لم أستطع إخفاء ما استشعرته من الحسرة، وأنا أشهد عبر الشاشة الصغيرة عرضًا للاجتماع الذي دعت إليه وزارة العمل عددا من السفراء الأجانب الذين كونت عمالتهم غير الشرعية في البلاد، كما جاء في الكلمة الرسمية، ما يبلغ المليونين، تعج بهم جميعا مدن وقرى البلاد بعد أن دخلوها برا أو بحرا أو حجزوا بعض الوقت فاستطاعوا العيش معولين على ما يستطيعون عمله وربما لحقت بهم بعض أسرهم أو كونوها، فلم تجد وزارة العمل مفرا من دعوة سفرائهم والتباحث معهم فقط لاستعادة ما ظلوا يتهربون من تسديده من العوائد التي توجبها معايشهم وبالضرورة استهلاكاتهم، الأمر الذي لم يجد إزاءه المسئول الرفيع أكثر من الدفع به على هيئة إشكال يبحث مع هؤلاء السفراء لمساعدة الجانب الليبي في الحصول على العوائد المالية، وما ذلك إلا لأن المسئول المذكور فيما يبدو على غير دراية أو لا يريد إعمال درايته بما تحويه الملفات الرسمية من القرارات المنظمة لهذا النوع من الوافدين عندما تقتضي المصلحة أن يؤذن لهم بالعمل، إنه الإذن الذي يشترط لحصوله تسديد عدد من الجزاءات المالية جراء الدخول ثم البقاء من دون إقامة، وقبل ذلك تسديد الضرائب إلى جانب سلامة الأجساد من الأمراض، وهي نواقص لا يستدعى من أجلها أصحاب السعادة السفراء، ولا يترك الوزير ومن في حكمه الكثير من الأولويات، إذ يستطيع الجهاز الإداري حين يحسن تنظيمه أن يشن من الحملات التفتيشية التي تلزم هذا النوع من الموجودين بالبلاد بتسديد ما يجب عليهم تسديده، وكذا ما ينقصهم لضمان سلامة المجتمع منهم، فهم والحالة هذه في حكم المخالفين الجديرين بالخضوع لأكثر من ضغط، وأن ممثلي الدول على مختلف درجاتهم هم المطالبون بالتوجه إلى الدوائر الليبية، أما الطريقة التي اتبعتها وزارة العمل، فقد جعلت منهم أصحاب حق، ربما يقترب من مشكلة البدون التي يعاني منها الخليج العربي منذ حقب مضت، حتى أنها تحولت إلى شبه إشكال دولي ومأساة إنسانية كثيرا ما اتخذت منها الكتابات الأدبية والفنية مادة لمسلسلاتها وأفلامها ونصوصها الأدبية التي تقدم للمسابقات الكبرى ويحصل المستفيدون منها على رفيع الجوائز، أما إصرار المسئولين الليبيين كبارا وصغارا على بث ونشر استقبالهم لسفراء الدول من منطلق الإحساس بأنه يمثل نوعا من النشاط الرسمي، فما ذلك إلا لأنهم لم ينتبهوا إلى مقابلات السفراء الأجانب داخل الدول التي يقيمون فيها يعني ما يبذلونه من النشاط لصالح دولهم وليس العكس، ولهذا فإن العديد من وسائل الإعلام لا تذيع مقابلات السفراء إلا تلك التي تتم لصالح البلد الذي يقيم به السفير أو من يحل محله، لولا أن ليبيا بلد العجايب التي لا تحصى والغرايب التي تفوق الاحتمال والتحالفات التي لا غاية لها أكثر من إطالة عمر المحنة، ما لم يعجل الله بلطفه