ويحل الخامس من يونيو في ذكراه السابعة والخمسين لعامه السابع والستين، الذي دخل فيه تاريخنا العربي فتكون له انعكاساته وقبل ذلك تقدماته التي التي قُدِّرَ لنا معشر شيوخ ليبيا اليوم ممن كان الوعي السياسي قد حقق ما جعله يقرأ الكثير مما كان يجري بفهمٍ، ويستشرف ما كان ينذر به في قلقٍ، فقد مضى على تصدير البترول سنواتٍ خمسٍ، وازدادت الموارد إلى الحد الذي جاء بفُرصٍ من العمل غير مسبوقة، وحضورٍ عربي قابله البعض بفهمٍ وحذرٍ، وعجزَ البعض الآخر على التعاطي معه بما يستحق من استشعار المسؤولية وحسن التدبّر. ومع أن النشاط الصحفي كان في بداياته من حيث الصحافة الخاصة التي لم تزد في العمر عن سنواتٍ محدودةٍ، إلا أن بعضها حين نتذكر ما كانت تنشره من تحركات الأشقاء الفلسطينيين وصراعهم كان يدل على ما ينذر به المستقبل، فقد كانت صحيفة الميدان التي صدرت تنفيذاً لحكم المحكمة العليا وما توفر عليه بعض جيل الآباء من التعقّل والاستعداد لتوسيع الدائرة، قد أفلحت في أن تتخذ من القضية الفلسطينية مجالاً للحوار ومبشراً بالأمل لتكون ما عُرِفَت بالصفحة الثالثة مجالاً للحوار والانفراد بالأخبار، ما يجعلها تفوق الكثير من الصحف العربية وتختلف عن نظيراتها مجتمعة في بحث المستجدات وتوقع الكثير من النتائج، الأمر الذي لم يكن موضع ترحيب من عديد الأطراف التي تعودت على تأييد السلطة وبالأحرى القادة، في تجاهلٍ مخجلٍ للمصلحة الوطنية ويأسٍ من أي محاولةٍ تدل على الإصلاح ولو ببناء بعض المساكن والمستشفيات إلى جانب المدارس، فالسلاح ولا شيء غير السلاح هو ما يأسر اهتمام العوام وطلائعهم، على الرغم من أن عديد المراقبين كثيراً ما حذّروا من تغيير «الموديلات» وهي في مخازنها، فليس لها إلا أن تُزوَّد بمستجداتها وإلا فستبقى «خردة» كما يقولون، والمهم أن الحرب قد نشبت وانتهت وكانت ردة فعلنا إحراق مدينتنا، أما الناضجون من أصدقائنا الفلسطينيين فكانوا يتميزون غيظاً لإدراكهم أن الهزيمة ستؤخر قضيتهم لما لا يقل عن عقدين من الزمن حالة ما إذا بدأ العمل الجاد؛ ولأن العدو سيكون أقدر على كسب الوقت، فإن الخسارة ستتضاعف وقد كان أسهل طرقنا أن نصف أصحاب هذا الرأي بالمشككين والمثبطين حتى أننا تبنينا فكرة الاستغناء عن عملهم ليس فقط بعدم تجديد عقودهم بل بإلغاء بعضها وإلحاقها بالمضايقة في الإقامة وما زلنا نتذكر فضل السيد حسين مازق رئيس الوزراء في تلك الأيام لعدم اعتداده برغبات وزير الداخلية في عدم التجديد بل وإلغاء الإقامة لإعلامي كفؤ وقومي مثل المرحوم عمر علي، المقيم بتأشيرة عمل وزواج من ليبية، فلم يعدم من يسعى لمضايقته لمجرد اكتشاف هويته الفكرية رغم تكتمه القوي عليها، وعندما يحل الخامس من يونيو بعد هذا الزمن تحل معه ذكرياتنا عن تلك الأيام التي شهدت ما منَّ الله به من التفرد في الوعي، ونضيف إليه اليوم كثير التسامح وقوة الإيمان بأن الأوطان للجميع، وأن الهزائم لا تُعالج بالانقلابات أو إعدام الرجال.. فليس شرطاً أن يبقى الحكام فوق كراسيهم أو يموتون، فمن الممكن أن يغادروها ويبقوا أحياء ويقرأوا بوعي قصيدة نزار الشهيرة هوامش على دفتر النكسة.