رأي

يا زنينها وين نبغت

معمر الزايدي

يبدو‭ ‬أن‭ ‬ملامح‭ ‬الشخصية‭ ‬الليبية‭ ‬الجديدة‭ ‬إن‭ ‬جازتْ‭ ‬التسمية‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تتضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السلوك‭ ‬العام،‭ ‬ونمط‭ ‬التفكير،‭ ‬والحياة‭ ‬التي‭ ‬أخذتْ‭ ‬أيضًا‭ ‬شكلها،‭ ‬ومساحتها،‭ ‬وألقت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬تنوعاته؛‭ ‬فلكي‭ ‬تبدو‭ ‬للآخرين‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬ترغبه‭ ‬عليكَ‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬يتبدى‭ ‬لكَ‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تفي‭ ‬بالغرض‭ ‬والتحلي‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬بلوغ‭ ‬الهدف‭ ‬لتتجلى‭ ‬الصورة،‭ ‬وتنجلي‭ ‬للآخرين‭ ‬بالشكل‭ ‬المرغوب‭ ‬والذي‭ ‬يشي‭ ‬بمن‭ ‬هو‭ ‬أنت‭ .‬

فالتخلي‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المتصوفة‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التجلي،‭ ‬وفيه‭ ‬يكون‭ ‬الإشراق‭ ‬بمعنى‭ ‬الميلاد‭ ‬الجديد‭ ‬بعد‭ ‬معاناة،‭ ‬ومجاهدة‭ .‬

ولعلنا‭ ‬نرى‭ ‬واضحًا‭ ‬حجم‭ ‬التخلي‭ ‬الذي‭ ‬استحوذ‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬الكثيرين‭ ‬إنما‭ ‬بترجمة‭ ‬خاصة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬المفهوم‭ ‬العام‭ ‬لمسلك‭ ‬التخلي،‭ ‬ومسلك‭ ‬التجلي‭ .‬

فكرة‭ ‬التخلي‭ ‬وأجدني‭ ‬هنا‭ ‬مضطراً‭ ‬للمرور‭ ‬عليها‭ ‬كإتفاق‭ ‬ضمنى‭ ‬على‭ ‬سياق‭ ‬القول‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬صفة‭ ‬ذميمة‭ ‬وغير‭ ‬أخلاقية‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬المرء،‭ ‬أو‭ ‬تمثل‭ ‬سلوكا‭ ‬أخلاقيا‭ ‬مرفوضا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الصحي‭ ‬كـ‭)‬الكذب‭ ‬والخيانة‭ ‬والحسد‭( ‬وووغيرها‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬الشيطنة،‭ ‬وهي‭ ‬عكس‭ ‬الصورة‭ ‬الحلم‭ ‬المتخيلة‭ ‬في‭ ‬تحلي‭ ‬إشراقي‭ ‬جميل‭ ‬ونبيل‭. ‬

ونفهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الأخلاق‭ ‬العامة‭ ‬هي‭ ‬محور‭ ‬الفكر‭ ‬الطموح‭ ‬إلى‭ ‬النبل‭ ‬والتميز‮ ‬‭ .‬

غير‭ ‬أننا‭ ‬وبنظرة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬منا‭ ‬لعميق‭ ‬فحص‭ ‬ولا‭ ‬تدقيق‭ ‬وإعمال‭ ‬فكر‭ ‬لمجتمعنا‭ ‬الليبي‭ ‬نرى‭ -‬تغيرًا‭ ‬جليًا‭- ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬وتخلٍ‭ ‬فاحش‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬المنظومة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لنا‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬تعرّفْنا،‭ ‬وتشير‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬لهويتنا‭ ‬العامة‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭ ‬جملةً‭ ‬وتفصيلاً‭ .‬

قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مقبولاً‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬لكنه‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬إيجاب‭ ‬وسلب‭ . ‬

لقد‭ ‬شكل‭ ‬التراث‭ ‬بشقيه‭ ‬المادي،‭ ‬والمعنوي‭ ‬جذرًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬لهويتنا‭. ‬لكنَّنا‭ ‬وتحت‭ -‬مبرَّر‭- ‬التقدم‭ ‬والتحديث‭ ‬تخلينا‭ ‬عن‭ ‬المادي‭ ‬منه‭ ‬كـ‭)‬الزَّي‭ ‬الوطني،‭ ‬والجرد‭(‬والأدوات‭ ‬مقابل‭ ‬الموضة‭ ‬وبحجة‭ ‬الحداثة‭ ‬والتطوير‭ ‬وصرنا‭ ‬لا‭ ‬نلبس‭ ‬زينا‭ ‬الوطني‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬والمناسبات‭ ‬بأنواعها‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬التفاخر‭ ‬بجودتها‭ ‬وخامة‭ ‬الصناعة‭ . ‬تخلينا‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمباديء‭ ‬الأخلاقية‭ ‬مقابل‭ ‬مسايرة‭ ‬الواقع‭ ‬وتحت‭ ‬مبرَّرات،‭ ‬واهية‭ ‬ومسميات‭ ‬عجيبة‭ ‬تشير‭ ‬لاضطرابنا‭ ‬الفكري‭ ‬وإزدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬ونطمئن‭ ‬بها‭ ‬أنفسنا‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬فالرشوة‭ ‬صار‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬دفع‭ ‬تحت‭ ‬الحساب‮»‬‭. ‬

الواسطة‭ ‬‮«‬مساعدة‮»‬‭ ‬

المحسوبية‭ ‬‮«‬الأقربون‭ ‬وعلاقتهم‭ ‬بالمعروف‮»‬

الكذب‭ ‬‮«‬شطارة‮»‬‭ ‬

السرقة‭ ‬‮«‬استرداد‭ ‬حق‭ ‬مغصوب‮»‬‭ ‬

النفاق‭ ‬‮«‬سياسة‮»‬‭ ‬

قلة‭ ‬القيمة‭ ‬والإحترام‮ ‬‭ ‬‮«‬دبلوماسية‮»‬‭ ‬

الصفاقة‭ ‬‮«‬كاريزما‮»‬‭ ‬

الخيانة‭ ‬‮«‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مختلفة‮»‬‭ ‬

المفاهيم‭ ‬تغيرت،‭ ‬والقيم‭ ‬تغيرت‭ ‬والمعاني‭ ‬تغيرت‭ ‬والنَّاس‭ ‬تغيرت‭ ‬وهذا‭ ‬طبيعي‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬نحو‭ ‬الافضل،‭ ‬وليس‭ ‬تغيرًا‭ ‬عبثيًا‭ ‬لا‭ ‬يقود‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخسارة،‭ ‬والفساد‭ ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬يقود‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬التغير‭ ‬الارتجالي‭ ‬المنتج‭ ‬لبؤرة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬دائرية‭ ‬لا‭ ‬نعي‭ ‬أولها‭ ‬من‭ ‬آخرها‭ ‬‭.‬

‭)‬ويازنينها‭ ‬وين‭ ‬نبغت‭( .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى