رأي

الشعرُ أبقى

■ أمين مازن

لن‭ ‬يجد‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬الزعيم‭ ‬الوطني‭ ‬الكبير‭ ‬سليمان‭ ‬باشا‭ ‬الباروني‭ ‬حق‭ ‬الصدارة‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬تؤهله‭ ‬حرفيًّا‭ ‬لدورة‭ ‬من‭ ‬دورات‭ ‬الشعر‭ ‬الجمعي‭ ‬بالقياس‭ ‬إلى‭ ‬مشاهير‭ ‬مجايليه‭ ‬الذين‭ ‬ولجوا‭ ‬باب‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نجد‭ ‬أضعافًا‭ ‬مضاعفة‭ ‬عند‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مدخل‭ ‬الجهاد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُجارى‭ ‬والصمود‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬المستحيل‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الكاريزما‮»‬،

كما‭ ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬العالمي،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬الفارس‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬جميع‭ ‬القبائل‭ ‬الليبية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قبلنا‭ ‬النظرية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬تقسيم‭ ‬ليبيا‭ ‬شعوبًا‭ ‬وقبائل،‭ ‬وارتفعنا‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬حدده‭ -‬لا‭ ‬عاش‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يرتق‭ ‬إلى‭ ‬مقاصده‭ ‬العظيمة‭ ‬في‭ ‬شَعره‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬الحروب‭ ‬الهائلات،‭ ‬وعليه‭ ‬أُمطِرت‭ ‬القنابل‭ ‬كالصواعق‭ ‬نازلات‭- ‬فيدرك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬أن‭ ‬طول‭ ‬شَعر‭ ‬الباروني‭ ‬بدءًا‭ ‬بِشَعرهِ‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بلحيته‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لتأثير‭ ‬مذهب‭ ‬فلسفي‭ ‬أو‭ ‬ديني،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬نذر‭ ‬الأبطال‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬الحلق‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬الزينة‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬خوض‭ ‬المعركة‭ ‬وكما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مختتم‭ ‬المقطع‭ ‬الشعري‭ ‬فيحل‭ ‬الحلق‭ ‬عندما‭ ‬تعبر‭ ‬الجيوش‭ ‬القناة،‭ ‬ويرى‭ ‬طرابلس‭ ‬العزيزة‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬ليبيا‭ ‬بالكامل‭ ‬وليست‭ ‬الحارة‭ ‬الصغيرة‭ ‬أو‭ ‬باب‭ ‬الحرية‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬الذين‭ ‬تأسرهم‭ ‬مواطن‭ ‬مولدهم‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬الضامن‭ ‬لوجودهم،‭ ‬لأن‭ ‬الباروني‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬وعشيرته‭ ‬وحتى‭ ‬مذهبه‭ ‬أيضًا،‭ ‬بدليل‭ ‬اختياره‭ ‬بومباي‭ ‬للعيش‭ ‬عندما‭ ‬أُجبِرَ‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬العيش‭ ‬تفرضه‭ ‬الظروف،‭ ‬والرزق‭ ‬كذلك‭ ‬يذهب‭ ‬إليه‭ ‬الإنسان‭ ‬وليس‭ ‬العكس،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الألفاظ‭ ‬عادة‭ ‬أقوى‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬وقد‭ ‬تمتد‭ ‬حتى‭ ‬تشمل‭ ‬النوايا،‭ ‬وهكذا‭ ‬رأينا‭ ‬الزعيم‭ ‬يُسخِّر‭ ‬طول‭ ‬الشَعر‭ ‬والتشبث‭ ‬به‭ ‬لما‭ ‬يريد‭ ‬الوطن‭ ‬وليس‭ ‬الحاكم،‭ ‬كما‭ ‬يلوح‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬برسالة‭ ‬الشعر‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬مناسبة‭ ‬اختيار‭ ‬الباروني‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬دورة‭ ‬الشعر‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬إعطاء‭ ‬ليبيا‭ ‬نصيبها‭ ‬في‭ ‬تكريم‭ ‬الأعلام،‭ ‬فلم‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬النبيلة‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬الاتصالات،‭ ‬حيث‭ ‬التنازع‭ ‬على‭ ‬الاختصاص‭ ‬وبالأحرى‭ ‬المخصصات،‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬المشاهد‭ ‬الذي‭ ‬تدفعه‭ ‬غريزة‭ ‬المتابعة‭ ‬لما‭ ‬يُبث‭ ‬من‭ ‬آن‭ ‬لآخر‭ ‬حول‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقفين‭ ‬والشعر‭ ‬والشعراء‭ ‬سوى‭ ‬هذا‭ ‬التناول‭ ‬الإخباري‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬روح،‭ ‬فيستشعر‭ ‬التوتر‭ ‬لولا‭ ‬البقية‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ملجأ‭ ‬لغيره‭ ‬كي‭ ‬تصغر‭ ‬الكوارث‭ ‬وتبتعد‭ ‬المُثبطات،

فنتذكر‭ ‬أننا‭ ‬بليبيا‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬للاستغراب،‭ ‬فقد‭ ‬استمرأنا‭ ‬السيء‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬والأسوأ‭ ‬في‭ ‬التنفيذ‭ ‬وبالذات‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالثقافة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬استخفافًا‭ ‬من‭ ‬الاستخفافات‭ ‬المحزنة‭ ‬كما‭ ‬يظهر‭ ‬جليًّا‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه،‭ ‬وقد‭ ‬يسوغ‭ ‬لي‭ ‬هنا‭ ‬التذكير‭ ‬بما‭ ‬دونت‭ ‬في‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬شهادة‮»‬‭ ‬عندما‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬الأشقاء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الرمز‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬الحظر‭ ‬الذي‭ ‬مورس‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬المُنتج‭ ‬محليًّا‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬تلك‭ ‬الأيام،‭ ‬إن‭ ‬بدا‭ ‬ما‭ ‬يذكر‭ ‬بوجود‭ ‬الشبه‭ ‬بين‭ ‬الليلة‭ ‬والبارحة‭ ‬رغم‭ ‬استحالة‭ ‬ذلك‭ ‬تاريخيًّا،‭ ‬فالآتي‭ ‬دائمًا‭ ‬أجمل‭ ‬والشعر‭ ‬أبقى‭ ‬وأجدر‭ ‬باكتساب‭ ‬الحيز‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الشواهد‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬آثار‭ ‬المُحتفى‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬التنظر‭ ‬الذي‭ ‬يستخرجه‭ ‬من‭ ‬يحسن‭ ‬استثمار‭ ‬المناسبة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬الضجة‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬اعتقدت‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬أن‭ ‬تستفيد‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الاصطفافات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تفيد‭ ‬المصالح‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬في‭ ‬مدونة‭ ‬النصوص‭ ‬ما‭ ‬يساوي‭ ‬ثمن‭ ‬المداد‭ ‬الذي‭ ‬أُنفق‭ ‬أو‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬أهدِرَت‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬أنفِقَت،‭ ‬وكلما‭ ‬توفرت‭ ‬مبررات‭ ‬أوجه‭ ‬الصرف‭ ‬حق‭ ‬لمن‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬النفط‭ ‬ألا‭ ‬ييأسوا‭ ‬من‭ ‬عوائده‭.‬

بوابة‭ ‬الوسط‭ ‬7‭_‬4‭_‬2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى