تتظافر نصوص ديوان المهدي الحمروني في أعدادها المائة وصفحاتها الثلاثمائة وخمسة وستين، فتكاد تدفعنا إلى حذف عبارة «غير» التي ألحقها المهدي وفصل عبارة «مُنتَظر»، فلا نتردد في القسم لو جاز لنا في مثل هذه الأمور والتي يرتفع إليها مكابدًا همومها، أو جاهزًا لبذل ما لا يخطر من صنوف البذل، لتذوق طعمها في كل لمحة ونفس عدد ما لا يعلمه سوى من أدرك سر التواصل مع هذا الصنف من الشفافين الذين تنبئك إهداءات نصوص المهدي عن طبيعة علاقاته التي لا حكم فيها لغير السلوك وإن بدت لمن لم يُرزَق نعمة التدبّر العظيم قد جاءت نتاج المكان، وذلك حين لم نفلح في الاقتراب من عوالم علي يوسف كولان أو محيي الدين كانون ويوسف الشريف وأحضر من جانبي جبريل بشير والقائمة تطول، لأن رابط الوطن يتسع ويقوى في أمسه وحاضره وغده، حيث عزة الماضي والثقة في الغد وحتمية انتصار المستقبل، فندرك وبالأحرى نتذوق سر التزاحم بين جلجلة التفعيلة وموسيقى العبارة وحضور التراث، والمهدي يكابد هذه النصوص، فندرك حجم المعاناة وقوة الإيمان ونداء الاستعداد المدوي للتضحية ولكن في تحرّز شديد من كل ما قد يلوح منه شبح الإدِّعاء، وإذ أعلم أن نشأتنا التقليدية وتكويننا الذي يستحيل علينا الإفلات منه قد يوجب بعض المشاهد لولا أن ما يدون هنا ليس أكثر مما لا يتجاوز الإيماء. إنها حلاوة لا تهدد بالسكري ودسامة لا تترك الضغط يرتفع، وما ذلك إلا لأن أخلد أبنائنا الشعراء تجاوزا لسابقيه ولاحقيه وُفِّقَ في إنصافهم بمحبته الخالدة التي أجد فيها خير مختتم جدنا الفرزدق، أو كل من جاهر بتشيُّعه
إن قيل أهل التُقى كانوا أئمتهم * أو قيل أكرم من في الأرض قيل هم.