إذ لم يتم فرض رسوم على السعر الحالي للصرف بمعدل 27%، لن يستطيع المركزي أن يدافع على المستوى الحالي لسعر الصرف الرسمي، وسيرتفع سعر صرف الدينار في السوق الموازي إلى 8 دولار/للدينار، وسيرتفع التضخم وفقا لذلك وسيكون هناك مساحة للتربح من فروق الاعتمادات. هذا ما أسميه استراتيجية حافة الهاوية التي وضعها المركزي أمام البرلمان ليقرر رفع الحرج الأخلاقي عن المركزي لممارسة صلاحياته القانونية بصفته المسؤول الوحيد عن وضع سياسة سعر الصرف الأجنبي في تبني هذا القرار المؤلم. ولتخفيف وطأة القرار المؤلم لمح المركزي إلى أن هذه إجراءات مؤقتة تستثني الجهات التابعة للحكومة، ويمكن زيادة الرسوم أو تخفيضها ليكون إجمالي تكلفة سعر صرف الدولار في نطاق 5.95 إلى 6.15 دينار للدولار، وأخيرا يمكن أن يوجه عائد هذه الرسوم إلى أطفاء الدين العام والانفاق التنموي.
شاهدت مقابلة مع السيد رئيس مجلس النواب صرح فيها بأن المجلس سيوافق على اقتراح المصرف المركزي وعلل ذلك بأن «خبراء» المصرف أوضحوا أن هذه السياسة ستساهم في استقرار الوضع الاقتصادي المتأزم، وأعطى مثال التغيير الذي حصل في مصر بتعويم الجنيه المصري وإن كنت غير متأكد أن هذا المثال استعمل من المصرف أو أن البرلمان استعمله. ويجدر بالذكر أن مجموعة من النواب أصدروا بيانا يعارضون فيه طلب مصرف ليبيا المركزي حيث إن سياسة سعر الصرف هي ليست من اختصاص مجلس النواب وهي اختصاص مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي.
وقد أطلعت على المذكرة التي أعدها أساتذة الاقتصاد في جامعة بنغازي عن الموضوع وقدمت لرئيس مجلس النواب والتي جادلت ضد فرض رسوم على سعر الصرف من منطلق أن سعر الصرف تم رفعه في السنوات الماضية أولا عبر فرض رسوم عليه لتصل تكلفته إلى 3.6 دينار/للدولار ومن ثم تخفيض قيمة الدينار رسميا ليصل إلى 4.48 دينار/دولار في بداية سنة 2021، وبالرغم من هذه السلسلة من التخفيضات لم يستقر الاقتصاد، بل أثر ذلك بارتفاع التضخم وتزايد الفقر. وأقترح أساتذة الاقتصاد بدلا من الموافقة على اقتراح المصرف اللجوء إلى خطة تتضمن: مواصلة الدفاع عن السعر الحالي بضخ عملة اجنبية في السوق، ضبط الانفاق الحكومي، ضبط الاعتمادات المستندية، وزيادة انتاج النفط، وتنسيق السياسات بين الأجهزة الحكومية.
لا شك أن جميع من في المشهد يقفون على حافة الهاوية ويتدافعون وبدون شك فإن هناك من سيسقط عنها لأنه يبدو أنه لا توجد إمكانية للرجوع إلى الخلف، وبالطبع هناك أمنيات متعددة ومختلفة لمن ستنزلق قدمه إلى الهاوية.
هذا لا يمنعننا من تقييم الموقف بحياد، ومحاولة الخروج بنوع من التوصيات التي تخدم المصلحة الوطنية.
الهدف الأساسي في المصلحة الوطنية هو الحفاظ على قيمة الدينار والدفاع عن مستوى مستدام لها. الجدل حول من له صلاحية تغيير سعر الصرف وأغراض فرض الرسوم من ناحية قانونية لا أظنه ذا جدوى حيث إن جميع المسارات الماضية والحالية كسرت القانون بوضوح بداية من الاستعاضة عن الميزانية بترتيبات مالية مؤقتة «اقترحتها الولايات المتحدة الامريكية» في 2016 واستمر العمل بها واصدارها سنويا بدون أي سند قانوني لننتهي بالعمل اليوم بما يسمى 1/12 من الميزانية السابقة المعدلة دولاريا «التي لا وجود لها في القانون أو حتى في التاريخ الإنساني».