ‬صحفيا‭ ‬أو‭ ‬إلكترونيا‭ ‬ما‭ ‬يأخذونه‭ ‬من‭ ‬غموض‭ ‬المقصود،‭ ‬إذ‭ ‬لولا‭ ‬القراءة‭ ‬الجادة‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬الفهم،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬للانطباع‭ ‬المختلف‭ ‬أن‭ ‬يُعلَن،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬هذا‭ ‬المختلف‭ ‬قد‭ ‬ظهر‭ ‬فإن‭ ‬الإيجابي‭ ‬فيه‭ ‬يزيد‭ ‬قدرا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عداه،‭ ‬فليس‭ ‬للصمت‭ ‬أشد‭ ‬قتلا‭ ‬للأثر،‭ ‬وذلك‭ ‬مذ‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬القدامى‭ ‬وهو‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬سأله‭ ‬مستنكرا‭ ‬بقوله‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تقول‭ ‬ما‭ ‬يُفهَم؟‭, ‬فرد‭ ‬في‭ ‬عجب‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭!‬،‭ ‬فتبين‭ ‬أن‭ ‬التأثير‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بتعدد‭ ‬الآراء‭ ‬وأن‭ ‬الترجيح‭ ‬يستوجب‭ ‬الطرف‭ ‬الثالث،‭ ‬وبصدد‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬وضمن‭ ‬ما‭ ‬قرأت‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يمسني‭ ‬في‭ ‬الخصوص،‭ ‬أقول‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نفرق‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يصدر‭ ‬في‭ ‬تناوله‭ ‬عن‭ ‬ذات‭ ‬تتسع‭ ‬للآخرين‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬المشترك‭ ‬معهم‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الهدف‭ ‬حفظ‭ ‬التواصل‭ ‬البنّاء،‭ ‬فالحياة‭ ‬من‭ ‬الاتساع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ليستحيل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تضيق‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يظفر‭ ‬بمراده‭ ‬ومردود‭ ‬التواصل‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الأجدى‭ ‬وبالضرورة‭ ‬الأبقى،‭ ‬وحسبنا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬العقود‭ ‬الخمسة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بسبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حين‭ ‬عرف‭ ‬مجتمعنا‭ ‬مصطلح‭ ‬العهدين‭ ‬المباد‭ ‬والثوري،‭ ‬ليتسرّب‭ ‬الثالث‭ ‬القبلي‭ ‬والذي‭ ‬وجد‭ ‬فيه‭ ‬الكثيرون‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬حرصهم‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬تبعية‭ ‬الآخرين‭ ‬أحيانا‭ ‬واتقاء‭ ‬شرور‭ ‬المتسلطين‭ ‬أحيانا‭ ‬أخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬البترول‭ ‬عالميا‭ ‬وازدياد‭ ‬تدفقه‭ ‬محليا‭ ‬وما‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تنامي‭ ‬العوائد‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬استحالة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المتساكنين‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬العيش‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتساكنين‭ ‬من‭ ‬القلة‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬في‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬والزهد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تُلوِّح‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬بريق‭ ‬المواقع‭ ‬أضألُ‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬صار‭ ‬يعج‭ ‬به‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬غدت‭ ‬تستميل‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬بعكس‭ ‬ذلك‭ ‬تماما‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬مهرب‭ ‬من‭ ‬الاستعانة‭ ‬بغير‭ ‬الليبيين‭ ‬وما‭ ‬هم‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الجاهزية‭ ‬لتلبية‭ ‬أي‭ ‬طلب‭ ‬يُلوِّح‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لديه‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تسديد‭ ‬المقابل،‭ ‬والذي‭ ‬تعددت‭ ‬صنوفه‭ ‬وأمكنة‭ ‬استلامه‭.‬

إنها‭ ‬الوضعية‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬وعيا‭ ‬وفرضت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعبير‭ ‬لغة‭ ‬تعتمد‭ ‬التلميح‭ ‬بأكثر‭ ‬مما‭ ‬تنحى‭ ‬منحى‭ ‬التصريح‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬عدد‭ ‬المتنافسين‭ ‬على‭ ‬التأييد‭ ‬لما‭ ‬يُطبَّق‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬و‭ ‬يُرفع‭ ‬من‭ ‬شعارات‭ ‬فقوّى‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الرمز‭ ‬والإشادة‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدارسين،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬الذين‭ ‬يضيقون‭ ‬من‭ ‬غموض‭ ‬النص‭ ‬وحاجته‭ ‬للتأويل،‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يعجزون‭ ‬عن‭ ‬مجاراته‭ ‬أو‭ ‬يغارون‭ ‬من‭ ‬دلالته‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الفنون‭ ‬أدعى‭ ‬إلى‭ ‬نيل‭ ‬السلامة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬الفنون‭ ‬استهدافا‭  ‬والنابغين‭ ‬فيه‭ ‬أول‭ ‬الضحايا،‭ ‬فدفع‭ ‬البعض‭ ‬الثمن‭ ‬غاليا‭ ‬وفضّلَ‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬فضّلَ‭ ‬وقد‭ ‬تغيرت‭ ‬الظروف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وتبين‭ ‬أن‭ ‬المجال‭ ‬يتسع‭ ‬بل‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الجميع،‭ ‬وأكثر‭ ‬متخصصي‭ ‬الأمس‭ ‬أشدهم‭ ‬حاجة‭ ‬للاتفاف‭ ‬حول‭ ‬بعضهم‭ ‬اليوم‭. ‬وأعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أقرأ‭ ‬فأقول‭ ‬ليكن‭ ‬شعار‭ ‬أي‭ ‬منا‭ ‬دوما‭ ‬أنا‭ ‬غير‭ ‬أنت‭ ‬وأنت‭ ‬غير‭ ‬أنا،‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لي‭ ‬ولك،‭ ‬لأن‭ ‬الخيمة‭ ‬التي‭ ‬يُراد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتسع‭ ‬للكل‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بدون‭ ‬عمودين‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬قد‭ ‬يدفعه‭ ‬عقيم‭ ‬فهمه‭ ‬وسوء‭ ‬تقديره‭ ‬للاكتفاء‭ ‬بعمود‭ ‬واحد‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬بغير‭ ‬الخسارة‭ ‬المحققة،‭ ‬وعندئذ‭ ‬قد‭ ‬نقبل‭ ‬بحقيقة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬محبة‭ ‬دائمة‭ ‬ولا‭ ‬عداوة‭ ‬دائمة‭  ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الدنيا،‭ ‬وإنما‭ ‬فيها‭ ‬فقط‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬فضحت‭ ‬أكثرنا،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سبب‭ ‬غموض‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬نُعبّر‭ ‬عنه‭ ‬وشيء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬شيء‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى