في النصف الأول من سبعينيات القرن الفائت قامت الحكومة بمسح أراضٍ لتقيم عليها مخططات سكنية وزعت على المواطنين بمبلغ زهيد .. وفتحت أبواب المصرف العقاري لمنح القروض التي كانت لا تتعدى الأربعة آلاف وخمسمائة دينار عندما كان سعر كيس الأسمنت لا يتجاوز الربع دينار..
تقدم أبي فتحصل على قطعة أرض ولكي يفوز بقرض عقاري لا بد من استكمال الإجراءات والتي من أهمها خلو الأرض من العوائق..
كان أبي ضابطًا بالشرطة.. ملتزمًا بالقوانين واللوائح..
من المصادفات أن قطعة الأرض بها شجرة زيتون بري .. حاول والدي بكل الطرق المحافظة عليها .. لكن المقاول وكذلك المهندس المدني الذي رسم الخريطة أصرا على إزالة الشجرة المباركة لوقوعها في وسط قطعة الأرض ولا مفر من ذلك..
جيراننا وأغلبهم من منتسبي الشرطة استكملوا بناء بيوتهم وأبي مازال من مكتب إلى مكتب ومن مصلحة إلى مصلحة بين التخطيط العمراني وأمانة الزراعة والشرطة الزراعية وكل من له علاقة بالغابات..استغرق هذا الأمر قرابة العشرة أشهر.. فيما كانت أمي تندب حظها البائس لتتخلص من براريك الصفيح الباردة شتاءً، والساخنة صيفًا..
وأخيرًا وبعد معاناة واستخراج الأوراق تحصل أبي على أمر إزالة شجرة الزيتون غير المثمرة بإشراف جهات الاختصاص.. ومن ثم شرع في عملية البناء التي استمرت سنوات…
كان القانون شديد الصرامة .. وكان الالتزام بالتشريعات واحترام المواطن للغابات من المقدسات الوطنية التي لا يمكن تجاوزها.. أما اليوم فإن هذه المقدسات تنتهك في وضح النهار دون خوف وبلا حياء..