وكذلك لم ينجُ الأستاذ عبد الحميد البكوش السياسي والمثقف والمعارض في النهاية، من سلبيات شهادة السيد عبد المنعم الهوني عندما نسب إليه سَجن القوميين العرب في ليبيا وما وصفه بالتنكيل بهم، لأن الحادثة المذكورة جرت في عهد حكومة السيد عبد القادر البدري عندما كُلِّفَ من قبل الملك بخلافة السيد حسين مازق ليجري اعتقال ذلك الفصيل ومحاكمتهم وصدور الأحكام بشأنهم، فلم يكن أمام البكوش بعد ترأسه الوزارة سوى حُسن معاملتهم ليُطبِّقَ بشأنهم قانون السجن السياسي ويقضوا أحكامهم بسجن الجديدة في فضاء مفتوح شهد له عبد المنعم نفسه، عندما تحدث عن زياراته لهم وآخرين غيره، عرفنا بعظهم وبعضهم الآخر عرفه آخرون، وباستثناء ما تمليه سلوكيات الغيرة والتنافس بين الأجيال فإن رهان البكوش على جدوى المشاركة في حكم البلاد وربما السعي إلى الحكم كان الخيار الافضل للبلاد، ليس فقط لما أفلح البكوش في تحقيقه، وإنما لما أتاحه من فهم المرحلة والتي استطعت شخصيا أن اقترب منها عقب خروج البكوش من رئاسة الوزارة ودون أي معرفة سوى ما شاركت به من إبداء الرأي في صحيفة الميدان التي رافقتها منذ أول عدد وحتى إغلاقها، لم يكن البكوش مستاء للخروج من الحكم، وإنما لعدم تنفيذ ما كان يخطط له وتحدث لي عنه قبل سقوط العهد الملكي في الصائفة التي سبقت ذلك الخريف إلى جانب خوفه من نجاح أي مغامر لإسقاط النظام بكل اليسر، ولا يستبعد من بين مخاوفه أي شكل وحدوى تختفي بواسطته ليبيا، ولايُخفي انحيازه لأي نظام يُسيئ إليه مع سلامة الوطن وحدوده، ومازلت أذكر حديثه معي وهو يُقيم في بيته القريب من منزلي بطرابلس وينتظر الفرصة التي تسمح له بالخروج من البلاد بأنه لن يتردد في الانظمام إلى الذين شرعوا في معارضة الحكم دون أي توقف أمام ما ارتُكِبَ في شأنه من الأخطاء وقد كان في مقدمة ما أحزنه انجرار السيد عمر المحيشي إلى الحديث الإذاعي اليومي الذي يجعل منه إعلاميا وليس زعيما كما يريد له، كان لا يسرّه شيئ قبل أن يكون للوجوه الوطنية تواصل مع القوى الدولية لأن التغيير لن يتم من دون توفر التعاون، كانت المعادلة الصعبة شعوره أن النظام لن يسقط من دون العمل العسكري وأن من يُقدم على العمل العسكري يصعب عليه أن يُسنِد الحكم للمدني ويكتفي بدور الحارس، لقد وثّقت العلاقة بيننا وبالأحرى الصداقة، الانشغال الدائم بالوطن وكما لم يخف مشاعره أمام القريب والبعيد حاولت أن أكون كذلك، وكان آخر حديث شبه رسمي بشأنه في اجابةٍ على أسئلة السيد سيف الاسلام القذافي بمدينة الكفرة التي دُعيت لها، ووقفنا سويا أمام قبر السيد المهدي السنوسي كما نشرت عن المناسبة، قلت فيها بالحرف الواحد بصدد البكوش إنه رجل دولة، ويومها قال المستمع إليّ بالحرف الواحد.»نلقاها انه رجل دولة»، كان النظام قد تدخل لخروجه من مصر لتكون وجهته الإمارات، ليعيش ضيفا مكرما ليس أكثر، أما عندما داهم العضال كبده فقد رفض تعاطي الكيماوي من أجل زيادة أشهر في عمره، أما عندما أُوفِدَ إليه أخوه ليعود الى البلاد، فقد رفض العرض ليلقى حتفه في الغربة ويُقبر حيث كانت المنية قائلا كلمته الشهرة البلد الذي لم يتسع لي حيا لن أسمح بأن آتيه ميتا، كما تحدث السيد علي زايدان من
موقعه كرئيس حكومة عندما تيسّر لنا تأبينه في مركز الجهاد، رحمه الله ووقاه شرور النيران الصديقة.