تقاريرعربي ودولي

حروب‭ ‬وكورونا‭ ‬وتداعياتهما‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭!!!‬

 

بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الطاحنة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬فيها‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ (‬كوفيد‭-‬19‭)‬،‭ ‬يبدو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وكأنه‭ ‬خارجٌ‭ ‬من‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أشدّ‭ ‬حالات‭ ‬الركود‭ ‬ليبدأ‭ ‬مرحلة‭ ‬تعافٍ‭ ‬ضعيف‭ ‬وبات‭ ‬بذلك‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬يعاني‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬خسائر‭ ‬مالية‭ ‬فادحة‭ ‬اثرت‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات،‭ ‬حيث‭ ‬اكدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬ألحقت‭ ‬ضررا‭ ‬كبيرا‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭ ‬وكانت‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬افلاس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬والشركات‭ ‬والمصانع‭ ‬المهمة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬اسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الاسواق‭ ‬العالمية‭ ‬وتكرار‭ ‬سيناريو‭ ‬الإغلاق‭ ‬العام‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬أحتمالات‭ ‬بتفشي‭ ‬موجة‭ ‬أخرى‭ ‬للفيروس‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أشد‭ ‬خطورة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭..‬

فالاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬متعددة‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وتداعيات‭ ‬ارتفاع‭ ‬اسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬والغذاء‭ ‬عالميا‭. ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬واستمرار‭ ‬القيود‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى،‭ ‬وما‭ ‬يسفر‭ ‬عنه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬وانقطاع‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ (‬التجهيز‭)‬،‭ ‬ساهمت،‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬قوة‭ ‬الطلب‭ ‬وارتفاع‭ ‬اسعار‭ ‬الطاقة،‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الضغوط‭ ‬التضخمية‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تتفاقم‭ ‬مقيدات‭ ‬العرض‭ ‬مع‭ ‬سياسات‭ ‬الصين‭ ‬الصارمة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬سلالات‭ ‬فايروس‭ ‬كورونا‭ ‬
وتقف‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عند‭ ‬منعطف‭ ‬حرج‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬فعلى‭ ‬مستوى‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬تواجه‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬خيارات‭ ‬صعبة‭ ‬في‭ ‬معايرة‭ ‬السياسات‭ ‬المناسبة‭ ‬لدعم‭ ‬التعاف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عبر‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬التيسيرية،‭ ‬او‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬الاستثنائي‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬السلطات‭ ‬النقدية‭ ‬لصالح‭ ‬مكافحة‭ ‬الضغوط‭ ‬التضخمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفع‭ ‬اسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬رسوخ‭ ‬الضغوط‭ ‬التضخمية‭ ‬في‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الوطنية‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬عدة‭ ‬بنوك‭ ‬مركزية‭ ‬برفع‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬تحسبا‭ ‬لضغوط‭ ‬الاسعار‭. ‬ويتطلب‭ ‬تشديد‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬تكيُف‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الوطنية‭ ‬مع‭ ‬اسعار‭ ‬فائدة‭ ‬مرتفعة،‭ ‬خصوصا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبلدان‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاسواق،‭ ‬وهنا‭ ‬تنشأ‭ ‬معضلة‭ ‬اخرى‭ (‬معضلة‭ ‬كلف‭ ‬الديون‭). ‬لذلك،‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬الخيارات‭ ‬صعوبة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السياسات‭ ‬المالية،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬ادوات‭ ‬الحقيبة‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬انعاش‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وعكس‭ ‬اتجاه‭ ‬الدورة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عبر‭ ‬ضخ‭ ‬الاموال‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬شرايين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لتعويض‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬الاغلاق‭ ‬الكبير‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬ارتفاع‭ ‬الانفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬ولد‭ ‬عجوزات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬وضاعف‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬لمستويات‭ ‬تاريخية،‭ ‬اقترنت‭ ‬بمعدلات‭ ‬الفائدة‭ ‬منخفضة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬تكلفة‭ ‬خدمة‭ ‬الدين‭. ‬كما‭ ‬أاشار‭ ‬د‭. ‬حيدر‭ ‬حسين‭ ‬آل‭ ‬طعمة‭.‬
اما‭ ‬الآن‭ ‬ونتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬وتشديد‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬عبر‭ ‬رفع‭ ‬اسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬فان‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬التمويل‭ ‬بالعجز‭ ‬مخاطرة‭ ‬تهدد‭ ‬النمو‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭. ‬وجاءت‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬لتضيف‭ ‬صدمات‭ ‬متعددة‭ ‬تضر‭ ‬بالنمو‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الهش‭. ‬فالأسعار‭ ‬المتزايدة‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭ ‬بفعل‭ ‬تداعيات‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وتدهور‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الشحن‭ ‬والمواد‭ ‬الاولية،‭ ‬تفاقمت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬انطلاق‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬روسيا‭. ‬ويتوقع‭ ‬ان‭ ‬تزداد‭ ‬الاوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سوءا‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬الحرب‭ ‬والعقوبات‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬الروسي‭ ‬نتيجة‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬اهمها‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬العالمي‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬اسعار‭ ‬السلع‭ ‬والطاقة‭.‬
كما‭ ‬ان‭ ‬تراجع‭ ‬حركة‭ ‬التجارة‭ ‬وتدهور‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الشحن‭ ‬وضعف‭ ‬الطلب،‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬الاسعار‭ ‬بالارتفاع،‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬انكماش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬ضعف‭ ‬مناخ‭ ‬الاعمال‭ ‬وارتفاع‭ ‬التوقعات‭ ‬التشاؤمية‭ ‬للمستثمرين‭ ‬ورجال‭ ‬الاعمال‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يولد‭ ‬ايضا‭ ‬حركة‭ ‬عكسية‭ ‬صوب‭ ‬تصفية‭ ‬الأصول‭ ‬المالية‭ ‬وهروب‭ ‬رؤوس‭ ‬الاموال‭ ‬وتراجع‭ ‬الاسواق‭ ‬المالية‭ ‬الدولية،‭ ‬وما‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬متنوعة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬المنهك‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الجائحة‭.‬
ولهذا‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الملح‭ ‬وهو‭ ‬متى‭ ‬ستنتهي‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬خلّفها‭ ‬وباء‭ ‬كورونا؟
ولهذا‭ ‬يري‭ ‬الكاتب‭ ‬عبد‭ ‬الامير‭ ‬رويح‭ ‬سيحتاج‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬الى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬كي‭ ‬يتعافى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الازمة،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬تزايد‭ ‬معدل‭ ‬الإصابات‭ ‬العالمية‭ ‬سيسهم‭ ‬في‭ ‬تراكم‭ ‬الديون‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬والحكومات‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتزايد‭ ‬فيه‭ ‬مطالب‭ ‬التمويل‭ ‬وحزم‭ ‬الإنقاذ‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تثقل‭ ‬البنوك‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬قال‭ ‬معهد‭ ‬التمويل‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يقفز‭ ‬الدين‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬قياسي‭ ‬مرتفع‭ ‬سيبلغ‭ ‬277‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬بنهاية‭ ‬السنة‭ ‬مع‭ ‬مواصلة‭ ‬الحكومات‭ ‬والشركات‭ ‬الإنفاق‭ ‬بسخاء‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭.‬
وقال‭ ‬المعهد،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬في‭ ‬عضويته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬بنك‭ ‬ومؤسسة‭ ‬مالية‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬إن‭ ‬الدين‭ ‬تضخم‭ ‬بالفعل‭ ‬15‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬272‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬سبتمبر‭ ‬أيلول‭. ‬وساهمت‭ ‬الحكومات‭ – ‬لاسيما‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬المتقدمة‭ ‬بما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الزيادة‭. ‬قفز‭ ‬إجمالي‭ ‬دين‭ ‬الأسواق‭ ‬المتقدمة‭ ‬إلى‭ ‬432‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬السنة،‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬حوالي‭ ‬380‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬2019‭. ‬وبلغت‭ ‬نسبة‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬الناتج‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الناشئة‭ ‬نحو‭ ‬250‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثالث،‭ ‬وسجلت‭ ‬الصين‭ ‬335‭ ‬بالمئة،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬النسبة‭ ‬العالمية‭ ‬حوالي‭ ‬365‭ ‬بالمئة‭ ‬للعام‭ ‬بأكمله‭.‬
وقال‭ ‬معهد‭ ‬التمويل‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬‮«‬ثمة‭ ‬ضبابية‭ ‬كثيفة‭ ‬تحيط‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬أن‭ ‬يسدد‭ ‬بها‭ ‬الديون‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬دونما‭ ‬تداعيات‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬
وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬شهد‭ ‬لبنان‭ ‬والصين‭ ‬وماليزيا‭ ‬وتركيا‭ ‬أكبر‭ ‬الزيادات‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬دين‭ ‬القطاع‭ ‬غير‭ ‬المالي‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العام‭. ‬وأدى‭ ‬تراجع‭ ‬إيرادات‭ ‬حكومات‭ ‬دول‭ ‬الأسواق‭ ‬الناشئة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬صعوبات‭ ‬أشد‮»‬‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬الدين‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تدني‭ ‬تكاليف‭ ‬الاقتراض‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬منخفضة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬
في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬قالت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إن‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬العالمي‭ ‬هوى‭ ‬49‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬2020‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬نفس‭ ‬الفترة‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬ويتجه‭ ‬صوب‭ ‬الانخفاض‭ ‬بما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬العام‭. ‬وقال‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية‭ (‬أونكتاد‭) ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬إن‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الأوروبية‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬السلب‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬لتنخفض‭ ‬إلى‭ ‬سالب‭ ‬سبعة‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬202‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬بينما‭ ‬تراجعت‭ ‬التدفقات‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬61‭ ‬بالمئة‭ ‬إلى‭ ‬51‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬
وقالت‭ ‬غيتا‭ ‬غوبيناث،‭ ‬كبيرة‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬تدوينة‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬طويلاً‭ ‬وغير‭ ‬منتظم‭ ‬وغير‭ ‬مؤكد‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أضافت‭ ‬غوبيناث‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬الناتج‭ ‬في‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المتقدمة‭ ‬والأسواق‭ ‬الناشئة،‭ ‬باستثناء‭ ‬الصين،‭ ‬دون‭ ‬مستويات‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتباطأ‭ ‬النمو‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬3‭.‬5‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2022‭ ‬و2025،‭ ‬ما‭ ‬سيترك‭ ‬ناتج‭ ‬معظم‭ ‬الاقتصادات‭ ‬دون‭ ‬المستويات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متوقعة‭ ‬قبل‭ ‬الوباء‭. ‬بحسب‭ ‬CNN‭.‬
وحذر‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬النمو‭ ‬البطيء‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬توابع‭ ‬كبيرة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تفاقم‭ ‬عدم‭ ‬المساواة‭ ‬و‭ ‬‮«‬نكسة‭ ‬شديدة‮»‬‭ ‬لتحسين‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المتقدمة‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والأسواق‭ ‬الناشئة‭ ‬مثل‭ ‬المكسيك‭ ‬والأرجنتين‭. ‬كما‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬معدل‭ ‬الفقر‭ ‬العالمي‭ ‬المدقع‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭. ‬وتفترض‭ ‬توقعات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬سيستمر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتلاشى‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬بينما‭ ‬يحصل‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬اللقاحات‭ ‬وعلاجات‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭. ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬حث‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬تسريع‭ ‬الإصلاحات‭ ‬وجهود‭ ‬تنويع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تواجه‭ ‬المنطقة‭ ‬الغنية‭ ‬بموارد‭ ‬الطاقة‭ ‬تحديات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬بسبب‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬وانخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭. ‬
وأضاف‭ ‬‮«‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتأثر‭ ‬النمو‭ ‬والبطالة‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬النمو‭ ‬بنسبة‭ ‬5‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬وكذلك‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬البطالة‭ ‬بنسبة‭ ‬5‭ ‬في‭ ‬المئة‮»‬‭. ‬وشهدت‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬الدموية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬بلدانها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا،‭ ‬دمرت‭ ‬اقتصاداتها‭ ‬وزادت‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭. ‬وتسببت‭ ‬النزاعات‭ ‬بارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة،‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬حاليا‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬26‭,‬6‭ ‬بالمئة‭ ‬وفقا‭ ‬لبيانات‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭.‬
وإنّ‭ ‬تداعيات‭ ‬الفيروس‭ ‬قد‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬وشمال‭ ‬افريقيا‭ ‬ووسط‭ ‬آسيا‭ ‬‮«‬في‭ ‬إحداث‭ ‬ضرر‭ ‬اقتصادي‭ ‬أعمق‭ ‬وأكثر‭ ‬استمرارية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مرحلة‭ ‬ركود‭ ‬سابقة‭ ‬نظرا‭ ‬لطبيعة‭ ‬الازمة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‮»‬‭. ‬وتوقّع‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬الحركة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬فقط‮»‬،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬مصدّري‭ ‬النفط‭ ‬قد‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬أجمالي‭ ‬في‭ ‬ميزانياتهم‭ ‬بنحو‭ ‬224‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬هذا‭ ‬العام‭. ‬وقال‭ ‬‮«‬ستتحمل‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬تبعات‭ ‬هذا‭ ‬العجز‭ ‬المرتفع‭ ‬لنحو‭ ‬عاما‮»‬‭.‬
فهل‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬تأثيرات‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬قد‭ ‬تفوق‭ ‬خسائر‭ ‬وباء‭ ‬كورونا؟
الكثير‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬ستستمر‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬الاقتصادات‭ ‬لنحو‭ ‬سنتين‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬الأوكراني‭-‬الروسي‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬العالم‭ ‬لسنوات‭ ‬عديدة‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تأثير‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬مضاعفا‭ ‬لتداعيات‭ ‬كورونا‭. ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬غيرت‭ ‬طريقة‭ ‬عملنا‭ ‬هيكليا؛‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭ ‬أصبحوا‭ ‬أكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مخططات‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬ولعبت‭ ‬دورا‭ ‬سلبيا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬اقتصاداتنا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬سيحدث‭ ‬تغييرًا‭ ‬أكثر‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬نواجه‭ ‬بها‭ ‬المستقبل،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬أننا‭ ‬نواجه‭ ‬موقفا‭ ‬صعبا‭ ‬للغاية،‭ ‬فتداعيات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كورونا‭ ‬والغزو‭ ‬الروسي‭ ‬حلقتان‭ ‬متداخلتان‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬وتتغذيان‭ ‬من‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬للغاية‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬بينهما‭.‬
وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات،‭ ‬هل‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬يسير‭ ‬صوب‭ ‬عصر‭ ‬جديد‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬وجيوسياسية‭ ‬كبيرة؟‭ ‬بدروه‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬أندرياس‭ ‬فيرشينغ‮»‬،‭ ‬أستاذ‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ميونيخ،‭ ‬‮«‬يمكن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬هذين‭ ‬الأمرين‭ ‬معا‭: ‬جائحة‭ ‬كورنا‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬والآن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬العدوانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬فيتولد‭ ‬لدينا‭ ‬شعور‭ ‬بأن‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭ ‬يتغير‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‮»‬‭. ‬ويضيف‭ ‬‮«‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬برؤية‭ ‬العوامل‭ ‬المختلفة‭ ‬معا،‭ ‬فلن‭ ‬يتضح‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬مقبل‭ ‬الأيام‮»‬‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى