حديثٌ عن الشعر والحرية والحياة
لقاء مع الشاعر مفتاح العلواني
أحكِ لنا في البداية عن علاقتك بالنص الشعري وإلى أي مدى يمكن القول بتمازج المكتوب مع المتخيل لديك ؟
علاقتي بالنص الشعري كعلاقتي بأي شيء يشعرني بإنسانيتي وقيمتي كإنسان يفتش عما يمكن أن يكون مهرباً مناسباً من الحزن والقلق والخوف .. أو طريقة لائقة للبوح بالحب والفرح.
الكتابة عندي.. والشعر خاصة.. وبشكل لا يمكن أن يكون مبالغة.. هو وسيلتي الفضلى لمواصلة الحديث عما لا يمكنني قوله بطريقة عادية .. إنه آلتي الحادة التي أجرح بها ذاكرتي المتخمة.. فيسيل منها ما يسيل قصائد تخفَّف عني.
وحيث إن الشعرَ حالة روحية .. فإن قصيدتي في الغالب هي انعكاسٌ لحالتي في الحقيقة.. ومحاولة لوصف حاضر أعيشه أو ماضٍ عشته أو مستقبل أرغب بعيشه.. مع تلقيم ذلك بخيال ومجاز يمنع النص من مباشرة قد تفسده.. حيث لا شيء يفسد الشعر مثل المباشرة عندي.
يقولون الحزنَ والحبَ والحربَ والحياةَ هي وقود الشاعر، نلاحظ هذه السمة الحزينة في نصكَ أنا لا أقول لماذا ولكن هل تجد نفسك منساقاً معها أكثر كونها تقترب من الذات ؟
وعن الحزنِ والحبِ والحربِ.. أقول إن هذه الثلاثية لا تفارقني.. إنها أكثر ما أتحدث عنه.. ربما لأنها أكثر مرافقة لقلبي من غيرها.. ولأنني أعيشها كل يوم .. فما الإنسان سوى حزن أو حب يرقق قلبه وروحه.. ويجعل قصيدته منساقة لوحدها صوب ما تخلفه الحربُ من مشاعر مختلطة بين أسى وحزن وحب وأمل وأحلام في أي يستحيل كل شيء أجمل .. رغم قساوة المشهد.
المشهدُ بكل تنوعه هل برأيكَ أن الشعرَ فيه يقدم شيئاً جديداً؟
لطالما قدم الشعر شيئاً جديداً على مر الأزمنة.. إذ كان مواكباً لكل الأحداث.. وموثقاً لها في كثير من الأحيان.. أو محاولاً البوح بها بطريقة لا تشبه أي كلام آخر.
الشعر الآن أعتقد وإن كان البعض منه كما العادة دخيلاً عليه معنوياً وليس شكلياً.. إلا أنه يمشي جنباً إلى جنب مع كل ما يحصل.. لذلك نرى الشعراءَ على اختلاف قصائدهم يحاولون دائماً الوقوف بالشعر مع القضايا.. مع الحقوق.. مع السلم.. مع السلام.. مع الحب.. مع هواجس الوطن ومآسيه ونحوه.. لا يمكن أبداً أن يتغاضى الشعر عما حوله وإن حاول.
هناك موجةٌ شعرية شابة نلاحظ نموها ومحاولة تكريس نصها لمن تقرأ؟
نعم.. هناك هبّة شعرية شبابية رائعة نحو الشعر.. تكاد تجزم منها أن الشعر صار بسببهم يأخذ منحى جمالياً آخر تماماً ومختلفاً عمن سبقه.. وليس نسخة منه.. يبتكرون صوراً جميلة وقصائد رقراقة وإن شابها الحزن أو الألم .. وفي خضم كل هذا فإن من بينهم من لا يمل المرء من القراءة لهم من كل الأقطار.. ومن الصعب حصرهم وعدهم.. على سبيل المثال:
محمد زياد الترك من الأردن.. جلال الأحمدي من اليمن.. وسام الموسوي من العراق.. رضا أحمد من مصر.. لطفي تياهي من تونس.. عصري مفارجة من فلسطين.. ومن ليبيا لدينا الكثيرون على سبيل المثال:
نعمة كركرة، ومحمد عبدالله وأكرم اليسير، وفيروز العوكلي، ومصطفى الطرابلسي وغيرهم من الذين لا يتسع المجال لذكرهم.
أيضا لمن لا تقرأ؛ وتتمنى ألا تقابلكَ كتاباته؟
أما الذين لا اقرأ لهم مطلقاً فهم كثرٌ.. ولكن لا يعني هذا أنهم ليسوا شعراء.. ففي نهاية الأمر الشعر أيضاً مسألة تعتمد على الذائقة.. فما لا يعجبني قد يعجب غيري أو العكس.. فلا يمكن الحكم على شعرية أحدهم من عدمها من ذائقة واحدة.. كذلك لا يستطيع المرء أحياناً البوح بمن لا يقرأ لهم.. لأن ذلك في آخر المطاف شأنهم.. ولا تعني عدم قراءتي لشعرهم أن أذكرهم اسماً.. ففي ذلك ما يمكن أن يجد أحدهم في صدره شيئاً تجاهي لأنني فعلتُ.
هل أنتَ راضٍ عن نصك؟
في رأيي أن من يساوره الرضى عن نصه فهو في الغالب ليس شاعراً.. لا أحد يحب شعره عادةً وإن رآه النَّاس جميلاً.. فالشاعر في حالة من التحدي لنفسه دائماً بأن يأتي بقصيدة أجمل من سابقتها.. وإلا فإنه عرضة للمراوحة في مكانه وعدم تطور قصيدته.
هل برأيك أن الأمسيات والندوات الشعرية أفادت الحركة الشعرية؟
في الحقيقة إن الأمسيات والندوات الشعرية حتى وإن لم تكن في ذاتها قد أضافت شيئاً.. إلا أنها في ظاهرها مهمة كثيراً.. ذلك أن إقامة الأمسيات الشعرية والندوات من شأنه تحسين صورة المشهد الأدبي عامة.. وتنشيطه.. ومنعه من الركود.. ونحن نعرف أن الكثير منها أمسيات عظيمة وندوات تقدم من الفائدة ما لا تقدمه عشرات الكتب.
ماالذي ينقص الشعر عندنا؟
_ إن أول ما يتبادر لذهني حين يوجه لي سؤال كهذا.. هو غياب النقد الحقيقي.. فنحن حقيقةً لا نملك حركة نقدية بالمعنى الحرفي.. بل في الغالب هي مجرد قراءات تعتمد على المجاملة والتزلف والتملق.. وربما ليست كذلك وإنما لا جديد فيها سوى أنها محاولات لدراسة قصيدة اعتماداً على ذائقة فردية تعوزها الأدوات النقدية الحقيقية.
كذلك.. ينقص الشعر اهتمام الجهات المسؤولة به وبشعرائه وبتكثيف جهودها لإصدار القصائد التي بهتت لأي سبب كان.. وتنتظر أن يحويها ديوان ما.
هل يمكن القول بوجود نص شعري مغامر لدينا؟
إن كان يقصد بالمغامرة هي التمرد والخروج عن سطوة التقاليد والتحفظ..ومحاولة كسر حاجز السلطة وعصاها المسلطة عليه.. فنعم .. نحن لازلنا نعاني من مسألة الخوف من ردات الفعل في قصائدنا.. سواء من قبل عامة النَّاس أو من الجهات السلطوية.. وإن كنا نعذر الشعراء أحياناً لغياب من يحميهم من تغول البعض عليهم في غياب الأمن.. إلا أن ذلك لا يُعد سبباً يمنع القصيدة عندنا من أن تتحرَّر من أي سطوة وإلا ستبقى حبيسة التقليدية والروتينية طوال عمرها.
أخيراً .. ما جديدكَ وهل هناك مؤلف جديد في الطريق؟
نعم .. هناك ديوان على وشك الصدور.. هو الآن فقط قيد المراجعة الأخيرة .. وسيكون اسمه غالباً «للضوء ملمسٌ أيضاً».. كما أنه وإن كان هذا خروجاً عن خط الشعر قليلاً هناك مخطوط لمجموعة قصصية جاهزة أيضاً.