للعبة ما مع القدر ومفاجآت الحياة لم يبق سواه على رأس الهرم ،كانت حالة اشبه بالصحو من سبات أهل الكهف والعودة إلى أزمنة اختفت في زحام الذاكرة حتى لم يتبق منها شيء، هكذا كان يتوقع الجميع وهكذا ظن هو ايضا في نفسه
عندما استقبلته أسرة أخيه المتوفى لم يتمكن من نصب عموده الفقري بشكل مستقيم حتى يحضن الرؤوس الصغيرة ويربت على اكتاف الكبار؛
كل ما فعله مسح عينيه بشده بطرف منديله ناصع البياض في وسطه والمزخرف بنقوش على الحاشية تبدو كالتواءات أفعى
اغمض عينيه أكثر من مرة لعله يرى بوضوح هذا المكان اقترب من الشفاه والهامات الصاخبة بالحفاوة ..همهم ..حرك رأسه كانّه يرسل إشارة للكف عن إلحاح السؤال ،تبسم ابتسامه مغلولة إلى وقاره ثم انتظر ان يفسح له مكانا في الحجرة القريبة من باب المنزل
لكن شيء ما غير الوجهة حتى انه لوهلة ظن بان الزهايمر في أوج تمكنه لدرجة أنسته أين ينبغي له ان يكون ويجلس
سيق إلى جلسة ذات ارائك وفرش عالية انتظر بسكون البحر حين يبتلع سرا ان يحين وقت المغادرة فالمكان خال من أصوات تأتي من بعيد حتى الروائح الذي لازال قادرا على تمييزها كانت مختلفة
بن برازيلي ورغوة تعلو الأكواب وقطع من الحجارة القاسية على الأسنان تصطف في صحن صغير من البلور بمحاذاة القهوة ..نظرة التعجب المتسائلة كانت تبحث فالانحناء لا شاي على البراد ولا رغوة ..لا خبزمصنوع بايدي حانية ساخن يقتفي اثره خلف ليال ضائعة كانت قد زاحمت ذات المكان
ولأن الأماكن طاردة لغير المنسجمين وقف قبل الجميع قاصدا الباب الرئيس للخروج وكأن الزمن آن للملمة بعضه و دون ان يسلم على احد بعد فتور يعقب حفاوة مجاملة و وسط الجلبة تسللت روحه الغريبة تبحث عن اثر قديم يدلها لمنفاها
وقف أمام الصالون هكذا اصبح يسمى او حجرة استقبال تفحص المكان هو ..نعم هو.. داخله يحمل يقينا بانها المربوعه لكن شيئا ما أحال الطلاء إلى ألوان وسحب لا يعهدها شيئا ما قلب الفرش والوسائد النحيلة والكليم الى منابر مستوحاة من بداوة بعيدا عن هنا
للحظة لمح اشقائه الأربعة وهم يأكلون على الأرض ومتكىء والده وسط المربوعة والنافذة التي يعلق عليها عكازه والفرملة ذات الجيوب الواسعة المتلئة بسخاء وصورة من وحي قرآني لطالما نظر اليها الجالسون عن إسماعيل وكبش الفداء …لوهلة تذكر الرفاق والمتخاصمون ذات عشية وهم يتحاكمون للفض وسط هذه القاعة التي كانت تشكل محكمة عرفية في ذاكرته التعبة
حتى أصوات الأهل وروائح الموائدة العامرة بالود انبثقت أمام ناظره
عصف هز ماتبقى من حيله للمقاومة وحنين أجثر اعماق روحه.. انتصب فجأة على استقامته.. مد بصره ورفع رأسه و همهم:
وين الجرد ..ثم اغمض عينيه كمن يعانق الغائبين بعد طول اشتياق وسقط المنديل المزركش- منكمشا على نفسه مع بقايا من ماء رطب بالوحدة لازال عالقا- أمام باب المربوعة.