الاولىتقارير

تاريخ السحر من (أوستانا) إلى (إبراهيم)

يظل‭ ‬السحر‭ ‬أحد‭ ‬الهواجس‭ ‬فى‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية‭ ‬خاصة،‭ ‬والعالم‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬لاسيما‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬الشائكة‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الاشتباك‭ ‬معها،‭ ‬ومواجهة‭ ‬تداعياتها‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬فقد‭ ‬انتشرت‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬إعلانات‭ ‬عن‭ ‬برامج‭ ‬عن‭ ‬السحر‭ ‬وجلب‭ ‬الحبيب‭ ‬وجلب‭ ‬السعادة‭ ‬وجلب‭ ‬المتوفى‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الخرافات،‭ ‬وتقوم‭ ‬تلك‭ ‬القنوات‭ ‬أيضًا‭ ‬باستضافة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدجالين،‭ ‬لأسباب‭ ‬لا‭ ‬نعلمها‭ ‬ربما‭ ‬لجذب‭ ‬متابعين‭ ‬لهم‭ ‬أو‭ ‬ليس‭ ‬عندهم‭ ‬ما‭ ‬يقدموه‭ ‬للمشاهد‭ ‬أو‭ ‬لتحقيق‭ ‬أرباح‭ ‬مالية‭ ‬لأنها‭ ‬تجارة‭ ‬رابحة،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬خداع‭ ‬المشاهدين‭ ‬البسطاء‭ ‬وتدمير‭ ‬المجتمع‭.‬

بالنظرلحركةالسحر‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬واتصال‭ ‬حضوره‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬الحاضر‭ ‬فلايمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬السحر‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الماضى،‭ ‬أو‭ ‬ننبذه‭ ‬بوصفه‭ ‬نتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬للجهل،‭ ‬أو‭ ‬نصنفه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مرحلة‭ ‬تطورية‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الفكر‭ ‬الإنسانى،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬الثقافى،‭ ‬نعم‭ ‬لقد‭ ‬فسر‭ ‬العلم‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬غامضة‭ ‬وخفية،‭ ‬تفسيرًا‭ ‬علميا‭ ‬يستند‭ ‬على‭ ‬التعليل‭ ‬المنطقي‭ ‬المستند‭ ‬لمعطيات‭ ‬علمية،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬التغاضيَ‭ ‬عنه،‭ ‬فالسحر‭ ‬سيظل‭ ‬دائمًا‭ ‬بديلًا‭ ‬قائمًا‭ ‬لدى‭ ‬البعض،‭ ‬إن‭ ‬السحر‭ ‬بمعناه‭ ‬الواسع‭ ‬يشكل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الحالة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والاعتقاد‭ ‬بأنه‭ ‬سيختفي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬كونَه‭ ‬مجرد‭ ‬أمنية‭.‬

ففي‭ ‬عصور‭ ‬مضت‭ ‬بلغت‭ ‬محاربة‭ ‬الهرطقة‭ ‬‮«‬السحر‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬مطاردة‭ ‬السحرة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬أوجها‭ ‬تقريبا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬والقرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬وقد‭ ‬أعدم‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بتهمة‭ ‬مزاولة‭ ‬السحر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬إلى‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬معظمهم‭ ‬أحرقوا‭ ‬أحياء،‭ ‬وتشكل‭ ‬نسبة‭ ‬النساء‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬إلى‭ ‬85‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬أعمارهن‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬40‭ ‬عاما‭.‬

وكذلك‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬ومنذ‭ ‬القدم،‭  ‬وفي‭ ‬جزيرة‭ ‬العرب‭ ‬كان‭ ‬للسحرة‭ ‬والكهان‭ ‬حضورهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ولهم‭ ‬حضوة‭ ‬ومكانة‭ ‬حيث‭ ‬استعملوا‭ ‬السحر‭ ‬لمعرفة‭ ‬مكان‭ ‬الضالة‭ ‬والشيء‭ ‬المسروق،‭ ‬وللتفرقة‭ ‬بين‭ ‬الزوج‭ ‬وزوجه‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬القرآن،‭ ‬وكان‭ ‬السحرةيتنوعون‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬كان‭ ‬لهن‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عددة‭ ‬الممارسات‭ ‬لهذه‭ ‬الطقوس‭.‬

وهناك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭ ‬لربط‭ ‬السحر‭ ‬والشعوذة‭ ‬بالنساء،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬ذكورية‭ ‬بامتياز‭ ‬وكون‭ ‬النساء‭ ‬هن‭ ‬الطرف‭ ‬الأضعف‭ ‬شجع‭ ‬على‭ ‬استهدافهن،‭ ‬كما‭ ‬روج‭ ‬رجال‭ ‬الكنيسة‭ ‬المتشددون‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أن‭ ‬الوظيفة‭ ‬الحصرية‭ ‬للنساء‭ ‬هي‭ ‬إنجاب‭ ‬الأطفال،‭ ‬وتربيتهم،‭ ‬وإدارة‭ ‬الحياة‭ ‬المنزلية،‭ ‬وتقديم‭ ‬نموذج‭ ‬للخضوع‭ ‬المسيحي‭ ‬لأزواجهن،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أي‭ ‬خروج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يمكن‭ ‬وضعه‭ ‬ضمن‭ ‬الممارسات‭ ‬الشيطانية‭.‬

من‭ ‬أين‭ ‬أتى‭ ‬السحر؟‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬علم‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬بوقتٍ‭ ‬طويل،‭ ‬ظل‭ ‬المثقفون‭ ‬يفكرون‭ ‬مليًّا‭ ‬في‭ ‬إجابة‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬أنه‭ ‬أتى‭ ‬من‭ ‬الشرق،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬بُعد‭ ‬هذا‭ ‬الشرق‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬منه‭ ‬السحر؟‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬المفكر‭ ‬الروماني‭ ‬المناصر‭ ‬لمذهب‭ ‬الطبيعة‭ ‬بلينيوس‭ ‬الأكبر‭ )‬‮٢٣٧٩‬م‭( ‬أول‭ ‬محاولة‭ ‬مدروسة‭ ‬لتصور‭ ‬تاريخ‭ ‬السحر؛‭ ‬فقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬التاريخ‭ ‬الطبيعي‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬إجماع‭ ‬عالمي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السحر‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬فارس‭ ‬بظهور‭ ‬زرادشت‮»‬‭ ‬وبناءً‭ ‬على‭ ‬حسابات‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬عالم‭ ‬الرياضيات‭ ‬الإغريقي‭ ‬يودوكسوس‭ ‬والفيلسوف‭ ‬أرسطو،‭ ‬قدَّر‭ ‬بلينيوس‭ ‬أن‭ ‬زرادشت‭ ‬قد‭ ‬عاش‭ ‬قبل‭ ‬ستة‭ ‬آلاف‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬أفلاطون‭ ‬الذي‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭. ‬لكن‭ ‬السحر‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬إلا‭ ‬خلال‭ ‬الحملة‭ ‬الحربية‭ ‬الفاشلة‭ ‬التي‭ ‬شنها‭ ‬الملك‭ ‬الفارسي‭ ‬خشایارشا‭ ‬على‭ ‬الإغريق،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬عام‭ ‬‮٤٨٠‬‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭. ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬ساحر‭ ‬يُدعى‭ ‬أوستانا‭  ‬والذي‭ ‬اعتقد‭ ‬بلينيوس‭ ‬أنه‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬دوَّن‭ ‬السحر‭  ‬يرافق‭ ‬خشايارشا‭ ‬‮«‬ونشر‭ ‬الوباء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أينما‭ ‬حل‭ ‬خلال‭ ‬رحلتهما‮»‬‭ ‬وهكذا‭ ‬أصيب‭ ‬الإغريق‭  ‬كما‭ ‬يذهب‭ ‬بلينيوس‭ ‬متحسرًا‭  ‬باشتهاء‭ ‬السحر‭ ‬والجنون‭ ‬به‭. ‬وذكر‭ ‬أن‭ ‬فيثاغورس‭ ‬وأفلاطون‭ ‬وإيمبيدوكليس‭ ‬وديموقريطوس‭ ‬ارتحلوا‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬ليعرفوا‭ ‬المزيد‭ ‬عن‭ ‬السحر‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬أوستانا‭ ‬ورفيقه‭ ‬المجوسي،‭ ‬اللذان‭ ‬اعتبرهما‭ ‬بلينيوس‭ ‬محتالَين‭ ‬وأحمقَين‭.‬

اما‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الديانات‭ ‬السماوية‭ ‬فتجد‭ ‬الديانة‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬‮«‬التوراة‮»‬‭ ‬هجوما‭ ‬على‭ ‬السحر‭ ‬والسحرة‮ «‬سفر‭ ‬لاويين‭ ‬‮٢٠‬‭/‬‮٦‬،‭ ‬‮٢٧‬؛‭ ‬سفر‭ ‬تثنية‭ ‬‮٢٢‬‭/‬‮١٨» ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬السحر‭ ‬رجسا‭ ‬ونجاسة‭ ‬وزنى‭. ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬فهناك‭ ‬إشارات‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬قبول‭ ‬السحر‭ ‬كوسيلة‭ ‬مشروعة‭. ‬وهناك‭ ‬حادثة‭ ‬أليشع‭ ‬وهو‭ ‬ينصح‭ ‬الملك‭ ‬يوآش‭ ‬أن‭ ‬يتنبأ‭ ‬بفرص‭ ‬النصر‭ ‬ضد‭ ‬آرام‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬رمي‭ ‬السهام‮ «‬سفر‭ ‬ملوك‭ ‬ثاني‭ ‬‮١٣‬‭/‬‮١٤‬‭ ‬ـ‭ ‬‮١٩» ‬‭. ‬وقصة‭ ‬شمشون‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهمها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أنها‭ ‬قصة‭ ‬ساحر‭ ‬يعد‭ ‬شعره‭ ‬مكمن‭ ‬قوته‭ ‬وحياته‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭. ‬ولعل‭ ‬أحجار‭ ‬أوريم‭ ‬وتوميم‭ ‬على‭ ‬رداء‭ ‬الكاهن‭ ‬الأعظم،‭ ‬وعمودي‭ ‬بوعز‭ ‬ويوقين‭ ‬في‭ ‬الهيكل،‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬وظائف‭ ‬سحرية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حادثة‭ ‬أصنام‭ ‬الترافيم‭ ‬تدل‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬بالسحر‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭.‬

وكذالك‭ ‬مذهب‭ ‬الكابالا‭ ‬اليهودي‭ ‬وهو‭ ‬مذهب‭ ‬تصوفي‭ ‬اشراقي‭ ‬يستخدم‭ ‬ممارسات‭ ‬سحرية‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬شائعة‭ ‬في‭ ‬أتباع‭ ‬هاذا‭ ‬المذهب‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬ويحظى‭ ‬بانتشار‭ ‬وساع‭ ‬بين‭ ‬اتباع‭ ‬الديانة‭ ‬اليهودية‭. ‬اما‭ ‬الديانة‭ ‬المسيحية‭ ‬فقد‭ ‬حذا‭ ‬بعض‭ ‬الكُتَّاب‭ ‬المسيحيين‭ ‬الأوائل‭ ‬حذو‭ ‬الإغريق‭ ‬والرومان‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬أصول‭ ‬السحر‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬البشر،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬إلى‭ ‬زرادشت‭ ‬وأوستانا،‭ ‬لكنَّ‭ ‬ثَمَّةَ‭ ‬أسماءً‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬بارزة،‭ ‬منها‭ ‬ملكان‭ ‬مصريان‭ ‬ساحران‭ ‬اسمهما‭ ‬نخت‭ ‬أنبو‭ ‬وبختانيس‭. ‬لكن‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬تاريخ‭ ‬السحر‭ ‬مغمورًا‭ ‬بالكامل‭ ‬في‭ ‬‮«‬رؤية‭ ‬عالمية‮»‬‭ ‬مسيحية،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يحتويَ‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬نسبة‭ ‬السحر‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬ومواقع‭ ‬جغرافية‭. ‬ظهر‭ ‬السرد‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬مؤثر‭ ‬وملفق،‭ ‬مثل‭ ‬الرسالة‭ ‬الإكليمندية‭ ‬الزائفة‭ ‬التي‭ ‬تنسب‭ ‬للأب‭ ‬كليمنت‭ ‬أسقف‭ ‬روما،‭ ‬والتي‭ ‬انتشرت‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬الميلادي‭. ‬تقول‭ ‬الرسالة‭ ‬إن‭ ‬شياطينَ‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬علَّمت‭ ‬البشر‭ ‬السحر،‭ ‬ويتوافق‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬تراث‭ ‬يهودي‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬‮«‬سفر‭ ‬أخنوخ‮»‬‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الملائكة‭ ‬الساهرون‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬يعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد؛‭ ‬إذ‭ ‬يذكر‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬شياطين‭ ‬هبطت‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الرب‭ ‬مدفوعة‭ ‬بدوافع‭ ‬الفسق‭ ‬التي‭ ‬جعلتها‭ ‬تتمرد‭ ‬وتهبط‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬لتتزوج‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬البشر،‭ ‬وأنجبت‭ ‬عمالقة،‭ ‬وقد‭ ‬لقنت‭ ‬تلك‭ ‬الشياطين‭ ‬رفيقاتها‭ ‬الإناث‭ ‬السحر‭ ‬وعلم‭ ‬الأعشاب‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تستمع‭ ‬بحريتها‭.‬

زما‭ ‬في‭ ‬الديانة‭ ‬المسيحية‭ ‬فد‭ ‬نظرت‭ ‬الكنيسة‭ ‬إلى‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬التمرد‭ ‬ضد‭ ‬الأعراف‭ ‬والمؤسسة‭ ‬الدينية،‭ ‬وربطت‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الخضوع‭ ‬للشيطان،‭ ‬ولكن‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬لدى‭ ‬الرجال‭ ‬فرصة‭ ‬لمقاومة‭ ‬الغواية‭ ‬الشيطانية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬امتلاكهم‭ ‬الوعي‭ ‬والعلم،‭ ‬فإن‭ ‬النساء‭ “‬الجاهلات‭”‬،‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للاستسلام‭ ‬للإغراء‭ ‬وإبرام‭ ‬مواثيق‭ “‬الإخلاص‭ ‬للشياطين‭”.‬

لطالما‭ ‬كان‭ ‬احتكار‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬السيطرة،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬رجال‭ ‬الكنيسة‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬مواقعهم‭ ‬كمالكين‭ ‬حصريين‭ ‬للحكمة‭ ‬والمعرفة‭ ‬بأنواعها،‭ ‬ومثلت‭ ‬النساء‭ ‬اللواتي‭ ‬كن‭ ‬خبيرات‭ ‬بأسرار‭ ‬العقاقير‭ ‬والأعشاب،‭ ‬وبارعات‭ ‬في‭ ‬استقراء‭ ‬ظواهر‭ ‬الطبيعة،‭ ‬تهديدا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قبوله‭. ‬

لذلك‭ ‬كان‭ ‬تركيز‭ ‬المسيحية‭ ‬منصبًّا‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬انتقال‭ ‬السحر‭ ‬عبر‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الذكور؛‭ ‬إذ‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬‮«‬إقرارات‮»‬‭ ‬الرسالة‭ ‬الإكليمندية‭ ‬الزائفة‭ ‬أن‭ ‬حام‭ ‬بن‭ ‬نوح‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الشيطاني‭ ‬الفاسق‭ ‬الجديد،‭ ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬علمه‭ ‬بالسحر‭ ‬باقيًا‭ ‬بعد‭ “‬الطوفان‭ ‬العظيم‭” ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬مصرايم‭ ‬ابنه،‭ ‬ومن‭ ‬ابنه‭ ‬إلى‭ ‬ذريته‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬والفرس‭ ‬والبابليين‭. ‬وهكذا‭ ‬شُبِّه‭ ‬مصرايم‭ ‬بزرادشت‭ ‬‮«‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مصادر‭ ‬أخرى‭ ‬تذكر‭ ‬أن‭ ‬حام‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬زرادشت‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬إبيفانيوس‭  ‬أحد‭ ‬آباء‭ ‬الكنيسة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭  ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬السحر‭ ‬ظهر‭ ‬قبل‭ ‬حام‭ ‬واختار‭ ‬أن‭ ‬ينسبه‭ ‬لجاريد‭ ‬ابن‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬ذرية‭ ‬آدم‭. ‬يعد‭ ‬النمرود‭ ‬أيضًا‭ ‬شخصية‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬التاريخية‭ ‬الأولى‭ ‬عن‭ ‬السحر؛‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬إنه‭ ‬حفيد‭ ‬حام،‭ ‬وإنه‭ ‬عاش‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬الحضرية‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬بابل‭ ‬وأوروك‭ ‬‮«‬الوركاء‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬اكتسب‭ ‬شهرة‭ ‬أسطورية‭ ‬كصياد‭ ‬بارع‭ ‬وثائر‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الرب‭. ‬يقول‭ ‬إبيفانيوس‭ ‬إن‭ ‬النمرود‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬علم‭ ‬السحر،‭ ‬وتروي‭ ‬‮«‬الإقرارات‮»‬‭ ‬كيف‭ ‬تلقى‭ ‬علمه‭ ‬بالسحر‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر‭ ‬من‭ ‬أعلى،‭ ‬من‭ ‬السماء‭. ‬وكان‭ ‬بعض‭ ‬الكُتَّاب‭ ‬الأوائل‭ ‬أيضًا‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬النمرود‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬زرادشت‭. ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬السلالة‭ ‬التي‭ ‬انحدر‭ ‬منها،‭ ‬كانت‭ ‬الرؤية‭ ‬المسيحية‭ ‬اليهودية‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السحر‭ ‬أنتجه‭ ‬البابليون‭ ‬أو‭ ‬الفرس‭ ‬أو‭ ‬المصريون،‭ ‬الذين‭ ‬تعلم‭ ‬موسى‭ ‬منهم‭ ‬حيلة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭.‬

أما‭ ‬الإسلام‭ ‬فقد‭ ‬وقف‭ ‬من‭ ‬السحر‭ ‬موقفا‭ ‬حاسما،‭ ‬فسدّ‭ ‬كل‭ ‬طريق‭ ‬يؤدي‭ ‬إليه،‭ ‬وحرّم‭ ‬تعلمه‭ ‬وتعليمه‭ ‬وممارسته،‭ ‬منعا‭ ‬لضرره،‭ ‬وحسما‭ ‬لمادة‭ ‬الخرافة‭ ‬أن‭ ‬تتسلل‭ ‬إلى‭ ‬عقول‭ ‬المسلمين‭ ‬فتعطلها‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬الصحيح،‭ ‬والتخطيط‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬الأسباب‭ ‬والمسببات‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬عليه‭ ‬نظام‭ ‬الكون‭ .‬

فالسحر‭ ‬كما‭ ‬أخبر‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬طريق‭ ‬للفساد‭ ‬وسبب‭ ‬للضرر‭ ‬بين‭ ‬العباد،‭ ‬وهو‭ ‬فوق‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬سبب‭ ‬للكفر‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه‭ ‬والخروج‭ ‬عن‭ ‬دينه‭ ‬وشرعه‭ .‬

بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الآثار‭ ‬المدمرة‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬فقد‭ ‬أجمل‭ ‬القرآن‭ ‬مفاسد‭ ‬السحر‭ ‬فذكر‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الكفر‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه،‭ ‬والتفريق‭ ‬بين‭ ‬المرء‭ ‬وزوجه،‭ ‬وإدخال‭ ‬الضرر‭ ‬على‭ ‬العباد،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ :‬‮ ‬‭{‬‮ ‬وما‭ ‬يعلمان‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬يقولا‭ ‬إنما‭ ‬نحن‭ ‬فتنة‭ ‬فلا‭ ‬تكفر‭ ‬فيتعلمون‭ ‬منهما‭ ‬ما‭ ‬يفرقون‭ ‬به‭ ‬بين‭ ‬المرء‭ ‬وزوجه‭ ‬وما‭ ‬هم‭ ‬بضارين‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬ويتعلمون‭ ‬ما‭ ‬يضرهم‭ ‬ولا‭ ‬ينفعهم‭ ‬ولقد‭ ‬علموا‭ ‬لمن‭ ‬اشتراه‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭ ‬من‭ ‬خلاق‮ ‬‭} ‬يقول القرطبي‮ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الآية‭: ‬‮«‬ولا‭ ‬ينكر‭ ‬أن‭ ‬السحر‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬القلوب،‭ ‬بالحب‭ ‬والبُغْض،‭ ‬وبإلقاء‭ ‬الشرور‭ ‬حتى‭ ‬يفرّق‭ ‬الساحر‭ ‬بين المرء‭ ‬وزوجه‮»‬‭ ‬وينشر‭ ‬العداوة‭ ‬والبغضاء‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭..‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬السحر‭ ‬ذلك‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬وكما‭ ‬يقال‭ ‬‮«‬ملأ‭ ‬الدنيا‭ ‬وشغل‭ ‬الناس‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬زال‭ ‬عالمه‭ ‬متشابك‭ ‬متداخل‭ ‬تمتزج‭ ‬فيه‭ ‬الحقيقة‭ ‬بالخيال‭ ‬،‭   ‬ويتقاطع،‭ ‬أحيانا‭ ‬مع‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة،‭ ‬وعمل‭ ‬العصابات‭ ‬بكافة‭ ‬أنواعها‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وخطف‭ ‬وترويج‭ ‬مخدرات،‭ ‬ولايزال‭ ‬الناس‭ ‬مختلفون‭ ‬فيه‭ ‬منذ‭ ‬الأزل‭ ‬فلم‭ ‬تتفق‭ ‬فيه‭ ‬كلمتهم‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬ينضبط‭ ‬لهم‭ ‬ضابط‭ ‬في‭ ‬الزخذ‭ ‬بتلابيب‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الهلامي‭ ‬الزئبقي‭ ‬،‭ ‬فلا‭ ‬قوانين‭ ‬الطبيعة،‭ ‬والتعاليلي‭ ‬المنطقية،‭ ‬ولا‭ ‬القرات‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬وهبها‭ ‬الله‭ ‬لأغلب‭ ‬البشر‭ ‬تستوعبه‭ ‬وتفهمه‭ ‬ويبقى‭ ‬البشر‭ ‬مختلفون‭ ‬فيه‭ ‬كما‭ ‬اختلفوا‭ ‬في‭ ‬غيره،‭ ‬وذلك‭ ‬طبيعة‭ ‬البشر‭ ‬،‭ ‬الاختلاف‭  ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭.‬

ـــــــــ

من‭ ‬مصادر‭ ‬التقرير

‭* ‬موقع‭ ‬صحيفة‭ ‬مونت‭ ‬كارلو‭ ‬الدولية‭  ‬mcd

‭* ‬موسوعة‭ ‬ويكيبيديا

‭* ‬صحيفة‭ ‬الجزيرة‭ ‬الالكترونية

‭* ‬تفسير‭ ‬القرطبي

‭*‬كتاب‭ ‬السحر‭ ‬مقدمة‭ ‬قصيرة‭ ‬جدا‭/ ‬أوين‭ ‬ديفنز

‭* ‬السحر‭ ‬والدين‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭/ ‬خزعل‭ ‬الماجدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى