لما تجي لمنظومة الأمثال الشعبية في بلادنا تجدها كالسياج المحكم، تحوط المجتمع بشكل يجعله آمناً تحت السيطرة، ومنطلقًا ولو بشكل بطيء نسبيًا إلى الأمام، لكنه يتحرك فعلاً، ومستقر ومستجيب، يحس يعني يشعر وبالتالي هو مجتمع حي .. يتذوق الحياة بمختلف تجلياتها ويصنعها بمختلف أوجهها .
الفكر في ذلك الكم الهائل من الموروث الشعبي هو نقل الخبرات من جيل إلى جيل، وصنع تراكم معرفي تاريخي يجذر المجتمع ويوصله إلى عمق ما هو عمره في تاريخ الشعوب والحضارات أي يجعله متصلاً بنسبه التاريخي ومحتسباً بحسبه الحضاري والأخلاقي ليصنع من خلال كل ذلك الشخصية المجتمعية المرتجاة والتي نتطلع للظهور بها وسط تجمع الشعوب والعالم لنقول هذا نحن مدججون بثقافاتنا وتاريخنا وإرثنا المتنوع سواء الديني منه أو التاريخي أو المعرفي مجتمعًا في نمط يدل على هويتنا باختلاف موارده.
ولعنا نجد نبرة الموروث الشعبي مختلفة بين المثل والآخر وذلك برأيي جاء حسب ما تقتضيه الضرورة حتى كأنه يبدو للمتفحص كأن من صاغه شخص واحد عبر تاريخ من الاجيال وهو دليل على أن من صاغ كل هذه الحكم والأمثال هو الشخصية التاريخية الهوية المتنقلة في الهويات والمخزون الفكري التاريخي بل هو الأنا الجمعية عبر تاريخ بأسره يحرص عبر تراكمه على الحفاظ على كنهه ووجوده وإختلاف صيغته إنما جاءت بحسب الضرورة وليس مجرد كلام عابر تركله الريح .
فتارة نره النبرة التهكمية، وتارة أخرى نرها تفتخر وتارة مشجعة وزاجرة ووو، ولهذا قلت سابقًا كأن من صاغها شخص واحد يجيد اختيار المفردة والنبرة والإيحاه وبالتالي يلبس حالة والدليل، أو القائد والأب لنرى من خلال قوله مايتوجب علينا رؤيته وإدخاله في الحسبان .
معرفة التاريخ مفيدة للحاضر وكذلك تدخل في صناعة المستقبل إذا ما أخذ بعين الاعتبار وفق سياقه التاريخي وتم اسقاطه بشكل صحيح على الواقع .
هذي وجهة نظر جديرة بالنظر والفحص حتى نتوافق على حياة من شأنها بعث الحياة في مجتمعنا داخل منظومة معرفية، وأخلاقية معزَّزة بالعلم والهوية والفكر المستنير الذي يضيء لنا ما استحلك علينا ظلامه في عصر الفوضى والعبث وتداخل القيم والمفاهيم ..
وبرأي السائر على هواه دون ذاكرة ولا تاريخ هو سائر على غير هدى ويرجو ما لا يمكن وبتطلع إلى المستحيل .. كمن يحش لها وهي ميته .