يجمع بعض المؤرخين المنصفين بأن ليبيا هي مفترق طرق الحضارات..عكس ماتذكره المصادر المتخصصة التي تضع ليبيا بعد المرتبة 40 تقريبا من حيث التراث التاريخي..متناسين أن ليبيا قادت إلى إثراء عميق لكل البلدان التي مرت فوق خارطتنا..أيام جاءوا بثقافة عمرانهم وأسلوب حياتهم ومصالحهم ليبنوا مدنهم على الساحل الليبي قريبا من بلدانهم عبر البحر المتوسط..في حين تظل الشواهد الثقافية الليبية الأقدم موجودة في الجبال والرمال الصفراء..وهاهو التاريخ يعيد نفسه فكثير من الدول تضع بلادنا ضمن تخطيط مصالحها الجيوسياسية..لذا فإن التراث الليبي لم يبدأ بعد بناء آثار لبدة وصبراتة وشحات..بل سبقته الدواميس والكهوف وشواهد كثيرة هنا وهناك تحتاج إلى الظهور على السطح..وبما أن السياحة هي بوابة التاريخ حيث تعمل على إتاحة فهم أعمق للثقافات والحضارات والأحداث التاريخية المختلفة..إذن لابد من تسليط الضوء على الثقافة والتاريخ الغني والمتنوع للمجتمع الليبي الأصيل..خاصة أن العالم يعيش تحديات تغير المناخ ونقص الحاضنة الإجتماعية وفقر السياحة غير المتوازنة برا وبحرا وجبالا وصحراء بينما تتوفر جميعها عندنا..لابد من جلب الأشخاص الذين يجلبون الحياة إلى الأماكن..واحتضان إمكانات الماضي لخلق مجتمع أكثر مرونة عندما يساهم المواطنون في الثقافة السياحية..فبالسياحة نساعد على حماية التراث والهوية الوطنية للأجيال القادمة بدلا من غربة هوية الإنترنت في ظل ربط جل بدايات تاريخنا بالغرباء البونيقيين والفينيقيين والاغريق والرومان وهلم جرا..فالسفر إلى عين المكان سواء آثارهم أم آثارنا يمكن الزوار من مزج وجهات النظر المختلفة والروايات غير المحكية..وطبعا تعمل السياحة المستدامة على تعزيز الإقتصاد المحلي وتظل نافذة مشروعة على الماضي الثقافي الغني..وكمثال أنواع الموسيقى الشعبية التي تجمع بين الثقافات المتنوعة من الأمازيغية والأفريقية والعربية والمتوسطية والشرقية والغربية..طبعا عندنا عدد من المواقع الأثرية مدرجة على قائمة اليونسكو التي تصنف الحيز المكاني المحدود وتعود أغلبها للغير وهي نسخة من التي عندهم لكنها تظل طبعا مرجعية سياحية..إذن لابد من سبر اغوار الماضي من المهد ونبني عليه وليس من منتصف الطريق..فنحن عندنا البقاع التاريخية المتناثرة وتحتاج لمن يجمعها..السياحة تعريف لمن لا يعترف بتاريخنا أو من لا يعرف شيئا إلا إننا بلد النفط والغاز أو ينساق لتحذير بعض وزارات الخارجية من السفر إلى ليبيا وهذا تسييس من باب الحصار السياحي ورفع يد الفيتو ضد التاريخ..فكيف لدول أخرى يزورها عشرات الملايين سنويا لمجرد مشاهدة مسرح أو قصر..في حين انه بإمكاننا قلب معادلة حق النقض فكل طرق التاريخ تؤدي إلى ليبيا..