التسطيحُ المجتمعي أزاح النخبة بمفهومها الثقافي .. فأكبر شريحة من الشباب تنجذب اليوم إلى «ثقافة الترفيه» لتشكل ملامح الوجه الآخر ونتمنى ان لا تكون تلك صورة المجتمع الأخيرة.. بعد أن أصبح المثقفُ الحقيقي كيانًا مهددًا بالإنقراض وسرعان ما تتعرضُ أعماله الجادة للترهل..لذلك من الصعوبة بما كان إجراء عملية جراحية لتصحيح المسار الثقافي..ومن هنا ينبغي تعزيز المواطنة الحاضنة لهذا التنوّع الجديد..عبر تبنّي استراتيجية اجتماعية تُفضي إلى ثقافة مشتركة بين الأجيال..وتُسهم في بناء إحساس بالإنتماء الوطني..حتى لا نتحول إلى ساحة صراع هوياتي طرفيه التقليدي والحديث..
الأمر يستدعي إعادة بناء الذات وتأصيلها لمواجهة العصر بأدواتٍ وآلياتٍ جديدة..بداية من إرساء ثقافة الإنفتاح التي تساعد على كسر الحواجز..ولا يتأتى ذلك إلا بالاهتمام بجيل المتقاعدين من الآباء، والأجداد حتى لا تضيع بوصلة المجتمع..وضمان بقائهم أطول فترة ممكنة في حياة أجيال اليوم حديثة العهد بتصاريف الدهر، ومازال الطريق طويللًا أمامها لاستلام الراية وبلوغ النضج..
أهم الخطوات هي العناية بالطب الوقائي حيث نجد أن 80% من النفقات الصحية تتعلق بالعلاج..بينما 3% فقط يتم إنفاقها على الوقاية..فمعظم الأمراض التي تصيب كبار السن ترجع إلى عدم تأهيل الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و65 عامًا..ولهذا السبب يعانون من الأمراض عندما تبلغ أعمارهم ما بين 65 و75 عامًا..وهو العقد الأكثر جودةً الذي يمكن أن يقضيه الإنسان بعد التقاعد..حيث يمكن إطالة متوسط العمر المتوقع إذا تم التعامل مع مختلف الحالات الصحية باكرًا..وأهم أسباب تدهور الصحة العقلية والجسدية هي العزلة الاجتماعية والعاطفية..علمًا بأن القليلَ يأخذ هذه المشكلات على محمل الجد..وغيرهم يطلب التدخل لاحقًا بعدما ترتب عن التأخير حدوث المرض ثم يليه العلاج..ويرجع ذلك في الغالب إلى قلة الوعي..كما يضاف إليه غلاء تكاليف الرعاية الصحية..
في الصدَّد نفسه نجد بلدانا تقدم مزايا إضافية مختلفة للمتقاعدين مثل: التأمين الصحي الفعال..وذهاب الطبيب إلى المنزل..وعدد قليل جدًا من الدول يدرك أن العناية الجيدة بالمسنين هي أيضًا استثمار للمستقبل من خلال الجمع بين خبرة المسنين، وديناميكية الشباب..خاصة في عالم يُنظر فيه تقريبًا إلى كبار السن على أنهم عديمي الفائدة..وليس استراحة محارب..قريب من ساحة المعركة..