حول العالم هناك مدن تقف شامخة تحمل تفاصيلا وترسم نقوشا فالذاكرة بما تحتضنه من حجر يروي تاريخها ويحفظ ذاكرتها ويحدد ملامح هويتها
لطالما سحرتنا قلاعا وحصونا وفي شتى البقاع لما لها من جمال وفن وعمارة ولما لها من قيمة تاريخية محفوظة لدى أبناء البلد فالمدن التاريخية والآثار ليست مجرد حجر مركونا لاروح فيه ولا مجرد اكداس من الصخور الجامدة الملقاة هنا وهناك بل هي شواهد لحضارات وبوابات مفتوحة على التاريخ ونافذة على الهوية
ان ماتعانيه مدننا الجميلة التي زرناها ونحن صغارا في رحلاتنا المدرسية من إهمال وتعدي وتغيير لهو شيء مؤسف للغاية
ان تغير ملامح الآثار والمدن بجج التطوير والترميم دون مراعاة لقانون صريح كقانون حفظ الآثار والمدن التاريخية أو مراعاة للاأساليب العلمية الحافظة لجمال المدن والهوية يعد تعدى سافر وطمس ممنهج لقيمة البلاد وموروثهاإنّ حفظ المباني التاريخية ليس مجرد ترميم جدران وأسقف، بل هو رحلة عبر الزمن، رحلة لاكتشاف حضارات عريقة، وفهم أساليب الحياة في الماضي، والتأمل في إبداع الإنسان المعماري.فما شهدته مدينة طرابلس من تغيير لملامحها يعد جريمة يعاقب عليها القانون من هدم جزء كبير من منطقة بالخير وعمارتين من شارع عمر المختار ونزع مواد وحجارة نافورة الخيول بميدان الشهداء واستبدالها ببلاط حمامات السباحة إضافة الي ترميم المدينة القديمة دون مراعاة المواد الأصلية لحفظها مثل ماحدث بيت القرمانلي وبيت الفقي حسن ومباني القنصليات ودار كريستا وهدم زجاج قبة جالريا ماريوتي واستبداله ببلاستيك وتشويه جامع الناقة واستخدام الوان مخالفة تقليدا لمدن تونس التي لا تمثل هويتنا العمرانية ذلك وأكثر سوف يجعل مدننا بلاهوية كل هذا بحجة الصيانه والتطوير فالمبالغ التي تدفع للصيانة المخالفة الأجدر أن تدفع لحفظ هذه المباني تحت إشراف مختصيين وخبراء من داخل البلاد وخارجها
ان مسؤولية حفظ المباني التاريخية والاثار لا تقع على عاتق جهة واحدة، بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع، أفرادًا ومؤسسات وحكومات وعلى المؤسسات المعنية بحفظ التراث أن تبذل الجهود لترميم هذه المباني وإعادة تأهيلها، وتحويلها إلى متاحف أو مراكز ثقافية أو معالم سياحية. وعلى الحكومات سن القوانين والتشريعات التي تحمي هذه المباني من التدمير أو الإهمال لكي نستثمر في المستقبل بما يحافظ على هويتنا وثقافتنا، ويغرس في نفوس الأجيال القادمة وذاكرتهم البصرية قيمة الوطن والاعتزاز بتراثه ومعالمه