رأي

حلاقة صفر لصناع المحتوى

محمد الرحومي

 

خلال‭ ‬فترة‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬والتسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أصبحتْ‭ ‬الحلاقةُ‭ ‬‮«‬صفر‮»‬‭ ‬موضةً‭ ‬بين‭ ‬الشباب،‭ ‬خاصة‭ ‬أولئك‭ ‬أصحاب‭ ‬الوشم،‭ ‬والعضلات‭ ‬المفتولة‭ ..‬

فبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مقزَّزة،‭ ‬وغير‭ ‬مرغوبة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفتوة‭ ‬فرضوها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رجل‭ ‬الشارع،‭ ‬وضمن‭ ‬قائمة‭ ‬المردف‭ ..‬

الحكايةُ‭ ‬بدأتْ‭ ‬عندما‭ ‬أصبحتْ‭ ‬هذه‭ ‬الحلاقة‭ ‬دليلًا‭ ‬ملموسًا‭ ‬على‭ ‬خروج‭ ‬المعنى‭ ‬من‭ ‬السجن،‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬السوابق‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬الحذر‭ ‬منه،‭ ‬ومنحه‭ ‬صلاحيات‭ ‬السيطرة،‭ ‬والنفوذ‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬نقاش‭ .‬

‮«‬حلاقة‭ ‬الصفر‮»‬‭ ‬لها‭ ‬ثقافة‭ ‬تربوية‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬الانضباط‭ ‬العسكري،‭ ‬والعقوبات‭ ‬العسكرية‭ .. ‬فهي‭ ‬بمثابة‭ ‬ضبط‭ ‬السلوك‭ ‬للجنود‭ ‬المنضوين‭ ‬حديثًا،‭ ‬وأيضًا‭ ‬للمخالفين،‭ ‬والمهملين‭ ‬لواجباتهم‭ ‬العسكرية‭ .‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المذكورة‭ .. ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فقد‭ ‬عادتْ‭ ‬هذه‭ ‬الحلاقة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬مدركين‭ ‬فيه‭ ‬لأي‭ ‬مشهد‭ ‬للموضة‭ ‬لأن‭ ‬الصراع‭ ‬أصبح‭ ‬مشتتًا‭ ‬بين‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يرسمون‭ ‬ملامحها‭ ‬في‭ ‬وجوه،‭ ‬وشعر‭ ‬وأجساد‭ ‬الشباب‭ ‬التائه‭ ‬أصلاً‭ ..‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬حقيقة‭ ‬الواقع‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬سيطرة‭ ‬‮«‬السوشيل‭ ‬ميديا‮»‬،‭ ‬والاتصال‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬صغيرة،‭ ‬وكبيرة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وفي‭ ‬محتوانا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ .‬

في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬تمت‭ ‬معاقبة‭ ‬الخارجين‭ ‬للذوق‭ ‬العام،‭ ‬والمتجاوزين‭ ‬للخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬في‭ ‬محتواهم‭ ‬عبر‭ ‬مواقع‭ ‬‮«‬التيك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬بالحلاقة‭ ‬صفر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تصويرهم‭ ‬ونشرهم‭ ‬كبورتريه‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ..‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬صيغة‭ ‬لأسباب‭ ‬خروجهم‭ ‬من‭ ‬الحجز‭ ‬إلا‭ ‬صورهم،‭ ‬وهم‭ ‬دون‭ ‬شعر‭ ‬رأس‭ .. ‬وكأن‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬أساسه‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬بانتهاء‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ..‬

لم‭ ‬يشعر‭ ‬المتابعون‭ ‬ولا‭ ‬رواد‭ ‬ومتابعو‭ ‬الجودة‭ ‬بأنّ‭ ‬ثمة‭ ‬قيمًا،‭ ‬أو‭ ‬مشاعر‭ ‬قد‭ ‬اهينتْ‭ ‬مثلًا،‭ ‬أو‭ ‬آنّ‭ ‬هناك‭ ‬تشويهًا‭ ‬للثقافات‭ ‬تمت‭ ‬معالجته‭ ‬بالحلاقة‭ ‬صفر‭.‬

ثم‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أصبح‭ ‬نصف‭ ‬شباب‭ ‬ليبيا‭ ‬حليقي‭ ‬الرأس‭ ‬مثلًا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬هذه‭ ‬الموضة‭ ‬كونها‭ ‬انخراط‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المشاهير،‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬‮«‬التيك‭ ‬التوك‮»‬‭ ‬فارغي‭ ‬المحتوى‭ ‬أصلًا؟‭ .. ‬لماذا‭ ‬نضبط‭ ‬سلوكياتنا‭ ‬بضوابط‭ ‬هشة‭ ‬تمنح‭ ‬الآخرين‭ ‬إيحاءات‭ ‬بتخلفنا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عقوباتنا‭ ..‬

التطور‭ ‬الرهيب‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل،‭ ‬والمفروضة‭ ‬علينا‭ ‬كوننا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬أيضاً‭ ‬إيجاد‭ ‬سُبل‭ ‬حديثة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الانحرافات‭ ‬التي‭ ‬تسببها‭ ‬استعمالات‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ..‬

كما‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬نخصص‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬والعمل‭ ‬لاستثمار‭ ‬فوائده،‭ ‬وإعادة‭ ‬تدوير‭ ‬إفرازاته‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭  ‬مجرد‭ ‬نفايات،‭ ‬أو‭ ‬ركام‭ ‬لسلبيات‭ ‬هذا‭ ‬الغول‭ ‬الذي‭ ‬يخيف‭ ‬كل‭ ‬بيت،‭ ‬وأسرة‭ .. ‬وأن‭ ‬نرتقي‭ ‬بمواجهتنا‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬مجرد‭ ‬حلاقة‭ ‬شعر‭ .. ‬وتنتهي‭ ‬الأمور‭ ..‬‭ ‬متى‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬تشخيص‭ ‬حالاتنا‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬علاجنا‭ ‬فعالًا‭..‬

                            ‬كونوا‭ ‬بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى