رتوش

يحش لها وهي ميته

معمر الزايدي

لما‭ ‬تجي‭ ‬لمنظومة‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬تجدها‭ ‬كالسياج‭ ‬المحكم،‭ ‬تحوط‭ ‬المجتمع‭ ‬بشكل‭ ‬يجعله‭ ‬آمناً‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة،‭ ‬ومنطلقًا‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬بطيء‭ ‬نسبيًا‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬لكنه‭ ‬يتحرك‭ ‬فعلاً،‭ ‬ومستقر‭ ‬ومستجيب،‭ ‬يحس‭ ‬يعني‭ ‬يشعر‭ ‬وبالتالي‭ ‬هو‭ ‬مجتمع‭ ‬حي‭ .. ‬يتذوق‭ ‬الحياة‭ ‬بمختلف‭ ‬تجلياتها‭ ‬ويصنعها‭ ‬بمختلف‭ ‬أوجهها‭ . ‬

الفكر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬هو‭ ‬نقل‭ ‬الخبرات‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬جيل،‭ ‬وصنع‭ ‬تراكم‭ ‬معرفي‭ ‬تاريخي‭ ‬يجذر‭ ‬المجتمع‭ ‬ويوصله‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عمره‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب‭ ‬والحضارات‭ ‬أي‭ ‬يجعله‭ ‬متصلاً‭ ‬بنسبه‭ ‬التاريخي‭ ‬ومحتسباً‭ ‬بحسبه‭ ‬الحضاري‭ ‬والأخلاقي‭ ‬ليصنع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الشخصية‭ ‬المجتمعية‭ ‬المرتجاة‭ ‬والتي‭ ‬نتطلع‭ ‬للظهور‭ ‬بها‭ ‬وسط‭ ‬تجمع‭ ‬الشعوب‭ ‬والعالم‭ ‬لنقول‭ ‬هذا‭ ‬نحن‭ ‬مدججون‭ ‬بثقافاتنا‭ ‬وتاريخنا‭ ‬وإرثنا‭ ‬المتنوع‭ ‬سواء‭ ‬الديني‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬التاريخي‭ ‬أو‭ ‬المعرفي‭ ‬مجتمعًا‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬هويتنا‭ ‬باختلاف‭ ‬موارده‭.‬

ولعنا‭ ‬نجد‭ ‬نبرة‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬مختلفة‭ ‬بين‭ ‬المثل‭ ‬والآخر‭ ‬وذلك‭ ‬برأيي‭ ‬جاء‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬الضرورة‭ ‬حتى‭ ‬كأنه‭ ‬يبدو‭ ‬للمتفحص‭ ‬كأن‭ ‬من‭ ‬صاغه‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬الاجيال‭ ‬وهو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬صاغ‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحكم‭ ‬والأمثال‭ ‬هو‭ ‬الشخصية‭ ‬التاريخية‭ ‬الهوية‭ ‬المتنقلة‭ ‬في‭ ‬الهويات‭ ‬والمخزون‭ ‬الفكري‭ ‬التاريخي‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الأنا‭ ‬الجمعية‭ ‬عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬بأسره‭ ‬يحرص‭ ‬عبر‭ ‬تراكمه‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬كنهه‭ ‬ووجوده‭ ‬وإختلاف‭ ‬صيغته‭ ‬إنما‭ ‬جاءت‭ ‬بحسب‭ ‬الضرورة‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭ ‬عابر‭ ‬تركله‭ ‬الريح‭ . ‬

فتارة‭ ‬نره‭ ‬النبرة‭ ‬التهكمية،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬نرها‭ ‬تفتخر‭ ‬وتارة‭ ‬مشجعة‭ ‬وزاجرة‭ ‬ووو،‭ ‬ولهذا‭ ‬قلت‭ ‬سابقًا‭ ‬كأن‭ ‬من‭ ‬صاغها‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬يجيد‭ ‬اختيار‭ ‬المفردة‭ ‬والنبرة‭ ‬والإيحاه‭ ‬وبالتالي‭ ‬يلبس‭ ‬حالة‭ ‬والدليل،‭ ‬أو‭ ‬القائد‭ ‬والأب‭ ‬لنرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوله‭ ‬مايتوجب‭ ‬علينا‭ ‬رؤيته‭ ‬وإدخاله‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ .‬

معرفة‭ ‬التاريخ‭ ‬مفيدة‭ ‬للحاضر‭ ‬وكذلك‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬المستقبل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬وفق‭ ‬سياقه‭ ‬التاريخي‭ ‬وتم‭ ‬اسقاطه‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ .‬

هذي‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬جديرة‭ ‬بالنظر‭ ‬والفحص‭ ‬حتى‭ ‬نتوافق‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬بعث‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬داخل‭ ‬منظومة‭ ‬معرفية،‭ ‬وأخلاقية‭ ‬معزَّزة‭ ‬بالعلم‭ ‬والهوية‭ ‬والفكر‭ ‬المستنير‭ ‬الذي‭ ‬يضيء‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬استحلك‭ ‬علينا‭ ‬ظلامه‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الفوضى‭ ‬والعبث‭ ‬وتداخل‭ ‬القيم‭ ‬والمفاهيم‭ ..‬

وبرأي‭ ‬السائر‭ ‬على‭ ‬هواه‭ ‬دون‭ ‬ذاكرة‭ ‬ولا‭ ‬تاريخ‭ ‬هو‭ ‬سائر‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭ ‬ويرجو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وبتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المستحيل‭ .. ‬كمن‭ ‬يحش‭ ‬لها‭ ‬وهي‭ ‬ميته‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى