ثقافةمتابعات

العماري: سحر القصيدة وشغف البدايات 

عبدالسلام الفقهي

يسرد الشاعر مفتاح العماري، سيرة البدايات لا من منشأه في هوامش بنغازي كما يصف بل يبحر بنا في اطلالاته الأولى على عالم الشعر عبر القراءة والكتابة.

يروي في حوارية أدارها الكاتب حسين المزداوي ضمن فعاليات (ليالي المدينة)، أن دخوله لفضاء الكتب جاء على خلفية خالية من هذه الذاكرة، فمعظم بيوتنا للأسف تفتقر لهذه العلاقة والمصالحة والتسامح، ثم يتساءل العماري: كيف بدأ علاقته بالكتاب ليجيب أن العلاقة كانت صعبة وبسيطة، فالرواية كانت منطقة الجذب خلال فترة مطلع عشرية السبعينيات مع أعمال محمد عبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي إلا أنها مع الأخذ في الاعتبار سن النضج آنذاك لم تشكل محطات مهمة في السرد.

يقتفي العماري أثر السرد ليصل إلى عوالم ألف ليلة وليلة التي غذت في مخيلته شيئًا ما، لتستمر لعبة القراءة كما يسميها وتتأسس عائلة من أسماء مهمة وتطورت اللعبة وأصبح هناك طريقة ووعي وإمكانية لتحديد الخيارات ويمكن القول انه حتى سنة 1975 لم يكن لدي أي مؤشر للكتابة. إلا أن هناك سؤالًا بدأ يتشكل له علاقة بوجوده وحقيقته ومجتمعه ثم إن الكتابة بدأت ساذجة لكونها تعكس محاولات تنسجم مع أسئلة تلك المرحلة. 

وحول تجربته مع الثكنة العسكرية التي عايش أجواءها عندما كان جنديًا، يصف العماري قسوة تلك الفترة بحكم طبيعة الحياة العسكرية وقوانينها الصارمة التي ترفع أسوارها العالية أمامك حاجبة عنك الحركة والنظر خلف ناموسها، وقد لامس العماري جانبًا من قسوتها عندما أودع السجن بسبب سفره للمشاركة في مهرجان المربد، وكان حينها محررًا بصحيفة الشعب المسلح سنة 1987، ففي البيئة العسكرية أنت تسجن لمزاج نزوي معقد. 

وفي منعطف آخر، أن تكتب وتنشر تلك مغامرة أخرى أخذت مسعاها وتدرجها ولها مسلكها الخاص معي. 

وفي اجابته عن سؤال كيف تشكل الهزائم انتصارات يقول :

(أنا تجاه الكتابة، أشعر بالرهبة، شيء مقدس، وإذا حدث أن كتبت نصًا وارسلته في بريد قراء واستحق أن يرد عليه فهذا إنجاز، واذكر أنني اشتريتُ خمسة اعداد لمجرد وجود اسمي مرفقًا مع المادة المرسلة، وكانت بالنسبة ليَّ إشارة في حياتي، مع ملاحظة أنني لستُ في بيئة مثقفة فقد تربيتُ وعشتُ على هامش المدينة على أطراف شارع سيدي عبدالجليل، صحيح أن الحياة لها زخمها وثراؤها لكن بعيدة عن سلوكيات الريف أو المدينة، والمجتمع في الثكنة غالبه بدوي، وكوني أنني تجرأت ومارست فعل الكتابة فهذه المسألة طلب في نفسي بعيد عن أي مقولات كبيرة، كالدعوة للعدالة أو الحرية، ولكن كل ما في الأمر احتياجي لقول شئ، وهو انني اكتب تبعًا للحظة التي انا اعيشها، ولا زالت لحظة ارتعاشي في الكتابة لازمني، فانا في كل مرة اكتب فيها نصًا أشعر انني أمارس الكتابة لأول مرة، مزيج من الخوف والرهبة والشغف والفرح. 

وحول قصيدة النثر أشار العماري إلى أن الشعر يتجه للانحسار وهي مسألة تتعلق بالوجدان، فمع تفسخ القيم تشكلت مفاهيم أخرى وفقد الشعر تبعًا لذلك مكانته، والجوهر الذي كان يمثله كالمعرفة ويعبر عن الوجدان والهوية، القصيدة واقعيًا غير موجودة إلا في مانشيتات الصحافة على سبيل المثال، فبالتالي لماذا تراهن على شئ خاسر وأنت تعرف نتائج ذلك، اجيب بسبب ثقتي الكبيرة ليس في الواقع بل الممكن. 

وأضاف بخصوص قصيدة النثر التي تزامن صعودها مع ولادته فترة  الخمسينيات، وارتبط  باسماء (ادونيس وانسي الحاج) على مستوى التنظير والممارسة، وقد تعرضت قصيدة. النثر  إلى مفاهيم نستطيع القول إنها متماهية، لا تتصل بالواقع الثقافي العربي ولا بالقصيدة العربية. 

وكانت التجربة الشعرية في ليبيا دائمًا في دور المتلقي، ويمكن القول إن عشرية الثمانينيات شهدت صعود قصيدة النثر، ومن ضمن عناصر التأثير ما كان يكتبه الشاعر  الراحل علي صدقي عبدالقادر الذي كتب قصيدة متفردة مغايرة رغم استهجان أنصار التقليد، في موازات هذه القصائد برزت محاولات فردية أكثر من كونها حركة شعرية جمعتها اللحظة، وكأن تطورها حسب الشغف الشخصي والتجربة الذاتية والايمان بالشعر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى