حروب وكورونا وتداعياتهما على الاقتصاد العالمي!!!
بعد الأزمة الصحية والاقتصادية الطاحنة التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، يبدو الاقتصاد العالمي وكأنه خارجٌ من واحدة من أشدّ حالات الركود ليبدأ مرحلة تعافٍ ضعيف وبات بذلك الاقتصاد العالمي يعاني مع استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد، خسائر مالية فادحة اثرت سلباً على الكثير من الدول والحكومات، حيث اكدت العديد من التقارير أن جائحة كورونا ألحقت ضررا كبيرا بالمؤسسات العالمية الكبرى وكانت سبباً في افلاس العديد من والشركات والمصانع المهمة، خصوصاً مع تراجع اسعار النفط في الاسواق العالمية وتكرار سيناريو الإغلاق العام مع وجود أحتمالات بتفشي موجة أخرى للفيروس قد تكون أشد خطورة في العديد من الدول..
فالاقتصاد العالمي يواجه تحديات متعددة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات ارتفاع اسعار الطاقة والغذاء عالميا. تزامنا مع جائحة كورونا واستمرار القيود الصحية في عدد غير قليل من الاقتصادات الكبرى، وما يسفر عنه ذلك من نقص في القوى العاملة وانقطاع في سلاسل التوريد (التجهيز)، ساهمت، الى جانب قوة الطلب وارتفاع اسعار الطاقة، في رفع الضغوط التضخمية. ويمكن أن تتفاقم مقيدات العرض مع سياسات الصين الصارمة في مواجهة سلالات فايروس كورونا
وتقف السياسات الاقتصادية عند منعطف حرج في معظم بلدان العالم، فعلى مستوى السياسات النقدية تواجه البنوك المركزية خيارات صعبة في معايرة السياسات المناسبة لدعم التعاف الاقتصادي عبر السياسات النقدية التيسيرية، او التراجع عن الدعم الاستثنائي الذي تقدمه السلطات النقدية لصالح مكافحة الضغوط التضخمية من خلال رفع اسعار الفائدة للحيلولة دون رسوخ الضغوط التضخمية في الاقتصادات الوطنية وقد بدأت بالفعل عدة بنوك مركزية برفع سعر الفائدة تحسبا لضغوط الاسعار. ويتطلب تشديد السياسات النقدية تكيُف الاقتصادات الوطنية مع اسعار فائدة مرتفعة، خصوصا بالنسبة للبلدان التي تعتمد على الديون الخارجية في تمويل الاقتصاد والاسواق، وهنا تنشأ معضلة اخرى (معضلة كلف الديون). لذلك، لا تقل الخيارات صعوبة على مستوى السياسات المالية، فعلى الرغم من نجاح ادوات الحقيبة المالية في انعاش النشاط الاقتصادي وعكس اتجاه الدورة الاقتصادية عبر ضخ الاموال الحكومية في مختلف شرايين الاقتصاد لتعويض الركود الاقتصادي الذي خلفه الاغلاق الكبير للاقتصاد العالمي مطلع عام 2020، الا ان ارتفاع الانفاق الحكومي ولد عجوزات مالية كبيرة وضاعف من معدلات الدين العام لمستويات تاريخية، اقترنت بمعدلات الفائدة منخفضة ساهمت في خفض تكلفة خدمة الدين. كما أاشار د. حيدر حسين آل طعمة.
اما الآن ونتيجة ارتفاع معدلات التضخم وتشديد السياسات النقدية عبر رفع اسعار الفائدة فان الاستمرار في سياسة التمويل بالعجز مخاطرة تهدد النمو والاستقرار الاقتصادي. وجاءت الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتضيف صدمات متعددة تضر بالنمو والاستقرار الاقتصادي الهش. فالأسعار المتزايدة منذ شهور بفعل تداعيات جائحة كورونا وتدهور سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن والمواد الاولية، تفاقمت من جديد بعد انطلاق العمليات العسكرية وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا. ويتوقع ان تزداد الاوضاع الاقتصادية سوءا اذا ما استمرت الحرب والعقوبات على قطاع الطاقة الروسي نتيجة عدة عوامل اهمها ارتفاع معدلات التضخم العالمي نتيجة ارتفاع اسعار السلع والطاقة.
كما ان تراجع حركة التجارة وتدهور سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن وضعف الطلب، اذا ما استمرت الاسعار بالارتفاع، يزيد من مخاطر انكماش الاقتصاد العالمي من جديد. خصوصا مع ضعف مناخ الاعمال وارتفاع التوقعات التشاؤمية للمستثمرين ورجال الاعمال مما قد يولد ايضا حركة عكسية صوب تصفية الأصول المالية وهروب رؤوس الاموال وتراجع الاسواق المالية الدولية، وما لذلك من مخاطر متنوعة على الاقتصاد العالمي المنهك من تداعيات الجائحة.
ولهذا يبقى السؤال الملح وهو متى ستنتهي الأزمة الاقتصادية العالمية التي خلّفها وباء كورونا؟
ولهذا يري الكاتب عبد الامير رويح سيحتاج الاقتصاد العالمي الى سنوات طويلة كي يتعافى من هذه الازمة، كما ان تزايد معدل الإصابات العالمية سيسهم في تراكم الديون على البنوك المركزية والحكومات في وقت تتزايد فيه مطالب التمويل وحزم الإنقاذ التي باتت تثقل البنوك. وفي هذا الشأن قال معهد التمويل الدولي في تقرير إن من المتوقع أن يقفز الدين العالمي إلى مستوى قياسي مرتفع سيبلغ 277 تريليون دولار بنهاية السنة مع مواصلة الحكومات والشركات الإنفاق بسخاء في مواجهة جائحة كوفيد-19.
وقال المعهد، الذي يضم في عضويته أكثر من 400 بنك ومؤسسة مالية في أنحاء العالم، إن الدين تضخم بالفعل 15 تريليون دولار هذا العام إلى 272 تريليون دولار حتى نهاية سبتمبر أيلول. وساهمت الحكومات – لاسيما من الأسواق المتقدمة بما يقرب من نصف الزيادة. قفز إجمالي دين الأسواق المتقدمة إلى 432 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من السنة، مقارنة مع حوالي 380 بالمئة في نهاية 2019. وبلغت نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي في الأسواق الناشئة نحو 250 بالمئة في الربع الثالث، وسجلت الصين 335 بالمئة، ومن المتوقع أن تبلغ النسبة العالمية حوالي 365 بالمئة للعام بأكمله.
وقال معهد التمويل في تقريره «ثمة ضبابية كثيفة تحيط بالطريقة التي يمكن للاقتصاد العالمي أن يسدد بها الديون في المستقبل دونما تداعيات وخيمة على النشاط الاقتصادي
وعلى صعيد الدول النامية، شهد لبنان والصين وماليزيا وتركيا أكبر الزيادات في نسب دين القطاع غير المالي منذ بداية العام. وأدى تراجع إيرادات حكومات دول الأسواق الناشئة إلى «صعوبات أشد» في سداد الدين حتى في ظل تدني تكاليف الاقتراض إلى مستويات قياسية منخفضة في أنحاء العالم.
في السياق ذاته قالت الأمم المتحدة إن الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي هوى 49 بالمئة في النصف الأول من 2020 مقارنة مع نفس الفترة قبل عام ويتجه صوب الانخفاض بما يصل إلى 40 بالمئة في العام. وقال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في تقرير إن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات الأوروبية تحولت إلى السلب للمرة الأولى على الإطلاق، لتنخفض إلى سالب سبعة مليارات دولار من 202 مليار دولار، بينما تراجعت التدفقات إلى الولايات المتحدة 61 بالمئة إلى 51 مليار دولار.
وقالت غيتا غوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في تدوينة إنه «من المرجح أن يكون الخروج من هذه الكارثة طويلاً وغير منتظم وغير مؤكد بدرجة كبيرة». كما أضافت غوبيناث أنه من المتوقع أن يبقى الناتج في الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة، باستثناء الصين، دون مستويات العام 2019 في العام المقبل. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي إلى حوالي 3.5 بين عامي 2022 و2025، ما سيترك ناتج معظم الاقتصادات دون المستويات التي كانت متوقعة قبل الوباء. بحسب CNN.
وحذر صندوق النقد الدولي من أن النمو البطيء خلال هذه الفترة الممتدة سيكون له توابع كبيرة، من بينها تفاقم عدم المساواة و «نكسة شديدة» لتحسين مستويات المعيشة، في كل من الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والأسواق الناشئة مثل المكسيك والأرجنتين. كما من المتوقع أيضاً أن يرتفع معدل الفقر العالمي المدقع لأول مرة منذ أكثر من عقدين. وتفترض توقعات صندوق النقد الدولي أن التباعد الاجتماعي سيستمر في العام المقبل قبل أن يتلاشى بمرور الوقت بينما يحصل الناس على اللقاحات وعلاجات لفيروس كورونا. الى جانب ذلك حث صندوق النقد الدولي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تسريع الإصلاحات وجهود تنويع الاقتصاد في وقت تواجه المنطقة الغنية بموارد الطاقة تحديات غير مسبوقة بسبب فيروس كورونا المستجد وانخفاض أسعار النفط.
وأضاف «نتوقع أن يتأثر النمو والبطالة هذا العام، ويمكن أن تؤدي هذه الأزمة بشكل عام إلى انخفاض النمو بنسبة 5 في المئة وكذلك ارتفاع معدل البطالة بنسبة 5 في المئة». وشهدت المنطقة في السنوات الاخيرة سلسلة من الصراعات الدموية في العديد من بلدانها، بما في ذلك سوريا واليمن والعراق وليبيا، دمرت اقتصاداتها وزادت معدلات الفقر فيها على نطاق واسع. وتسببت النزاعات بارتفاع معدلات البطالة، التي تبلغ حاليا بين الشباب 26,6 بالمئة وفقا لبيانات البنك الدولي.
وإنّ تداعيات الفيروس قد تتسبب في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ووسط آسيا «في إحداث ضرر اقتصادي أعمق وأكثر استمرارية من أي مرحلة ركود سابقة نظرا لطبيعة الازمة غير المسبوقة». وتوقّع أن تعود الحركة الاقتصادية في هذه المنطقة إلى طبيعتها «بعد عقد فقط»، مضيفا أن مصدّري النفط قد يعانون من عجز أجمالي في ميزانياتهم بنحو 224 مليار دولار هذا العام. وقال «ستتحمل بعض البلدان تبعات هذا العجز المرتفع لنحو عاما».
فهل صحيح أن تأثيرات الحرب الحالية على الاقتصاد العالمي قد تفوق خسائر وباء كورونا؟
الكثير يعتقد أن جائحة كورونا ستستمر تداعياتها على الاقتصادات لنحو سنتين إلى 3 سنوات، في حين أن الصراع الأوكراني-الروسي لديه القدرة على تغيير العالم لسنوات عديدة أخرى، حيث إنه من المحتمل أن يكون تأثير الغزو الروسي مضاعفا لتداعيات كورونا. جوانب من جائحة كورونا غيرت طريقة عملنا هيكليا؛ على سبيل المثال، أرباب العمل أصبحوا أكثر استعدادًا لتنفيذ مخططات العمل من المنزل ولعبت دورا سلبيا كبيرا في اقتصاداتنا، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيحدث تغييرًا أكثر جذرية في الطريقة التي نواجه بها المستقبل، وأعتقد أنه من المحتمل أن يؤدي إلى تغيير طويل الأمد ولكن يجب أن نعلم أننا نواجه موقفا صعبا للغاية، فتداعيات كل من كورونا والغزو الروسي حلقتان متداخلتان في نفس الوقت وتتغذيان من بعضهما البعض، ما يعني أنه سيكون من الصعب للغاية فك الارتباط بينهما.
وفي ظل هذه المعطيات، هل أصبح العالم يسير صوب عصر جديد ستكون له تداعيات اقتصادية وسياسية وجيوسياسية كبيرة؟ بدروه يقول «أندرياس فيرشينغ»، أستاذ التاريخ في جامعة ميونيخ، «يمكن التفكير في هذين الأمرين معا: جائحة كورنا عام 2020 والآن هذه الحرب العدوانية في عام 2022، فيتولد لدينا شعور بأن شيئا ما يتغير بشكل جذري». ويضيف «أما فيما يتعلق برؤية العوامل المختلفة معا، فلن يتضح ذلك اليوم وإنما في مقبل الأيام».