قراءة في أهمية اللغة العربية في مجال القانون
بقلم د. عبد الله البيباص
يُطالعنا المشهد بأن كثيراً من القانونيين تعوزهم المقدرة اللغوية لملامسة الواقع بالواقع; ويعوزهم تذوق المعاني وتطويعها للوصول إلى الغاية التي يتحقَّق بها غرض المشرع; فأحيانا يتعاملون مع الاستثناء ويجعلونه أصلاً نتيجة لعدم إدراكهم بأن الاستثناء لا يجب التوسع فيه أو القياس عليه والقاعدة الشهيرة في الفضاء القانوني العالمي إنما يرد على سبيل الحصر لا يجوز القياس عليه وبالتالي إن الملكة الاستقرائية في فهم النص يجب على المؤسسة القانونية غرسها في نفوس القائمين على المشورة القانونية وهذا لا يتأتى إلا باللغة واستنطاق مكامن النصوص وفهم التدرج في النص من حيث الإلمام بالأحكام في مواطن المنع والتشديد والحظر والاستثناء, ولما كان المنع لا يقوم إلا بنص وقد طالعنا المشهد بالكثير من المُغالطات والتأويلات المقلقة, فمثلاً المادة (29) من القانون رقم 116 لسنة 72 بشأن التطوير العمراني, جاء في صدر المادة يجوز إرجاع العقارات المنزوعة الملكية للمنفعة العامة بعد فوات ثلاث سنوات, فاختلفوا في لفظ يجوز, بعضهم ذهب إلى أن لفظ يجوز هو على سبيل الخيار والبعض الآخر يرى أنه على سبيل الإلزام.
وفي واقع الأمر وحقيقته أنه يجوز هنا على سبيل الإلزام ويعني بالإلزام في هذا المقام هو استجابة جهة الإدارة بالإرجاع ذلك إن أحكام القانون عينه مردها إلى أحكام المادة (814) من القانون المدني الليبي والتي تنص على أنه لا يجوز لأحد أن يُحرم من مُلكه إلا في حدود مقتضيات القانون وباستقراء نصوص ذات القانون 116 نجد أنه إذا مضت ثلاث سنوات, ولم يتم توظيف العقار المنزوع الملكية يجوز رده بناء على طلب المالك حتى ولو سُجل باسم الدولة أو أخذ تعويض شريطة إرجاع التعويض وفقاً للآلية التي يحددها وزير الإسكان, ذلك إن نزع الملكية هو امتياز أعطي للدولة ولكنه مُحاط بقيودات, فالدولة لا تستطيع ممارسة هذه السلطة وفقاً لأهوائها بل اشترط المشرع تحقيق الصالح العام, وبالتالي نظراً لخطورة النزع وما ينجم عنه من حرمان المالك فإن المشرع وضع ضوابط صارمة وهو ما يعرف بأحكام النظام العام, وإن النزع في حد ذاته لو أصلناه تأصيلاً صحيحاً فإنه خروج عن الأصل لأن الأصل هو عدم المساس بالملكية الفردية المُقدسة وبالتالي فإن التسطح في الفهم يجعل من القائمين على المشورة القانونية يفسرون حسب الأهواء وهذا أمرٌ لا يتغياه المشرع وبالتالي يتعين التركيز على اللغة العربية في كليات القانون أكثر من المنهج الحالي وكذلك تعريف المتلقي بأحكام الفقه لا سيما فقه الخلافيات وبالتالي نضمن كماً قانونياً بشرياً غواصاً وسباحاً وذواقاً وله القدرة على الاستقراء موهوباً وذي ملكة.
وقد أرستْ المحكمة العليا المبدأ 82(ذلك إن حق الإدارة العامة لنزع ملكية العقارات اللازمة لمشروعات المرافق والمنافع العامة ليس معناه أن تستعمله على هواها, لأن هذه السلطة التقديرية في نزع ملكية العقارات وإن كانت مطلقة من حيث موضوعها إلا أنها مقيدة من حيث غايتها, التي يلزم أن تقف عند حد عدم تجاوز هذه السلطة والتعسف في استعمالها) وبالتالي فإن جموع المستشارين يتعين عليهم الإلمام بمجموعة من الوسائط والتي كان الفقهاء يتبعونها في تحقيق الأحكام مثل المطلق والمقيد والعام والخاص والترجيح والقياس والفهم الصحيح للقواعد العامة لا سيما التي تتعلق بأحكام النظام العام والتفنن في إجراء المقارنات وتسبيب الآراء والوصول إلى فهم المقاصد التي يتغياها المشرع وهكذا يندرج في ركاب هذا مراكز الاختصاص والمراكز القانونية وإزالة الإبهام واللبس.
نقترح عقد جلسات تشاورية بين المستشارين للإثراء وخلق جيل واعد.
نأمل من الله التوفيق