يقول «بيكاسو» : سر الفن يكمن في أن تَجِد بدلاً من أن تبحث .
الفن، أو الرسم كما يعرف الجميع ليس مجرد تلوين فراغات أو تلطيخ ألوان أو نقل واقع كما هو، الفن تلك اللذعة الروحية العميقة التي توحي بها لوحة ما ربما تكون بسيطة للغاية لكنها تنجح في الاقتراب من روح المتلقي والتعبير عنه.
فهل الفن هو تعبير عن الواقع، أو الأحلام أو هو محاولة الاقتراب من روح الحياة والأشياء معًا؟
أو التحليق بعيدًا في سماء الخيال؟
كل فنان لا بد أن يضع بصمة ما حتى الذين لا تلقى لوحاتهم قبولاً هم يعبّرون عن ذواتهم و هذا هو كل ما يهم في الفن .
وفي المشهد الفني الليبي معظم النتاج الفني ينطلق من حالة ذات متسامية نحو الآخر
لكن القطيعة التي تعاني منها المجتمعات المتخلفة مع الفن لا بد وأن تؤثر على نتاج الفنان
فلا مفر له من أن يستمر مقتربًا بفنه من الحدود الممكنة للمتلقي الذي يعتبر الذهاب إلى المعارض الفنية نوعًا من الترف أو تغيير المزاج،
ولكننا لا يمكن إلا أن نقول إن التجربة التشكيلية والفنية عمومًا ومع ضيق أفق البيئة استطاعت أن تنحت مكانها بالداخل والخارج عبر عديد من الأسماء التي نقشتْ مكانها على الجدارية المنَّوعة للفن الليبي، ولا ننسى أن بعضَ هذه التجارب تخطتْ حدود الجغرافيا الليبية لتنطلق عربيًا ودوليًا.
في المشهد التشكيلي النَّسوي تجتمع أسماءُ وتجاربُ مختلفة لفنانات من جميع الأجيالِ مع تحفظي على تجنيس الفن والأدب، لا بد أن نلحظ أن الفن الليبي الذي ترسمه المرأة هو فنٌ حذر في الحقيقة معظم اللوحات تعاني من هذا الحذر أجنحة المغامرة قصيرة، لذعة الاختلاف تكاد تغيب.
البعض منهن يلوذ في التعبير للواقع الذي لا يدع مجالاً لتأويل ما، وهذا الاتجاه تعبر عنه لوحات كل من نجلاء الفيتوري، وعفاف الصومالي، وبشرى علام، وحنان عجال، وأمينة العتري، ونجاة هنيدي، وسندس كشاد، وعفراء الاشهب، وتسنيم التومي؛ حيث تسيطر تيمة المرأة على معظم المواضيع سواء في جانبها الجمالي أو التراثي أو الذي يعبر عن حالة نفسية ما، المجال في هذه التجارب للخيال يكاد يكون محدودًا مكتفيًا بما تمنحه اللحظة الفنية السهلة من ما يتاح التعبير عنه.
وباقي التجارب معظمها يذهب صوب التعابير الفنية المبهمة التي تعطي أكثر من تأويل.
ربما في محاولة الهروب من تفسير ما، أو انها اللحظة الشعورية لحظة الرسم التي تجد أن هذا النمط هو الاقرب لها في التعبير عن نفسها يمثل هذا لوحات كل من رزان المنتصر، وفاطمة وخديجة الفرجاني، ياسمينة المهدوي، وسعاد الترهوني،فتحية الجروشي، وفايزة رمضان، نجلاء الشفتري، وحميدة الصقر، ونادية العابد، ويظل لهذا النمط ميزته في محاولة الاقتراب من العوالم المتخيلة للفنان لحظة الرسم والابتعاد عن المباشرة التي ربما تحد من خيال التأويل لدى المتلقي.
بالنسبة لتجربتي الخزف والنحت لميسون عبد الحفيظ، ومريم هنيدي فأنها تميل إلى تجارب الواقعية الخفيفة التي تختلط بالخيال بتأويلها وحمولاتها النفسية المختلفة وتظل الجمالية البصرية هي المبعث للدهشة والغموض.
ولأن الفن كما يقول «بيكاسو» يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية تظل التجربة الفنية في ليبيا وفي هذا الوقت بالذات وقت الخراب والحرب بمثابة المنقذ النفسي والروحي الذي لا غنى عنه وأن وجود هذه النوافذ الفنية بمثابة هامش للحلم والجمال وبمثابة النور في آخر النفق..