العملُ الفني يكتسبُ قيمته من قوة مضمونه، وقدرته على التأثير، وجعل المتلقي يتعاطف مع العمل، ويتواصل معه سواء أكان جنسًا أدبيًا مثل : )قصة، أو قصيدة(، أو فني مثل : )أغنية أو لوحة(، وتقاس قوة العملِ الإبداعي بمدى نجاحه في صناعة محتوى يستفز المتلقي، ويحرك مشاعره.
عندما يفلحُ الفنانُ في رسم لوحة، وينجح في تضمينها، وتلوينها، ويهدف بها تجسيد حالة إنسانية عامة وتُشكِل ظاهرة تتكرَّر باستمرار في كل مكان، وزمان يكون الفنان قد نجح في تصميم المحتوى، وملك القدرة للتعبير عنه في تجسيد هموم الإنسان، ومعاناته أينما كان، يكون بهذا المحتوى قد حقَّق العالمية في تجاوز المستوى المحلي إلى التعامل على المستوى العالمي.
الشهرة العالمية ليستْ أكثر من تقديم عمل فني عابر للثقافات يخاطب الإنسان أينما كان ومتى كان، ذلك عندما ينجح في تقديم عمل يتصف موضوعه بالعالمية، ويتسم بعمق الدلالة التعبيرية، وبراعة المهارة التصويرية .
من وجهة نظري المتواضعة أقول – وأنا مجرد متذوق، وليستُ ناقدًا محترفًا – استطاعتْ الفنانة سعاد الشويهدي تحقيق هذا الإنجاز في لوحتها التي يمكن تسميتها )المناحة(، أو )البكاء الجماعي(، هذا العملُ الرهيبُ يمثل قمة التراجيديا، وكم شهد العالم مشاهد البكاء الجماعي، وكم تألم النَّاسُ بشكل جماعي من الحروب الأهلية، والصراعات دولية، وكم عانتْ الشعوب من مذابح وعمليات تصفية عرقية، رغم كل هذه المآسي لم يستطع الفن التشكيلي تجسيد هذه الوقائع المؤلمة في الواقع الإنساني.
كلما أتامل في لوحة الفنانة سعاد الشويهدي أجدها المزدحمة بالأجساد المتلاصقة كلها مشغولة عن غيرها تمسح دموعها وتبكي بحرقة، في اللوحة الجميع يبكي كأنَّني أسمع النواحَ والنحيبَ في عزاء الجماعي، يرسم بكاء الإنسان على الإنسان الذي لم يتوقف طوال التاريخ عن البكاء.
سجل التاريخ كثيرًا من لحظات الجنون المرعبة؛ جماعة أرادت ذبح جماعة آخرى، عملية إبادة جماعية لأهداف عرقية عنصرية خبيثة، أو لأسباب سياسية حاقدة، مذابح مؤلمة سجلها التاريخ مثل مذبحة )الأرمن(، ومحرقة )الهيلوكوست( في بولندا ومذبحة )دير ياسين( في فلسطين، ومذبحة )سريبرينيتشا( في البوسنا والهرسك، ومذبحة )صبرا وشاتيلا( في لبنان، ومذبحة )سجن أبوسليم( في طرابلس، ومذبحة )الإيغور( لمسلمي الصين، ومذبحة)غزة( في فلسطين.
لوحة البكاء الجماعي للفنانة )سعاد الشويهدي( تعد اللوحة الأولى على مستوى العالم التي تناولتْ هذا الوجع الإنساني، رأيتُ فيها بؤسَ الحياةِ، وبشاعةَ الإنسانِ عندما يستخدمُ ذكاءه، أو دهاءه في قتلِ غيره.
كم هي بشعةٌ، كم هي مرعبةٌ، المآسي التي سبَّبها البشر للبشر، بدأتْ بمحاولة صلب المسيح، وحرق روما، وتدمير بغداد ولذا وجب على الفنانين فضح هذه الوحشية، وتجسيدها في أعمال فنية خالدة لعلها تنشر ثقافة السلام، واللاعنف، وتُسهم في تطهير، وتهذيب النفوس.