قراءة
من المطبوعات المهنية الإعلامية المتخصصة في الصحافة التي صدرت مبكراً في ليبيا كتاب (المختصر في الصحافة) للأستاذ الراحل أحمد عاشور أكس، الصادر خلال شهر سبتمبر 1967م وهو الكتاب السادس ضمن سلسلة (الكتاب الليبي) التي دأبت على إصدارها اللجنة العليا لرعاية الفنون والآداب. ومؤلفه الإستاذ الراحل أحمد عاشور أكس مولود بمدينة بنغازي في 4 نوفمبر 1918م ومتحصل على دبلوم صحافة من جامعة بانت ببريطانيا سنة 1966م، بالإضافة إلى دبلوم التفوق في الصحافة من كلية شيفيلد ببريطانيا، ودبلوم الصحافة من دار التعليم العالية بالقاهرة، والنائب الأسبق لمدير وكالة الأنباء الليبية، وأمين تحرير صحيفة “الطريق الأخضر” ونائب رئيس تحرير صحيفة “الموظف”، وله عدة إصدارات من بينها (مدخل إلى إعلام عربي ليبي) الصادر سنة 1975م، و(من أجل اختراق الحصار الإعلامي) سنة 1985م، و(الإعلام العربي بين المطرقة والسندان) الصادر سنة 1987م، و(لكي تكون صحفياً ناجحاً) سنة 1997م، وغيرها من الإصدارات المتنوعة في اللغة والسياسة والتاريخ. ولمزيد المعلومات حول المؤلف (انظر: معجم الأدباء والكتاب الليبيين المعاصرين، ج1، عبدالله سالم مليطان، مداد للطباعة والنشر، ط1، 2001م، ص245).
وجاء كتاب (المختصر في الصحافة) في حوالي مائة وخمسين صفحة من الحجم الصغير وهو يعد من أوائل الكتب الصادرة مبكراً في ليبيا حول مهنة الصحافة وتقنياتها التقليدية العريقة، وأدواتها الفنية المستعملة آنذاك، متضمناً تعريفاً مبسطاً ونبذة قصيرة حول أهمية الصحافة بشكل عام، ودورها، ومنهجها، والشروط الأساسية للانتساب للعمل الصحفي. كما تطرق باختصار شديد إلى بدايات الصحافة الليبية ولمحة عن تأسيس كالة الأنباء الليبية.
وعند استعراض محتويات هذا الكتاب التاريخي نجد في البداية إهداء المؤلف الذي يقدمه (إلى صناع الكلمة المطبوعة ..النزيهة الحية الهادفة … إلى أولئك الذين يكدون ويسهرون الليالي في سبيل الحقيقة والحرية وبث روح الحب والتضامن والدعوة إلى التمسك بالقيم الروحية والأخلاقية والسلام العالمي…. إلى أولئك الذين يحاهدون من أجل نشر المعرفة وكشف مواقع الأخطاء….)
إثر ذلك نطالع تحت عنوان (هذا الكتاب) ما خطه الأستاذ أحمد عاشور أكس حول غايات كتابه والهدف من إعداده وأصداره (.. لقد أعد الكتاب وفق ما يدل عليه عنوانه كمنهاج عن الخطوط الأولية في ميدان الصحافة. فاتحاً المجال لدراسة أوسع في هذه المادة لمن يتطلعون إلى معرفة ماهية الصحافة، وما يدور في فلكها، وفي مقدمتهم الناشئين منهم الذين يرغبون في مزاولة مهنة الكلمة المطبوعة كوجبة فكرية جاهزة تقدم للقاريء العابر أو المتخصص في الوقت الذي تعتبر فيه عصارة مجهودات جسيمة وحصيلة عوامل أساسية يحاول الكتاب بين طياته أن يضمنها ما أمكن له الإيجاز والشمول معاً.)
أما الصحفي الكبير محمد الشاوش رحمه الله فيقول في مقدمته (كتاب “المختصر في الصحافة” يعطي القاريء النظرة المتكاملة لمثل هذه المسائل الجوهرية، كما يتحدث عن وسائل الإعلام المختلفة ويوضح دورها الإيجابي في خدمة التوعية الجماهيرية. ويتعرض المؤلف لقضايا جوهرية تمس صميم المهنة الصحفية كالحرية وارتباطها بالتشريعات وضرورة ملازمتها للصحفي أثناء تأدية أعماله، وبسرد مجموعة من المعوقات التي تقف في طريق نمو الصحافة وازدهارها في الدول النامية، ولا يغفل الحديث عن الوكالات الاخبارية وأسباب نشوئها.). كما يقدم الأستاذ الشاوش نبذة قصيرة عن سيرة مؤلف الكتاب فيقول (.. هو لا يحتاج إلى تقديم، فقد عرفته الصحافة الليبية والعربية فارساً من فرسانها. وهو الكاتب الخصيب باللغات الثلاثة العربية والانجليزية والايطالية، فقد كانت ولازالت له اهتماماته الواسعة بالصحافة، فاشتعل أولاً مراسلاً لوكالة “يونايتد برس” ووكالة أنباء “رويتر” وكتب المقالات السياسية والاجتماعية في الصحافة الليبية الناطقة بالعربية والانجليزية.)
إثر ذلك التقديم نتصفح أول مواضيع الكتاب الذي اختار له المؤلف عنوان (التعريف بالصحافة ومسؤولياتها) شارحاً فيه مهنة الصحافة وأهميتها في المجتمع (إنَّ الصحافة من الأشياء التي ابتكرتها الحضارة الانسانية. فهي ضرورة من ضروريات الحياة الاجتماعية.. كما أنها مصدر من مصادر الثقافة الشعبية .. والثقافة على اختلاف فروعها في حياة الناس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقلية والشعورية. وقد سميت السلطة الرابعة إلى جانب السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية نظراً لكونها قوة ضخمة .. عظيمة الأثر .. بالغة النفوذ. وهي نفير السلام وصوت الامة وسيف الحق القاطع ومجبرة المظلومين وشكيمة الظالم..)21-22
يلي ذلك نطالع فصل (دور الصحافة) الذي يتطرق فيه المؤلف إلى الصحافة كدور فعال للبشرية ومصدر للإيحاء والتحفيز معززاً ذلك بمثال عن الشاعر الانجليزي “توماس هاردي” الذي أوحت إليه الصحافة بعض نصوصه الشعرية مثل عنوان قصيدته (الصحافة تتحدث عن نفسها) التي يقول فيها:
(أجل … أجل…. إنني طاعنة في السن
فتاريخ مائة عام يبدو على ملامحي
تعج صفحتي بتواريخ ميلاد ورحيل ممالك
وحكام وأسرى وعقائد غريبة وشعائر عابرة ومآسي ومسرات.
على أنني قمت بدوري في صمت على مسرح العمر
فإن القلوب الباردة تنبض بحرارة الحياة
والقلوب الحية تخفق بفتور بارد
هآنذا فؤادي لا ينقطع عن الخفقان
أجل .. أجل .. إنني طاعنة في السن.)27-28
أما فصل (منهاج البداية الصحفية) فيقول فيه (لا شك أن الصحافة بالنسبة للمبتديء في نهج طريقها الواسع، تعتبر صعبة المراس، إذ أن عليه أن يتسلح باستعداد خاص لتلك المهنة. فحتى يتحقق للشباب النجاح الحقيقي في مزاولة الصحافة، لابد له في هذه الحالة من دافع قوي للكتابة حول ما شاهده وما يشعر به وما يتناهى إلى سمعه وذلك بأسلوب بسيط سلس دقيق موضوعي.) بينما في فصل (شروط الصحفي الأساسية) يعدد الشروط الجوهرية الأربعة في مزاولة هذه المهنة النبيلة وهي: الإعداد المهني، واعتناق فكرة الخدمة العامة، والتقيد بالوازع الخلقي،
وحب العمل. 38 وهو بذلك يجمع كل الاشتراطات التي يجب أن يكتسبها الممارس لمهنة الصحافة.
وحين يتناول في فصل (نجاح الصحيفة) أسباب نجاح المطبوعة الصحفية فإنه يرجعه إلى عاملين أساسيين هما: الإدارة، ومسؤولية رئيس التحرير، ثم يشير إلى القوانين الصادرة في ليبيا حول المطبوعات والصحافة، مسلطاً الضوء على آخر القوانين الصادرة بعد إعلان الدستور الليبي وكان آنذاك القانون الصادر بتاريخ 22 نوفمبر 1962م المتعلق بحرية الصحافة والطباعة، ومتناولاً المواد 22، 23،24 بالشرح والتوضيح.
وفي فصل (وسائل الإعلام الليبية) يتناول المؤلف طبيعة وسائل الإعلام الليبية بشكل محدد، ويمنحها خصوصية في كتابه معدداً تنوعها حيث يقول (رأيتُ من المفيد أن أبين بصورة موجزة وسائل الاعلام والثقافة المختلفة في ليبيا وذلك قبل أن أتطرق إلى وسائل الاعلام الاخرى، حتى يتسنى للقاريء أن يكوّن فكرة واضحة عن مدى أهمية وقيمة هذه المرافق التي تستهدف جميعها إرضاء حاجات الشعب في الحقل الاعلامي إلى جانب ميادين أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية. وهي كالأتي: الاذاعة، الصحف، المجلات، النشرات الدورية، كتاب الشهر، السينما، وكالات الأنباء، التلفزيون)، ثم يتحدث عن التطور في مصادر الانباء بعد سنة 1964م إثر تأسيس وكالة النباء الليبية، ويختم بعرض عدة جداول بأسماء الصحف والمجلات التي تصدر في ليبيا منذ عام 1944م إلى 1967م تحتوي على اسم الصحيفة، وبياناتها، وتاريخ الصدور، ومكان الصدور.
وفي فصل (رابطة الصحافة الليبية بين النظرية والتطبيق) نجد المؤلف يطرح فكرة رائدة في حينها، وهي تأسيس تجمع مهني سواء في شكل نقابة أو رابطة أو نادي أو غيرها، حيث نجده يستهل هذا الفصل بطرحه عدة أسئلة (تقتضي ضرورة استكمال تطور الصحافة الليبية إيجاد نوع من الرابطة الايجابية بين الصحافيين. ولكن عند البحث في هذا العامل الحيوي تقفز في ذهني أسئلة كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: أولا/ لماذا كلما برزت فكرة تكوين نادي للصحافة الليبية تموت في مهدها؟، وثانياً/ لماذا لا تتناول الصحافة الوطنية هذا الموضوع بصورة جدية؟ ...) 83 ولا يتوقف عند ذلك، بل يمضي ليؤكد أن الدستور الليبي والمادة رقم 42 من قانون العمل وغيرها من التشريعات القانونية النافذة لا تمنع تأسيس مثل تلك الروابط أو النوادي الصحفية.
وبعد أن يتناول أسباب ظهور وتأسيس وكالات وطنية للأخبار في فصله (نشوء وكالات الصحافة) وفصله (أسباب نشوء الوكالات الوطنية) ويستعرض التنسيق الدولي والاجتماعات والجهود التي أثمرت تحقيق هذه المؤسسات الصحافية الإخبارية، يفرد فصلاً خاصاً بعنوان (نبذة عن وكالة الأنباء الليبية) التي تأسست بموجب مرسوم ملكي صدر في أول أكتوبر 1964م ويستعرض أهم الخدمات التي تقدمها والادارات والأقسام التي تتبعها، والسياسة العامة التي تنتهجها هذه الوكالة. وأخيراً يختم المؤلف كتابه بفصل (قوائم الوكالات والصحف في العالم) الذي يضمنه جداول لعناوين الصحف والوكالات المعتمدة من منظمة اليونسكو الدولية سنة 1964م