د. شوقي معمر أستاذ التاريخ القديم
إنّ أهمية الحدث التاريخي إنه يمثل عمق الهوية الوطنية وذاكرة الوطن وخاصةً لو كان ذلك الحدث يتمثل في بطولات وتضحيات لابناء وطني ليبيا، ويمثل تلك الأحداث التاريخية كيان وتاريخ مجتمع عبر كل العصور .
* ويعد الحدث التاريخي أيضًا من معالم الشخصية الوطنية التي تكون رموزًا وطنية تبقي دائمًا رمزًا للمجتمع والوطن .
* ولا يخفي عن كل مطلع احداث السفينة «فيلادلفيا» وما تمثله من حدث تاريخي ووطني مهم ولست هنا لسرد احداث تلك الملحمة التي سطرت فيها البحرية الطرابلسية ملحمة من ملاحم العزة من تاريخ هذا الوطن وما نتج عن تلك المعركة البحرية التي ادت إلى أسر السفينة «فيلادلفيا»، وأسر بحارتها ومن ثم انتهت بحرق السفينة من قبل الأمريكيين لتبقى ذكرى خالدة لدى الليبيين وتاريخ البحرية الأمريكية التي خلصت تلك الملحمة في نشيد البحرية الأمريكية إلى وقتنا هذا.
وتقول الروايات إنَّ سارية تلك السفينة زينت بها أسوار قلعة طرابلس «السرايا الحمراء»، وإن الايطاليين عثروا عليها سنة 1922 حسبما هو مكتوبٌ على تلك الرخامة تحت السارية مباشرة وأصبحت تلك الساريا شاهدًا ورمزًا وطنيًا لدينا كاليبيين وإنني لا ألوم المواطن البسيط الذى صدق واخذ بتلك المعلومة بقدر المسؤولية التاريخية والاخلاقية والوطنية على الجهات الرسمية التي اختلقت تلك المعلومات دون التحقَّق من صحتها أو من عدمها.
ترى كيف استقى كاتب تلك المعلومات عن سارية السفينة «فيلادلفيا»؟، وأين مصادره التاريخية فإذا تحدثنا عن التاريخ ومصادره فلا وجود لمصدر واحد يؤكد وجودها أو العثور على سارية السفينة فمثل ذلك الحدث يمثل حدثًا وطنيًا وسياسيًا حتي للايطاليين لوجود صراع سياسي وقومي بين دول الحلفاء والمحور إن ذاك الاكتشاف يعد حدثًا مهمًا وغير عادي ولكن لا نجد ولو اشارة على إن السارية الموجودة على اسوار القلعة للسفينة «فيلادلفيا»؛ فالصور المنشورة في المقال تعود لسنة 1932 وايضًا الصورة الاخرى لاستعراض عسكري حضره بـ«البو» حاكم ليبيا إن ذاك سنة 1934 لا وجود لتلك السارية على أسوار القلعة وعند البحث في صور الأرشيف الإيطالي عثرنا على صورة لتلك السارية سنة 1936 كشعار أو رمز لمدينة طرابلس فقط والاغرب من ذلك لماذا لم تحضَ تلك السارية بالاهتمام من الحكومة الأمريكية، ولم تشر إليها حتي إشارة لأهمية الحدث التاريخي حيث تعتبره رمزًا من تاريخها الحربي في المتوسط؟ فكل المصادر تشير أن السفينة فيلادلفيا USS Philadelphia تم تدميرها بتاريخ 19 فبراير 1804 عندما صدرت الاوامر .. إما باستعادتها أو تدميرها فقامت مجموعة من البحرية ألامريكية بالدخول إلى ميناء طرابلس عن طريق سفينة بريطانية واحرقت تلك السفينة، واعتبره الأمريكيون عملاً بطوليًا لهم وخلد اسمها في نشيد البحرية الأمريكية إلى حد الآن ولا يزال حطام تلك السفينة تحت مياه شواطيء طرابلس ؤإلى يومنا هذا ..
وفي 7 أبريل 1871 بعد 70 سنة تقريبًا قام باشا طرابلس وقتها بإهداء مرسى السفينة أثناء زيارة السفينة غورير «Guerriere» لميناء طرابلس واعيد إلى الولايات المتحدة؟.
فهل من المنطق ألا تطالب الولايات المتحدة بسارية السفينة بعد طرد القوات الإيطالية وهزيمتها في الحرب العالمية الثانية ودخول القوات البريطانية لطرابلس ولم يهتم الأمريكيون باسترداد سارية سفينتهم واهتموا بمرسى تلك السفينة فقط؟!.
كان لا بد من توضيح الأمر وللحقيقة التاريخية فعند زيارة القذافي للسرايا الحمراء في ثمانينيات القرن الماضي سُئل عن تلك السارية وسبب وجودها على أسوار القلعة واعتقد هو شخصيًا أن تكون من بقايا الباخرة «فيلادلفيا» لولعه الشديد واعجابه بتلك الملحمة التاريخية فاكمل بعض المطبلين ومزوري التاريخ اختلاق تلك الخرافة واخذ الأمر بجدية تامة وصدرت التعليمات بوضع شاهد على تلك السارية وكتابة تلك المعلومات المضلّلة للأسف الشديد وتصبح تلك السارية رمزًا وطنيًا وشاهدًا تاريخيًا من تاريخ لا وجود له بتاتًا الحقيقة أن تلك السارية وضعها الايطاليون كرمز أو شعار لمدينة طرابلس أثناء حكم بـ)البو(.
أما ما كتب في ذلك الشاهد عن عثور السلطات الإيطالية على سارية تلك السفينة غير صحيح ولا وجود له في المصادر الايطالية بتاتًا . وليس هذا وحسب بل هناك العديد من المواقع الأثرية والتاريخية كتب عنها بالطريقة نفسها داخل المدينة القديمة بطرابلس مستندين على خيال وشطحات ممن يدعون معرفتهم بالتاريخ وجلها معلومات خاطئة لا علاقة لها بالتاريخ للأسف ولا زالت هذه الثقافة متأصلة فينا حتى وقتنا هذا .