اتفقت نسبة كبيرة من الليبيين على مختلف مشاربهم من الصوفي إلى المتمسك بالمذهب المالكي إلى السلفي الذي يميل إلى المذهب الحنبلي، وبالذات في الدواخل، والمناطق القبلية، على ادخال العرف وهو أصل مختلف عليه بين المذاهب الفقهية، حيث اتفقوا على استخدامه وبالخص في مواجهة الحلقة الأضعف والعنصر الهش في المجتمع الا وهي المرأة، والأطفال ففي الغالب يستحوذ العم على نصيب ابناء الاخ بحجة القيام بمصالحهم والحفاظ على مالهم، أما المرأة فتمنع منحقها في الإرث بحجة عدم ذهاب الأرض أو المال لرجل غريب، ويضربون كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم عرض الحائط فقد جاء تفصيل مسائل الإرث في الشريعة الاسلامية تقسيما دقيقا بحيث لم، يترك مجالا لقائل، وعلى مستوى الدول في العالم العربي والإسلامي وتعاملها مع الموضوع وهو من المواضيع الحساسة والمهمة التي تتعلق بالحقوق المالية للأفراد، وله ثر كبير على الأسرة والمجتمع، يتبع توزيع الإرث نظاماً مزدوجاً يعتمد على الشريعة الإسلامية والقوانين المدنية، حيث تنظم الشريعة معظم قوانين الإرث، لكن بعض الدول وضعت قوانين مدنية قد تتفاوت مع الأحكام الشرعية لأسباب اجتماعية أو قانونية.وإذا كانت مسائل الإرث بهذه الحساسية فهي جديرة لأن تؤدي إلى نزاعات بين أفراد الأسرة والمجتمع، خاصةً عندما تتداخل القوانين الشرعية مع التشريعات المدنية أو تختلف التوقعات حول توزيع الحصص….
في جميع الحضارات كان الميراث موضوعا هاما وحساسا، حيث كانت كل حضارة تتبنى قوانين وتقاليد خاصة لتنظيم مسألة الميراث وتوزيع الممتلكات بعد وفاة الشخص وكذلك عند العرب في الجاهلية كان يخضع لأعراف وتقاليد تختلف عن تلك التي جاء بها الإسلام لاحقًا، ففيما يخص مهبط الوحي في الجزيرة العربية فقد كان من أهم سمات نظام الميراث في الجاهلية تفضيل للذكور الأقوياء حيث كانت الأولوية في الميراث تُعطى للذكور، خصوصًا أولئك القادرين على حمل السلاح والدفاع عن القبيلة. لذا، لم يكن الأطفال الصغار أو النساء، مثل البنات والأرامل، يحصلون على أي نصيب في الميراث، نظرًا لاعتقادهم بأن النساء والأطفال لا يسهمون في حماية القبيلة ولا يشاركون في الحروب.
ولكن عندما جاء الإسلام، تغيّر نظام الميراث هذا جذريًا، إذ وضع ضوابط عادلة تضمن حصول جميع الورثة، بمن فيهم النساء والأطفال، على نصيبهم وفق قواعد محددة تتوازن فيها الحقوق مع الواجبات داخل الأسرة والمجتمع.
فقد تميزت مقاصد الشريعة الإسلامية في تقسيم الميراث في تحقيق العدالة وحفظ حقوق الأفراد والمجتمع. وقد جاء نظام الإرث الإسلامي متوازنًا وشاملًا ليحقق مصلحة الفرد والأسرة والمجتمع ككل. وفيما يلي أبرز مقاصد الشريعة الإسلامية من تقسيم الميراث:
1. تحقيق العدالة الاجتماعية
تقسيم الميراث في الشريعة الإسلامية يعتمد على مبدأ العدالة، حيث يتم توزيع التركة على الورثة وفقًا لقرابتهم من المتوفى واحتياجاتهم المالية. فقد حرصت الشريعة على توفير التوازن بحيث يحصل كل فرد على نصيبه بما يناسب وضعه واحتياجه، مما يضمن العدالة بين الورثة ويحد من التفاوت بين الأفراد.
2. حماية حقوق المرأة
رغم اختلاف حصة الذكر عن الأنثى في بعض الحالات، إلا أن الشريعة الإسلامية خصصت للمرأة حقًا ثابتًا في الإرث، مما كان غير مألوف في بعض الثقافات القديمة التي كانت تحرم النساء من الإرث تمامًا. فتخصيص نصيب محدد للمرأة يُظهر عناية الشريعة الإسلامية بحقوقها المالية، ويدعم مكانتها في المجتمع والأسرة.
. تعزيز التكافل الأسري
من مقاصد تقسيم الميراث تعزيز روح التكافل والتعاون داخل الأسرة، حيث يشمل توزيع الإرث الأقارب من درجات مختلفة. هذا التوزيع يساهم في تقوية الروابط الأسرية ويشجع على مراعاة الأرحام والعناية ببعضهم البعض، مما يسهم في بناء أسر متماسكة.
4. التقليل من النزاعات الأسرية
يوفر نظام الميراث الإسلامي قواعد واضحة للتوزيع، مما يقلل من فرص النزاع بين الورثة. فاتباع الأحكام الشرعية يمنع التلاعب بالتقسيم أو حرمان بعض الأفراد من حقوقهم، وبالتالي يقلل من الصراعات ويحقق الاستقرار الأسري.
5. تحقيق الاستقرار المالي
يهدف توزيع الإرث إلى تأمين مستقبل الورثة، حيث تحصل كل فئة على نصيب يتناسب مع حاجتها. فمثلًا، يحصل الأبناء والأحفاد على نصيب أكبر، مما يضمن لهم الأمان المالي ويساعدهم في بناء حياتهم واستمرارية الأسرة.
6. الحد من التكدس المالي عند الفرد الواحد
تسعى الشريعة إلى توزيع الثروة بين عدد من الورثة، مما يمنع تكدس المال بيد شخص واحد أو فئة معينة من الورثة. فالتوزيع المتوازن يساهم في تحقيق التوازن المالي بين الأفراد ويقلل من الفوارق الاقتصادية.
7. حماية مصالح الأجيال القادمة
يحقق تقسيم الإرث مصلحة الأجيال القادمة، حيث يمنح الأبناء نصيبًا من الإرث يمكن أن يساعدهم في بناء مستقبلهم وتكوين أسر جديدة. وبذلك تسهم الشريعة في ضمان مستقبل الأجيال المتعاقبة دون إلحاق الضرر بهم.
وبهذا العرض الموجز تتجلى مقاصد الشريعة في تقسيم الميراث في تحقيق العدالة والتكافل والاستقرار الاجتماعي، حيث تهدف الأحكام إلى تحقيق مصالح الأفراد والمجتمع ككل. وبهذا يُعد نظام الإرث في الإسلام نموذجًا متكاملًا يحقق التوازن ويعزز روح التعاون والاحترام داخل الأسرة والمجتمع.
لكن ورغم كل ذلك تعتمد معظم الدول العربية على قوانين الأحوال الشخصية المبنية على الشريعة الإسلامية، مما يعني أن توزيع الإرث يتم وفقاً للأحكام الشرعية. ومع ذلك، أدخلت بعض الدول تعديلات أو نصوص قانونية لمعالجة قضايا معينة مثل الإرث في الزواج المختلط، أو إعطاء الحق للأبناء بالتساوي بغض النظر عن الجنس. على سبيل المثال:
1. تونس: أدخلت تونس قوانين مدنية تنص على المساواة بين الذكور والإناث في الإرث، رغم أنها لا تزال تمنح العائلة الخيار بالالتزام بالشريعة الإسلامية.
2. لبنان: يعتمد توزيع الإرث في لبنان على الانتماء الطائفي للفرد، حيث تخضع الطوائف المختلفة لقوانين إرثية خاصة بها. فالمسلمون يعتمدون على الشريعة الإسلامية، بينما تتبع الطوائف المسيحية قوانين كنسية قد تختلف في توزيع الحصص.
3. مصر: يطبق في مصر نظام الإرث الشرعي بشكل كامل، حيث يتم توزيع الإرث وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن توجد قوانين مدنية للتعامل مع قضايا خاصة كزواج الأجانب.
تقسيم الإرث في القانون الليبي
يعتمد القانون الليبي في تقسيم الإرث بشكل كبير على أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بناءً على المذهب المالكي الذي تتبناه ليبيا. تتضمن القوانين الليبية تقسيم الميراث وفقًا للأصول الشرعية، مع بعض التعديلات القانونية التي تراعي الحالات المدنية والإدارية. فيما يلي أهم ما يتعلق بتقسيم الإرث وفق القانون الليبي:
1. المرجع الشرعي والقانوني
يتم توزيع الإرث في القانون الليبي بناءً على الشريعة الإسلامية، حيث يُعتمد على النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية والتي تنظم حصة كل وارث حسب درجة قرابته من المتوفى.
كما يستند القانون إلى أحكام الفقه المالكي، ويتم تنظيم تقسيم الإرث عبر قوانين الأحوال الشخصية الليبية، وخاصة القانون رقم 10 لسنة 1984 الخاص بالأحوال الشخصية، الذي يتناول جميع قضايا الزواج والطلاق والميراث.
2. أسس تقسيم الإرث
الفروض: تُقسم التركة أولاً بحسب الفروض الشرعية المحددة في القرآن الكريم، مثل حصة الزوجة أو الزوج، والأم، والأب، والبنت، والأخت، وما إلى ذلك.
التعصيب: بعد توزيع الأنصبة أو الفروض الشرعية، يتم توزيع الباقي على الورثة العصبة الأقرب للمتوفى، كالأبناء والأعمام وأبناء الأعمام، حسب الأحقية والقرابة.
أولوية الأقرب: يمنح القانون الليبي أولوية للورثة الأقرب درجةً في القرابة، حيث يرث الأقرب للمتوفى، وفي حال عدم وجوده ينتقل الميراث إلى من يليه من الأقارب.
3. حصة المرأة في الإرث
يُطبق القانون الليبي أحكام الشريعة الإسلامية بخصوص توزيع الإرث بين الذكر والأنثى، حيث يُعطى الذكر ضعف نصيب الأنثى في بعض الحالات، مثلما هو الحال بين الإخوة والأبناء.
كما تحظى المرأة بنصيب محدد بحسب درجة قرابتها للمتوفى، سواء كانت أمًا، أو زوجة، أو أختًا، أو بنتًا.
4. تطبيق الوصية
يتيح القانون الليبي للمتوفى ترك وصية شرط أن لا تتجاوز ثلث التركة، ويحق له التصرف بهذا الثلث حسب رغبته بعد الوفاة، سواء للأقارب أو غيرهم.
إذا لم يتم تحديد وصية أو كانت الوصية تتجاوز الثلث، يتم توزيع الإرث بشكل كامل وفقًا للأحكام الشرعية دون تجاوز الأنصبة المحددة.
5. قضايا خاصة في القانون الليبي
الميراث بين غير المسلمين: يمنع القانون الليبي التوارث بين المسلم وغير المسلم، ويطبق هذا المبدأ في حال وجود زواج بين مسلم وغير مسلم.
الميراث بين الجنسيات المختلفة: يطبق القانون الليبي أحكام الميراث على جميع المواطنين الليبيين سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها، بينما قد يتم النظر في قضايا الزواج المختلط مع الأجانب حسب القوانين الوطنية والدولية.
6. تنظيم التركة وتصفيتها
يُلزم القانون الليبي بضرورة توثيق التركة وتصفيتها بترتيب معين لضمان تسديد الديون، ثم تنفيذ الوصايا، وأخيرًا توزيع التركة على الورثة.
كما يشدد القانون على ضرورة الفصل في النزاعات المتعلقة بالإرث أمام المحاكم الشرعية في حال نشوب خلافات بين الورثة.
7. المساواة في الإرث
يجري الحديث في ليبيا حول موضوع المساواة بين الذكور والإناث في الإرث، لكن حتى الآن يُطبق القانون الليبي الأحكام الشرعية التقليدية ولا يقر مبدأ التساوي بين الجنسين في التركة، بل يتم الالتزام بالقاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” في بعض الحالات.
خاتمة
يلتزم القانون الليبي بأحكام الشريعة الإسلامية في توزيع الإرث مع مراعاة بعض الأمور القانونية والمدنية، وبهذا يضمن حفظ حقوق الورثة بما يتماشى مع التعاليم الإسلامية والقواعد الفقهية .