يبدو أن ملامح الشخصية الليبية الجديدة إن جازتْ التسمية قد بدأت تتضح من خلال السلوك العام، ونمط التفكير، والحياة التي أخذتْ أيضًا شكلها، ومساحتها، وألقت بظلالها على المشهد العام على مختلف تنوعاته؛ فلكي تبدو للآخرين بالشكل الذي ترغبه عليكَ أن تتخلى عن بعض الأشياء التي يتبدى لكَ أنها لا تفي بالغرض والتحلي بكل ما من شأنه المساعدة في بلوغ الهدف لتتجلى الصورة، وتنجلي للآخرين بالشكل المرغوب والذي يشي بمن هو أنت .
فالتخلي كما يقول المتصوفة يؤدي إلى التجلي، وفيه يكون الإشراق بمعنى الميلاد الجديد بعد معاناة، ومجاهدة .
ولعلنا نرى واضحًا حجم التخلي الذي استحوذ على عقل الكثيرين إنما بترجمة خاصة تختلف عن المفهوم العام لمسلك التخلي، ومسلك التجلي .
فكرة التخلي وأجدني هنا مضطراً للمرور عليها كإتفاق ضمنى على سياق القول هي في معناها التخلي عن كل صفة ذميمة وغير أخلاقية تخطر على بال المرء، أو تمثل سلوكا أخلاقيا مرفوضا في المجتمع الصحي كـ)الكذب والخيانة والحسد( وووغيرها من بنات الشيطنة، وهي عكس الصورة الحلم المتخيلة في تحلي إشراقي جميل ونبيل.
ونفهم من هذا أن الأخلاق العامة هي محور الفكر الطموح إلى النبل والتميز .
غير أننا وبنظرة لا تحتاج منا لعميق فحص ولا تدقيق وإعمال فكر لمجتمعنا الليبي نرى -تغيرًا جليًا- في المفاهيم وتخلٍ فاحش عن قيم كانت في صلب المنظومة الأخلاقية والاجتماعية لنا حتى أنها كانت يومًا ما تعرّفْنا، وتشير بشكل خاص لهويتنا العامة قد تم التخلي عنها جملةً وتفصيلاً .
قد لا يكون مقبولاً ما أقوله لكنه الواقع الذي نعيشه بكل ما فيه من إيجاب وسلب .
لقد شكل التراث بشقيه المادي، والمعنوي جذرًا تاريخيًا لهويتنا. لكنَّنا وتحت -مبرَّر- التقدم والتحديث تخلينا عن المادي منه كـ)الزَّي الوطني، والجرد(والأدوات مقابل الموضة وبحجة الحداثة والتطوير وصرنا لا نلبس زينا الوطني إلا في الأعياد والمناسبات بأنواعها مع ملاحظة التفاخر بجودتها وخامة الصناعة . تخلينا عن الكثير من القيم والمباديء الأخلاقية مقابل مسايرة الواقع وتحت مبرَّرات، واهية ومسميات عجيبة تشير لاضطرابنا الفكري وإزدواجية المعايير ونطمئن بها أنفسنا لا غير فالرشوة صار اسمها «دفع تحت الحساب».
الواسطة «مساعدة»
المحسوبية «الأقربون وعلاقتهم بالمعروف»
الكذب «شطارة»
السرقة «استرداد حق مغصوب»
النفاق «سياسة»
قلة القيمة والإحترام «دبلوماسية»
الصفاقة «كاريزما»
الخيانة «وجهة نظر مختلفة»
المفاهيم تغيرت، والقيم تغيرت والمعاني تغيرت والنَّاس تغيرت وهذا طبيعي فيما لو كان نحو الافضل، وليس تغيرًا عبثيًا لا يقود إلا إلى المزيد من الخسارة، والفساد الذي بدوره يقود للمزيد من التغير الارتجالي المنتج لبؤرة الفساد في حركة دائرية لا نعي أولها من آخرها .
)ويازنينها وين نبغت( .