ذكرتني مقالة عن شيوع ظاهرة الانتحار في بلد عربي بكتاب طريف قرأته منذ سنوات عنوانه:
)سيجىء الموتُ وستكون له عيناك، مائة وخمسون شاعرًا انتحروا في القرن العشرين(، للكاتبة والشاعرة اللبنانية جمانة حداد، وجملة العنوان استعارتها المؤلفة من قصيدة للشاعر الإيطالي «تشيزاري بافيزي» المنتحر عام 1950م.
هذا الكتاب يُعرِّف بـ122 شاعرًا و28 شاعرة أنهوا حياتهم طواعية، وهم من مختلفي الجنسيات والديانات والاتجاهات الفكرية، وما يهمنا هو أن نذكر العرب منهم، وتاريخ وفاة كل منهم:
ـ من مصر فخري أبو السعود 1909ـ1940م، وصالح الشرنوبي 1924ـ1951م، وناهد طه عبد البر 1920ـ1950م، وأحمد العاصي 1903ـ1930م، ومنير رمزي 1925ـ1945م.
ـ من لبنان خليل حاوي 1919ـ1982م، وأنطوان مشحور 1936ـ1975م.
ـ من سوريا عبد الباسط الصوفي 1931ـ1960م.
ـ من الأردن تيسير سبول 1939ـ1973م.
ـ من العراق إبراهيم زاير 1944ـ1972م، وقاسم جبارة 1935ـ1987م.
ـ من الجزائر مبارك جلواح 1908ـ1943م، وصفية كتو 1944ـ1989م، وعبد الله بوخالفة 1964ـ1988م،
ـ من المغرب كريم حوماري 1972ـ1997م،
ـ من السودان عبد الرحيم أبو ذكرى 1943ـ1989م.
ومن الغريب أن مؤلفة الكتاب غفلت عن ذكر شاعرة من بلدها انتحرت عام 1982م هي آمال جنبلاط، ابنة عم الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، وزوجة الشاعر سعيد عقل.
ومن الطريف أن المؤلفة قالت في لقاء صحفي: إنها لم تحزن لموت هؤلاء الشعراء، بل هي معجبة بما فعلوه، وتعشقهم، لأنهم بادروا طواعية بالذهاب إلى العالم الآخر بدلا من أن يجبروا عليه،
ومن الملاحظ أن معظم هؤلاء الشعراء أنهوا حياتهم وهم في ريعان شبابهم، وأنهم غير معروفين للقارئ العربي، ولعل أشهرهم الشاعر المتميز خليل حاوي الذي يعد أحد رواد الشعر الحديث، فقد أفرغ في رأسه عيارًا ناريًا من بندقية صيد، احتجاجًا على دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت في 6 يونيو 1982م.
ومن الملاحظ أيضا أن انتحار هؤلاء الشعراء حدث في فترة شهد خلالها الشعر العربي ثورات متتالية وتقلبات سريعة، منتقلا من الرومانسية إلى الواقعية والرمزية فالسوريالية.
بالإضافة إلى هذا فإن عددًا من هؤلاء المنتحرين عاصروا اضطرابات وتقلبات سياسية واجتماعية في بلدانهم، فقد تولى الحكم فيها العسكر الذين قمعوا الحريات ومارسوا العنف ضد معارضيهم، وخلال عهودهم التعيسة تصارعت الأيدولوجيات فيما بينها لأجل السيطرة، فانتشر الفكر الماركسي مع فكر القومية العربية، في مواجهة مجموعة من تشكيلات تيار الإسلام السياسي، واعتنق عدد من هؤلاء الشعراء هذه الأيدولوجيات المتصارعة وشاهدوا فشلها وسقوطها، وهو ما أشاع في نفوسهم الحزن والاكتئاب والقنوط والانكفاء على الذات.
حفظ الله شعراءنا وشاعراتنا من كل سوء.
عادل بشير الصاري