رأي

كلـمات معالم المدن وطمس الهوية

نجاح مصدق

حول‭ ‬العالم‭ ‬هناك‭ ‬مدن‭ ‬تقف‭ ‬شامخة‭ ‬تحمل‭ ‬تفاصيلا‭ ‬وترسم‭ ‬نقوشا‭ ‬فالذاكرة‭ ‬بما‭ ‬تحتضنه‭ ‬من‭ ‬حجر‭ ‬يروي‭ ‬تاريخها‭ ‬ويحفظ‭ ‬ذاكرتها‭ ‬ويحدد‭ ‬ملامح‭ ‬هويتها

‭ ‬لطالما‭ ‬سحرتنا‭ ‬قلاعا‭ ‬وحصونا‭ ‬وفي‭ ‬شتى‭ ‬البقاع‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬وفن‭ ‬وعمارة‭ ‬ولما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬تاريخية‭ ‬محفوظة‭ ‬لدى‭ ‬أبناء‭ ‬البلد‭ ‬فالمدن‭ ‬التاريخية‭ ‬والآثار‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬حجر‭ ‬مركونا‭ ‬لاروح‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬مجرد‭ ‬اكداس‭ ‬من‭  ‬الصخور‭ ‬الجامدة‭ ‬الملقاة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬شواهد‭ ‬لحضارات‭ ‬وبوابات‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬ونافذة‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬

ان‭ ‬ماتعانيه‭ ‬مدننا‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬زرناها‭ ‬ونحن‭ ‬صغارا‭ ‬في‭ ‬رحلاتنا‭ ‬المدرسية‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬وتعدي‭ ‬وتغيير‭  ‬لهو‭ ‬شيء‭ ‬مؤسف‭ ‬للغاية

ان‭ ‬تغير‭ ‬ملامح‭ ‬الآثار‭ ‬والمدن‭ ‬بجج‭ ‬التطوير‭ ‬والترميم‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬لقانون‭ ‬صريح‭ ‬كقانون‭ ‬حفظ‭ ‬الآثار‭ ‬والمدن‭ ‬التاريخية‭ ‬أو‭ ‬مراعاة‭ ‬للاأساليب‭ ‬العلمية‭ ‬الحافظة‭ ‬لجمال‭ ‬المدن‭ ‬والهوية‭ ‬يعد‭ ‬تعدى‭ ‬سافر‭ ‬وطمس‭ ‬ممنهج‭ ‬لقيمة‭ ‬البلاد‭ ‬وموروثهاإنّ‭ ‬حفظ‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬ترميم‭ ‬جدران‭ ‬وأسقف،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬رحلة‭ ‬عبر‭ ‬الزمن،‭ ‬رحلة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬حضارات‭ ‬عريقة،‭ ‬وفهم‭ ‬أساليب‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬والتأمل‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬الإنسان‭ ‬المعماري‭.‬فما‭ ‬شهدته‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬لملامحها‭ ‬يعد‭ ‬جريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬هدم‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬بالخير‭ ‬وعمارتين‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬عمر‭ ‬المختار‭ ‬ونزع‭ ‬مواد‭ ‬وحجارة‭ ‬نافورة‭ ‬الخيول‭ ‬بميدان‭ ‬الشهداء‭ ‬واستبدالها‭ ‬ببلاط‭ ‬حمامات‭ ‬السباحة‭ ‬إضافة‭ ‬الي‭ ‬ترميم‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭  ‬المواد‭ ‬الأصلية‭ ‬لحفظها‭ ‬مثل‭ ‬ماحدث‭ ‬بيت‭ ‬القرمانلي‭ ‬وبيت‭ ‬الفقي‭ ‬حسن‭ ‬ومباني‭ ‬القنصليات‭ ‬ودار‭ ‬كريستا‭ ‬وهدم‭ ‬زجاج‭ ‬قبة‭ ‬جالريا‭ ‬ماريوتي‭ ‬واستبداله‭ ‬ببلاستيك‭ ‬وتشويه‭ ‬جامع‭ ‬الناقة‭ ‬واستخدام‭ ‬الوان‭ ‬مخالفة‭  ‬تقليدا‭ ‬لمدن‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬هويتنا‭ ‬العمرانية‭ ‬ذلك‭ ‬وأكثر‭ ‬سوف‭ ‬يجعل‭ ‬مدننا‭ ‬بلاهوية‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بحجة‭ ‬الصيانه‭ ‬والتطوير‭ ‬فالمبالغ‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬للصيانة‭ ‬المخالفة‭ ‬الأجدر‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬لحفظ‭ ‬هذه‭ ‬المباني‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مختصيين‭ ‬وخبراء‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬وخارجها

ان‭  ‬مسؤولية‭ ‬حفظ‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية‭ ‬والاثار‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬جهة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬جماعية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الجميع،‭ ‬أفرادًا‭ ‬ومؤسسات‭ ‬وحكومات‭ ‬وعلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬بحفظ‭ ‬التراث‭ ‬أن‭ ‬تبذل‭ ‬الجهود‭ ‬لترميم‭ ‬هذه‭ ‬المباني‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيلها،‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬متاحف‭ ‬أو‭ ‬مراكز‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬معالم‭ ‬سياحية‭. ‬وعلى‭ ‬الحكومات‭ ‬سن‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬هذه‭ ‬المباني‭ ‬من‭ ‬التدمير‭ ‬أو‭ ‬الإهمال‭ ‬لكي‭ ‬نستثمر‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بما‭  ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬هويتنا‭ ‬وثقافتنا،‭ ‬ويغرس‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬وذاكرتهم‭ ‬البصرية‭  ‬قيمة‭ ‬الوطن‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بتراثه‭ ‬ومعالمه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى