ليس من السهل وبعد مرور عام بأكمله على كارثة درنة ان نفتح ملف موجع مثل هذا الملف فقد لانه اكبر كارثة طبيعية حلت بالبلاد فقدنا فيها اهل واحباب واصدقاء وأبناء وطن .. درنة التي بكت الارض لأجلها وبقيت جرحا غائرا في جسد الوطن درنة ذاك الوجع الذي لا زال يسكننا وكأنها كارثه حلت بنا اليوم ..
كارثة درنة موجعة أدمت قلوب كل الليبيين سماها الكثير بفاجعة وطن والتي كانت تحديدا في 11/9/2023 ذكرى لا زالت عالقه في اذهاننا بكل صورها وتفاصيلها المرعبة من أُناس تستنجد و تتلمس حجم الخطر وصور التدفق المخيف في سيول هائجة وخاصة بعد انفجار السد الذي أخذ في طريقه كل شيء من أرواح وممتلكات وأشجار لتختفي بعدها وفي لمح البصر أحياء بأكملها ابتلعتها الارض وأخذها البحر إلى المجهول ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي وفي آخر بث مباشر عند مسجد الصحابة وقبل انقطاع الاتصالات والكهرباء عند الساعة 3:00 ليلا عاشت مدينة درنة والمناطق المجاورة لها أحد أشد اللحظات فزعا ورعبا في تاريخها نتيجة الفيضانات والسيول بعد انهيار السد لتتحول لحظات الخوف العابر والدعاء الى صرخات الم وحزن و قصص مؤلمه لفقدان متوالي اختفت مباني وسيارات ابتلعها البحر بأهلها إلى أب فقد جميع أفراد عائلته في لمح البصر إلى ام ثكلى فقدت أولادها وأهلها وجيرانها واحبابها مشهد مفزع صوره العديد بأنه صورة من صور يوم القيامه!!
البعض لا يلوم السد وانهياره فقط لأن التاريخ سجل بان درنة الجميله واجهت العديد من الفيضانات التى كانت سببا لإنشاء لهذه السدود )رغم إيماننا بأن قدرة الله فوق كل شيء( ففي عام 1941 كان هناك فيضان ثم فيضان 1954 وفيضان 1959 فقدت فيه عائله واحده ولم يتجاوز حواف الوادي ثم كان فيضان او لنقل طوفان 2023 وإن كان هذا الأخير هو الطوفان الأكبر في كل شيء من فقدان الأرواح والممتلكات وكمية الأمطار بصورة مرعبه هذا الطوفان الذي شق طريقه بكل قوة وعنفوان رهيب ليأخذ في طريقه كل شيء من أرواح ومنازل ومزارع في اعلى وادي الشواعر ليصل لفم الوادي ويفصل شيحه عن باب طبرق لينزل الى وسط درنة وجرفها الى البحر وجرف منطقة جامع العتيق بالكامل عماره الاوقاف وعمارات أخرى شاهقة فاقت السبعة أدوار يجرفها الى عمق البحر ومنطقة ذيل الوادي ويفصل درنة الزاهية الى شرق وغرب ويكسر ظهرها وظهرنا في حادثة تاريخية مؤلمه ولا ننسى ذلك الفيديو لغطاسين رغم كبر سنهم وخبرتهم في الحياة بعد أن انصدموا بالأعداد الكبيرة للجثث ويصرخ أحدهم ويده فوق رأسه وهو في البحر ويقول ام بركات معبيه فل صبايا ورجاله وعيال صغار) .. ويقصد منطقة ام بريكات بعد الساحل الشرقي من درنه وجثث أخرى انجرفت لكهوف صعبه و أودية مثل وادي الهرشمه..
فهناك الكثير من الناجين لم تفارقه الى يومنا هذا اللحظات الأولى للكارثة ويقول) صوت الامطار القوية وجريان السيول المرعب وصوت انفجار السد المخيف وصراخ ورجفه الناس كأنها كانت بالأمس فقط( الأمر الذي جعل الكثير يعانون الى يومنا هذا الصدمة التي تلت فاجعة وهو ما شخصه الكثير من الأطباء في علم النفس باضطراب ما بعد الصدمه بل صرح العديد من الأطباء بأنه بالفعل تمت إحالة الكثير من الناجين الى مراكز متخصصة لعلاج تحت اشراف فرق الدعم النفسي وهو ما صرحت به الدكتورة صبريه الشاوش كما ورد في وكالات خاصة وان هناك أطفال ونساء قضوا أكثر من 20 ساعه تحت انقاض منازلهم أو جرفتهم المباني الى أماكن بعيدة صحبة جثث اشخاص آخرين أو جثث عائلاتهم..
إن ما حدث في درنة لا يقتصر على الإعمار فقط ومحاولة إحياء درنة من جديد بقدر ما هي بحاجة موازية الى فرق الدعم النفسي والاجتماعي والتي تستمر حتى لسنوات قادمة ما يمكننا قوله ان الذكرى الاولى لإعصار دانيال والذي سبب في كارثه ادمت قلوب وابكت عيون كل الليبيين على أهلنا في مدينه الصحابة درنة الزاهرة فقدنا فيه الالاف من اهالينا ولكن رغم الحزن والألم الذي اعتصر قلوب الليبيين الا انهم كتبوا سطرا جديدا في التاريخ الليبي مداده التعاون والتآزر والإخاء فكان الالاف من المتطوعين لعمليات الانقاذ كبارا وشبابا نساء وفتيات برهنوا على اصالتنا ووحدتنا كليبيين فتحولت درنة في ساعات الى رمز الوحدة الوطنية والحزن المشترك تقاسمه كل أفراد الشعب الليبي وستظل تلك اللحظات محفورة في ذاكرة كل الليبيين فهي مأساة فاقت حدود الخيال وتركت أثرا لن يمحى من قلوبنا فقد لان هذا الاعصار وذاك السيل لم يقض على أرواح الاطفال والنساء والرجال فقط بل قضى على ملامح مدينة جميلة وعلى شوارعها ومنازلها واهلها )اللهم لا اعتراض(.
فلو تكلمنا عن خسائر هذه الكارثه وما يهمنا هنا في المقام الأول هو الارواح البشرية نسأل الله ان يرحمهم ويغفر لهم ونحتسبهم عند الله من الشهداء مع الصحابه والأنبياء بجوار سيد الخلق محمد عليه الصلاه والسلام فإننا نتكلم عن رقم ما بين 40 الف الى 11,000 ضحية ناهيك عن عدد المفقودين الذي لا يزال رقمه مجهول . ولا زال هنالك تباين في تقدير الأعداد الفعلية لضحايا هذه الكارثة الطبيعية وحسب ما ورد عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقد أشار البنك الدولي الى حجم الخسائر المادية جراء احداث درنة قدر بحوالي 65% دولار حيث تضررت حوالي 16.5 ألف وحدة سكنية أي ما يعادل 7% من مجموع الوحدات السكنية في كامل أنحاء البلاد وأن الهلال الأحمر صرح بأن فرقه قد تلقت بلاغات عن فقدان حوالي 3.975 شخصا وانتشال 2.317 جثمانا طيلة فترة عملها في المدينة لمدة ثلاثة أشهر يجدر الاشارة الى انما حدت في درنة قد نبهت عليه المنظمة العالمية الارصاد الجويه كما ورد في الوسط التابعه للامم المتحده والتي اشارت الى ان ليبيا من الدول الافريقية التي تحمل عبئاً ثقيلا و متزايدا جراء تغير المناخ والدليل على ذلك ما حدث فى الجنوب الليبي ومن وسط الصحراء من سيول وفيضانات وتابعت المنظمة تصريحها بأن من الدول الافريقية بما فيها ليبيا تخسر ما بين 2 الى 5% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط نتيجة الظواهر المناخية المتطرفة واحيانا ترتفع لتصل الى 9%
وفي هذا المقام نشير كذلك الى ان ما حدث في سبتمبر العام الماضي 2023 عندما ضربت عاصفة متوسطية عدة دول في حوض المتوسط وهي اليونان وتركيا وبلغاريا وليبيا ومصر فإنها تسببت في خسائر مادية كبيرة قدرته السلطات اليونانية لوحدها بأكثر من 2 مليار دولار وسببت في مقتل خمسة اشخاص في تركيا إلا أن الضرر الأكبر للعاصفه كان في ليبيا وبالتحديد في مدينة درنة في صوره مفزعه ومخيفه لكارثة فاقت إمكانيات المنظمات الدولية وليس المحلية فقط.
ولكن هذه الكارثة الطبيعية كشفت الغطاء عن ما هو مستور من عدة نقاط منها بناء المنازل في مجرى الأودية ليس في درنة فقط بل في كل بقاع ليبيا وهو خطأ كبير دفع ثمنه أبناء مدينة درنة والدولة كانت طرف فيه بعدم إصدارها قوانين تجرم وتخالف البناء في مثل هذه الأماكن حتى تترك مجال لمجرى الأودية وتأخذ طريقها بكل انسيابية نحو البحرالى عدم المبالاة وتحمل المسؤولية وتأجيل الاهم قبل المهم فمرارا وتكرارا نبهنا إلى ان تهالك البنى التحتية وعدم الاهتمام بها في الصيانة الدورية المكثفة وليس الهامشية بات امر بالغ الاهمية خاصة فيما يتعلق بالسدود التي اغلبها تم انشائها منذ عقود و منذ عقد السبعينات من القرن الماضي الا ان حلت بنا الكارثة درنة التي اوجعت قلوبنا و أنهكت قوانا وسنبقى نذكر اهالينا من ضحايا درنة ونرفع ايدينا الدعاء والصلوات لاجلهم رحم الله كل الضحايا وأهم الصبر لكل من بقي من ذويهم.